انقلب السحر على الساحر وبطلت تدريجياً مفاعيل الحظر الاقتصادي والضغوط القصوى على ايران، ودقّت طهران وبكين اسفيناً اخراً في نعش سلاح العقوبات والإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد الجمهورية الاسلامية ودول الإقليم والعالم.
اتفاقية القرن بامتياز ولمدة 25 عاماً التي وقّع عليها بحروف من ذهب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في طهران السبت، حدث استثنائي وتاريخي وقفزة نوعية في العلاقات بين الحليفين، ستساهم الى جانب الحليف الروسي بنقل مركز الثقل الاقتصادي والسياسي من الغرب الى الشرق، وتكسر الأحادية القطبية الأميركية، وتعزز تعدد الأقطاب الدوليين، وفي مقدمتهم الحلف الروسي الصيني الإيراني .
اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين طهران وبكين مؤلفة من 18 صفحة تحت عنوان "برنامج التعاون الشامل" دخلت حيز التنفيذ بعد التوقيع عليها مباشرة، لينطلق قطار التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني والنفطي والصناعي والتكنولوجي والعلمي بين البلدين، وتؤسس لشراكة بين "الأسد والتنين" كما وصفها البعض، وتشكل ركناً أساسياً في مشروع "الحزام والطريق" لربط الاقتصاد الصيني مع الاقتصاديات الكبرى والأسواق العالمية، ومن المتوقع ان تترك تأثيراتها على المشهد الإقليمي، وتوازنات القوى في العالم .
تداعيات الاتفاقية بدأت تٌسمع وتٌلمس حتى قبل التوقيع عليها من خلال ليونة أظهرتها الإدارة الأميركية الجديدة تجاه طهران، ولعلها أحد أهم أسباب رغبة واشنطن بالعودة الى الاتفاق النووي، والجلوس على طاولة المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية، وهذا ما يفسر اعلان كوريا الجنوبية أيضا رغبتها باستئناف العلاقات التجارية والاقتصادية مع ايران، والتفاوض معها للافراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في مصارفها ( تقدر بنحو 7 مليار دولار)، فيما أعلنت الهند أنها جاهزة لانجاز وتطبيق الاتفاق حول بناء ميناء جابهار الإيراني الحيوي بعد توقف العمل فيه تحت وطأة التهديدات والعقوبات الأميركية.
اتفاق الشراكة بين طهران وبكين بقيمة مالية تتجاوز ال400 مليار دولار، يشكل النفط والتكنولوجيا والمال والتجارة ركناً أساسياً فيها، ومن أهم بنوده:
- توسيع التعاون في مجالات النفط الخام والبتروكيماويات حيث سيتدفق النفط الإيراني في الأسواق الصينية، وقد بدأ بالفعل مع إعلان الصين عن زيادة وارداتها من النفط الإيراني الى مليون برميل نفط يوميا.
- تعزيز التعاون الاستراتيجي في كافة المجالات العسكرية والدفاعية والأمنية.
- التعاون المالي والمصرفي واعتماد العملات المحلية في التبادل التجاري بين البلدين.
- انشاء الطرق السريعة والسكك الحديدية، والمفاصل البحرية لتعزيز دور ايران في مشروع الحزام والطريق.
- التعاون في مجالات السياحة والصناعة والعلوم الأكاديمية والتكنولوجيا.
- التعاون في مختلف مجالات مكافحة الإرهاب.
- التعاون في المحافل الدولية والمنظمات الإقليمية ومساندة بعضهما في القرارات الدولية.
يقول بريجنسكي في كتاب رقعة الشطرنج الكبرى: ان السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في قيام تحالف اكبر بين الصين وروسيا وربما ايران ايضاً، وهو تحالف مضاد للهيمنة الأميركية لا توحده الأيديولوجيا بل التذمر المشترك.
وتشير التقديرات الغربية الى أن الصين "ستصبح القوة الاقتصادية الأعظم في العالم في غضون خمس إلى عشر سنوات، وسيصبح اليوان الصيني العملة الرئيسية الأولى في العالم". كما كشف تقرير استخباري أميركي أن "الصين تجاوزت أميركا في عدد القطع البحريّة، بحيث باتت رسمياً أكبر قوّة بحريّة في العالم، وبات لديها 360 قطعة بحرية هجوميّة تضم سفناً وغواصات نوويّة وطائرات مسطحة بالمقارنة مع 250 قطعة هي مجموع قطع الأسطول الأميركي في الوقت الراهن".
انطلقت عملية التفاوض حول الاتفاقية الاستراتيجية بين ايران والصين عام 2016 أثناء زيارة الرئيس الصيني جين بينغ الى طهران، واكد على ضرورة متابعتها وتطبيقها قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي.
لقراءة النص الكامل للاتفاقية
-إعلامي وباحث سياسي.
- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.
-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.
- مدير موقع الخنادق الالكتروني.
mshamass110@yahoo.com