مع اقتراب ذكرى وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، يتكشف بعد عام كامل، أن المجتمع الإسرائيلي ما زال عالقاً في الحرب -رغم التزام حزب الله الكامل بالاتفاق فيما تخرقه "إسرائيل"-، إذ يواصل دفع الثمن الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، ويكافح لإعادة لملمة ما تبقّى من الشمال المنهار. هذا الواقع يطرح سؤالاً محقاً إذا كان الاحتلال غير قادر حتى الآن على احتواء مجتمع مفكك، فكيف يلوّح بإعادة فتح حرب جديدة مع حزب الله، بينما يهدد مستوطنوه بالرحيل النهائي؟
الشمال المفكك
تصف القناة 12 العبرية العام الأخير بأنه "الأصعب في تاريخ الشمال"، مشيرةً إلى أن الحرب كانت أطول من أي مواجهة سابقة، وأن آثارها ستستمر لسنوات طويلة. حيث برز التفكك الاجتماعي بشكل واسع حيث أن عشرات آلاف المستوطنين لم يعودوا إلى منازلهم، والبنى التحتية في المستوطنات الحدودية تآكلت بالكامل.
المستوطنات التي كانت تُسوَّق كـ "خط الدفاع الأول" تحولت إلى عبء على الكيان. فشعور المستوطنين بأن الجيش تخلّى عنهم عمّق أزمة الثقة، وباتت العلاقة بين الطرفين قائمة على الريبة. أما محاولات الحكومة لإظهار "عودة الحياة" إلى الشمال، فتكشفها الوقائع اليومية المتمثلة في البلدات الفارغة، المدارس المغلقة، ومستوطنون يضغطون لعدم جرّهم مجدداً إلى جبهة جديدة.
وتكشف مستوطنة جعتون، كغيرها من مستوطنات الشمال، حجم التصدّع في الجبهة الداخلية. فبحسب تقرير "تايمز أوف إسرائيل"، واجه السكان سلسلة أزمات أساسية منها:
غياب الغرف المحصّنة في المنازل القديمة.
الاعتماد على الملاجئ الجماعية التي لم تتسع للجميع.
صعوبة وصول كبار السن والمعوقين إلى الملاجئ.
إغلاق العيادات الطبية وتحويل العلاج إلى مناطق أبعد.
تعطّل الحياة الاقتصادية، ما دفع عشرات المستوطنين للمغادرة.
مديرة الخدمات الاجتماعية في المستوطنة، سمادار طال، أكدت أن المستوطنين كانوا يستعدون للحرب منذ أشهر عبر تنظيف الملاجئ وتركيب مراتب جديدة ومعالجة التسربات. لكنّ كل هذه الخطوات لم تُجدِ أمام وتيرة الاستهداف التي فاجأت المستوطنة، ما يكشف أن البنى التحصينية الإسرائيلية غير قادرة أساساً على استيعاب أي مواجهة طويلة.
انهيار اقتصاد الشمال
الضربة الاقتصادية جاءت أشدّ قسوة فوفق القناة 12 العبرية 85% من الشركات في الجليل سجّلت انخفاضاً في الإيرادات خلال العام الماضي. و45% من أصحاب الأعمال يفكرون في الإغلاق النهائي. وغالبية الشركات لم تتلقّ أي مساعدات حكومية. فيما تزال آلاف الملفات معلّقة بسبب الإجراءات البيروقراطية منذ أكثر من عامين.
هذا الواقع يعكس مأزقاً وسط تزايد الأصوات التي تصف الحكومة بأنها "عاجزة عن إدارة دولة في الحرب".
المستوطنون ينذرون بالرحيل النهائي
خلال الأشهر الأخيرة، ارتفع مستوى التهديدات الصادرة عن سكان الشمال تجاه الحكومة. يقول المستوطنون بوضوح: "إذا اندلعت حرب جديدة مع حزب الله، لن نعود إلى هنا". لأن الشمال لم يعد قابلاً للحياة وأصبح ساحة مهددة في أي لحظة.
وفوق ذلك، فإن مغادرة المستوطنين للشمال تعني ضربة مباشرة للمشروع الاستيطاني نفسه، خصوصاً في المستوطنات التي تشكل الفاصل الحدودي بين لبنان والجليل. وأي تراجع في أعدادهم سيخلق فراغاً جغرافياً غير مسبوق، وهو ما تخشاه المؤسستان العسكرية والسياسية.
في حين يرفع اليوم قادة الاحتلال سقف التهديدات ضد لبنان، بينما تظهر الوقائع أن "الجبهة الداخلية لم تتعافَ بعد". ويعلم الكيان أن إعادة فتح الجبهة بشكل واسع تعني ضرب ما تبقّى من الشمال، وتعميق الشرخ بين الكيان ومجتمعه.
على المقلب الآخر، يظهر حجم الضغوط الحقيقية التي تستهدف مجتمع المقاومة -من اغتيالات متكررة، واعتداءات جوية، وتحليق مستمر للطيران الحربي، وحصار سياسي وإعلامي دولي يهدف إلى نزع سلاحها- إلا أن هذا المجتمع لم يُظهر أي علامة من علامات الانهيار أو التراجع. على العكس تماماً، تستمر هذه القاعدة الشعبية في الالتفاف حول المقاومة، وتأييد خياراتها سواء في الحرب أو في السلم، إدراكاً منها أن التمسك بالمقاومة خيار لحماية لبنان والدفاع عن سيادته.
هذا الثبات في لحظة إقليمية حساسة، يؤكد أن الكيان يعيش أزمته الداخلية، فيما مجتمع المقاومة يعيش تماسكاً استثنائياً يجعله قادراً على مواصلة المواجهة، إن وقعت.
الكاتب: غرفة التحرير