يدور المقال أدناه، من إصدار معهد responsible statecraft حول الصراع السعودي–الإماراتي على النفوذ في السودان، والذي بات العامل الحاسم في مستقبل الحرب هناك. فقد ضغط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على إدارة ترامب للتحرك ضد الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، معتبرًا أن طريق السلام يمر عبر واشنطن لا الخرطوم.
يشرح المقال أن عملية السلام الرسمية وصلت إلى طريق مسدود، إذ ترفض القوات المسلحة السودانية أي هدنة ما لم تتخل قوات الدعم السريع عن سلاحها، فيما تواصل الأخيرة عملياتها العسكرية مستفيدة من دعم عسكري إماراتي والذي منحها تفوقًا ميدانيًا حاسمًا أدى لسقوط مدينة الفاشر، وما رافق ذلك من مجازر وانتهاكات واسعة.
تتعرض الإمارات لاتهامات أمريكية مباشرة بتسليح قوات الدعم السريع، وتواجه ضغوطًا متزايدة في الكونغرس، ومحاولات لتمرير تشريعات توقف مبيعات السلاح لها. في المقابل، تحاول أبوظبي تحسين صورتها إعلاميًا عبر قنوات مثل سكاي نيوز عربية، ونفي ارتباطها بالمجازر.
يوضح المقال أن سقوط الفاشر شكل نقطة تحول حاسمة، مهددًا بانهيار الدولة السودانية، ودافعًا مصر وتركيا إلى تعزيز دعم الجيش السوداني باعتباره الجهة الوحيدة التي تملك مؤسسات دولة فعلية. وشددت السعودية بدورها على دعم "المؤسسات الشرعية"، خوفًا من أن يتحول السودان إلى مصدر تهديد مباشر لأمنها ولاستثمارات رؤية 2030.
ينتهي المقال باستنتاج مفاده أن كل ما يسمى "عملية السلام" مجرد واجهة، وأن الصراع الحقيقي يدور في كواليس واشنطن، حيث يسعى محمد بن سلمان لانتزاع نفوذ سياسي على حساب محمد بن زايد. لقد لعب الأول ورقته القوية في العاصمة الأمريكية، والسؤال المطروح في خاتمته هو: ماذا سيكون رد الثاني؟
النص المترجم للمقال
مع رفض اتفاقية السلام الأخيرة، بات من الواضح أن السبيل الوحيد لوقف إراقة الدماء هو أن تتولى الولايات المتحدة التدخلات الإماراتية.
بينما اجتاح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (MBS)، واشنطن الأسبوع الماضي، كان جدول الأعمال حافلًا بالصفقات كما كان متوقعًا: تعهد باستثمار تريليون دولار، والحصول على طائرات مقاتلة متطورة من طراز F-35، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأمريكية المرغوبة، والتي تصدرت عناوين الأخبار. ومع ذلك، كان هناك تطور مهم في الحرب الأهلية في السودان ضمن هذه الصفقات.
ففي حديثه في منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي، قال الرئيس دونالد ترامب إن السودان "لم يكن ضمن حساباته"، معتبرًا الصراع "مجرد أمر مجنون وخارج عن السيطرة" حتى ضغط عليه الزعيم السعودي. وروى ترامب: "يريد جلالته مني أن أفعل شيئًا قويًا للغاية فيما يتعلق بالسودان"، مضيفًا أن محمد بن سلمان صاغ الأمر كفرصة للعظمة.
يُسلّط تدخل ولي العهد الضوء على واقع جديد حاسم، وهو أن طريق السلام، أو استمرار الحرب، في السودان يمرّ الآن بشكل مباشر أكثر فأكثر عبر التنافس المتصاعد بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. يُصاغ مصير السودان في الخليج، وسيُحدّد مستقبله أيّ طرف يتمتع بنفوذ أكبر في البيت الأبيض بقيادة ترامب.
وصلت عملية السلام الرسمية، عمليًا، إلى طريق مسدود. فقد اصطدم اقتراح كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، بهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، كخطوة أولى في خارطة طريق وضعتها "الرباعية" (أمريكا، والسعودية، والإمارات، ومصر)، بمواقف الأطراف المتحاربة المتعارضة. وقد قبلت قوات الدعم السريع شبه العسكرية، بعد أن حققت للتو انتصارًا كبيرًا في السيطرة على آخر مدينة يسيطر عليها الجيش في دارفور، الهدنة اسميًا مع مواصلة هجومها.
مع ذلك، تشبثت القوات المسلحة السودانية بموقفها. وكان قائدها، عبد الفتاح البرهان، صريحًا لا لبس فيه، مُعلنًا أنه "لا هدنة ولا محادثات ولا سلام" حتى تُلقي قوات الدعم السريع سلاحها، وأن مقترح وقف إطلاق النار الحالي هو "الأسوأ حتى الآن" زاعمًا أنه كان خطة "لإلغاء وجود القوات المسلحة" مع إبقاء قوات الدعم السريع على حالها. الفجوة بين الجانبين ليست سهلة التجاوز.
كانت نقطة التحول الحاسمة سقوط الفاشر، عاصمة شمال دارفور، في أيدي قوات الدعم السريع أواخر الشهر الماضي بعد حصار وحشي دام ثمانية عشر شهرًا. ورافق الاستيلاء على المدينة تقارير مروعة عن عمليات قتل جماعي واغتصاب ممنهج وفظائع عرقية، وصفها المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنها "بؤرة المعاناة الإنسانية في العالم".
تُعزى نجاحات قوات الدعم السريع في ساحة المعركة إلى دعم أجنبي كبير، لا سيما من الإمارات العربية المتحدة. وقد اتهم خبراء الأمم المتحدة والمشرعون الأمريكيون الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، بما في ذلك طائرات مسيرة متطورة منحتها تفوقًا حاسمًا. وتنفي أبو ظبي ذلك رسميًا، لكن الضرر الذي لحق بسمعتها في أعقاب الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر أصبح لا يمكن إنكاره. وتتراوح تقديرات عدد القتلى في المدينة بين 2000 وعشرات الآلاف، بينما فرّ ما يقرب من 90 ألف مدني من الفاشر منذ استيلاء قوات الدعم السريع عليها وفقًا لأرقام الأمم المتحدة. وفي اعتراف مثير للاهتمام، أقرّ أنور قرقاش، المبعوث الدبلوماسي الإماراتي البارز، مؤخرًا بأن القوى الخليجية ارتكبت "خطأً فادحًا" بعدم معارضتها لانقلاب عام 2021 الذي مكّن كلا الجنرالين المتحاربين، وقضى على احتمالية قيام "حكومة مدنية" تدعو إليها الإمارات الآن . في حين وُصف البيان بأنه لحظة تأمل رصين، فإنه يُمثل أيضًا محاولةً لإبعاد أبوظبي عن أفعال قوات الدعم السريع المروعة، وتعزيز ادعائها بالحياد في النزاع. وتدعم هذه الإشارة الدبلوماسية حملة إعلامية شرسة.
أرسلت قناة سكاي نيوز عربية، وهي مشروع مشترك يُسيطر عليه جزئيًا نائب رئيس الإمارات، مراسلًا إلى مدينة الفاشر المحاصرة، وقد قللت التغطية الإعلامية الناتجة، كما كان متوقعًا، من شأن المعاناة الإنسانية، في محاولة لإضفاء الشرعية على القوة شبه العسكرية. تُكمل هذه الحرب السردية الميدانية جهودًا أوسع نطاقًا يبذلها المؤثرون الإماراتيون لإلقاء اللوم على القوات المسلحة السودانية وحلفائها الإسلاميين في الفظائع المرتكبة في الفاشر، على الرغم من انسحاب الجيش الكامل من المدينة وقت وقوع الهجمات على المدنيين. يبدو أن حسابات أبوظبي هي أن التداعيات ستكون قابلة للإدارة، معتمدةً على آلتها الإعلامية وعلاقاتها القوية مع ترامب لتجاوز هذه الأزمة. إلا أن هذه المحاولة لإعادة تموضعها في الرأي العام تصطدم بمواقف متشددة في واشنطن. أشار وزير الخارجية ماركو روبيو مؤخرًا إلى هذا النفاد المتزايد للصبر، مُصرّحًا بأنه "يجب اتخاذ إجراء لقطع الأسلحة والدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع". وفي جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قبل أشهر، كان أكثر صراحةً، مُشيرًا إلى الإمارات العربية المتحدة مباشرةً و"دول أخرى" تُشنّ "حربًا بالوكالة تُزعزع استقرار المنطقة". علاوةً على ذلك، وفي خطوةٍ مهمة الأسبوع الماضي، حاول الديمقراطيون في مجلس الشيوخ، بقيادة كريس فان هولين (ديمقراطي من ولاية ماريلاند)، لإقرار "قانون الدفاع عن السودان"، الذي كان من شأنه تعليق جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات العربية المتحدة حتى يُصدّق البيت الأبيض على توقفها عن تسليح قوات الدعم السريع. ورغم عرقلة مشروع القانون، إلا أنه يُشير إلى تزايد القلق بين أعضاء الكونغرس من دور أبوظبي في حرب السودان الوحشية.
في الواقع، أثار الصراع المطول شبح الانهيار الكامل للدولة في السودان، وهو خطر تفاقم بسقوط الفاشر. وقد حرر هذا الانتصار قوات الدعم السريع من عناصرها ومواردها للتقدم شرقًا، مهددًا باستعادة السيطرة على وسط السودان والخرطوم، التي طردها الجيش منها العام الماضي. وهذا يضع القوات المسلحة السودانية (وما تبقى من الدولة التي تمثلها) في خطر وجودي، وهو قلق تتشاركه الآن كتلة إقليمية متنامية، حيث أفادت التقارير أن مصر وتركيا تنسقان لتعزيز قدرات القوات المسلحة السودانية.
بعد سقوط الفاشر مباشرة، سافر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى بورتسودان لإجراء محادثات عاجلة مع رئيس أركان الجيش البرهان. وفي مقابلة أُجريت معه على متن طائرته في طريقه إلى عاصمة الحرب السودانية، صاغ عبد العاطي تدخل مصر بعبارات واضحة تتعلق بالأمن القومي، محذرًا من أن الحرب تُنذر بـ"انقسام" سيكون "بالغ الخطورة" ليس على السودان فحسب، بل على مصر نفسها. وأضاف عبد العاطي أن الجيش السوداني "لا يمكن استبداله بكيانات موازية"، وهو رفض واضح وحازم لشرعية قوات الدعم السريع.
بالنسبة لهذه القوى الإقليمية، يُعد دعم الجيش حسابًا عمليًا. فالحكومة التي يقودها الجيش تحتفظ بمقعد البلاد في الأمم المتحدة، وتسيطر على آخر بقايا أجهزة الدولة اللازمة لتوفير الخدمات العامة وتمكين عودة ملايين النازحين السودانيين، وهي عملية جارية بالفعل، حيث أفادت الأمم المتحدة بعودة أكثر من مليون شخص إلى الخرطوم التي يسيطر عليها الجيش.
يُثير هذا الاحتمال بانهيار الدولة على أعتابها قلقًا بالغًا للمملكة العربية السعودية، وهو المسؤول المباشر عن تدخلها الدبلوماسي القوي الأخير. فمع وجود أقل من 200 ميل من البحر الأحمر يفصل بينهما، تخشى الرياض أن يصبح السودان الفاشل مركزًا للمهاجرين والإرهاب والاتجار بالأسلحة والمخدرات مثل الكبتاجون (الذي ازدهر إنتاجه بعد اندلاع الحرب الأهلية في السودان)، مما يهدد أمنها بشكل مباشر وأهداف رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد. وعلى هذه الخلفية، فإن دعم السعودية للسلطة المركزية يشكل ضرورة استراتيجية، وقد أشارت صراحة إلى دعمها للحفاظ على "المؤسسات الشرعية" في السودان، وهو تأييد دبلوماسي واضح للجيش الوطني على حساب منافسه شبه العسكري.
وفقًا لمصادر مطلعة على مكالمة بين محمد بن سلمان والبرهان قبل مغادرة ولي العهد إلى واشنطن، أصر قائد القوات المسلحة السودانية على أن الحرب لا يمكن أن تنتهي دون ضغط أمريكي على الإمارات، وهو طلب وعد ولي العهد بنقله مباشرة إلى البيت الأبيض. ويبدو أن هذا الضغط قد تجاوز مجرد طلب بسيط للضغط. ووفقًا لتقرير شبكة بي بي إس الإخبارية، فإن "طلب" المملكة العربية السعودية من البيت الأبيض لم يتضمن فقط تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية أجنبية، بل تضمن أيضًا الخطوة القصوى المتمثلة في فرض عقوبات ثانوية على الإمارات نفسها لدورها في تسليح القوات شبه العسكرية. وبدا أن البرهان أكد نجاح هذا الجهد الخلفي في منشور على X بعد وقت قصير من إعلان ترامب، حيث شكر كلا الزعيمين بشكل واضح: "شكرًا لك، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، شكرًا لك الرئيس دونالد ترامب".
في الوقت الراهن، لا تزال عملية السلام الرسمية، التي تُجسّدها الرباعية ويقودها مبعوث أمريكي واحد بملفّ واسع للغاية، مجرد حدث جانبي. سيُشكّل التنافس المُشتدّ على النفوذ مع البيت الأبيض بين الرياض وأبو ظبي العاملَ الحقيقي المُحدّد لمستقبل السودان.
محمد بن سلمان اتخذ خطوته في واشنطن، والسؤال الآن هو كيف سيرد محمد بن زايد.
المصدر: معهد responsible statecraft
الكاتب: Elfadil Ibrahim