الثلاثاء 27 أيار , 2025 11:39

رؤية السيد الخامنئي: أعداء إيران يفاوضون بالخداع

السيد القائد ورؤيته الواضحة عن أعداء إيران

منذ انتصار الثورة الإسلامية، تواجه إيران نمطاً ثابتاً من السلوك العدائي الغربي، الذي لا يهدف فقط إلى إقامة قطيعة مع الجمهورية الإسلامية، بل إلى الحؤول دون تحولها إلى قوة مستقلة وفاعلة على صعيد الإقليم والعالم. لم يقتصر هذا العداء على الحروب المباشرة، بل تجلّى في أشكال أكثر تعقيداً تشمل الحروب المعرفية، الحصار الاقتصادي، الاغتيالات الممنهجة، الهجمات السيبرانية، والابتزاز السياسي تحت ذرائع الملفات النووية وحقوق الإنسان. في خضم هذه المواجهة متعددة الأبعاد، تبلورت رؤية القيادة الإيرانية، بقيادة السيد علي الخامنئي، التي لم تكن وليدة اللحظة، بل نتاج تجربة تاريخية متراكمة مع الهيمنة الغربية، ولا سيما الأمريكية، التي تسعى مراراً لضرب نموذج إيران سواء من الناحية النووية، لأنها لا تريد دولة قوية تقف في وجهها، أو من الناحية الثقافية، لمنع بروز مثقفين قادرين على مواجهة نفوذها، أو عبر أدوات أخرى متنوعة. وقد رسخت هذه الرؤية مبدأ الصمود كشرط أساسي لحماية استقلال الجمهورية وتحقيق التقدم.

هوية العدو وأساليبه

يرى الإمام الخامنئي أن العدو لا يأتي ويقول: "أنا عدو لك وأنت تُشكّل خطراً على مصالحي"، لأن أسلوبه دائماً يتسم بالخداع. فإذا صح التعبير، فهو قادر على أن يبتسم لك، وهو في الوقت نفسه يخطط لإلحاق الأذى بك. وفي خطابٍ له مع مسؤولي النظام الإسلامي، قال قائد الثورة الإسلامية إن "الرئيس الأمريكي يمكنه أن يظهر وكأنه يحتفل بالنيروز ويفرش سفرة هفت سين، وفي المقابل يكون في طور إسقاط طائرة مدنية إيرانية". لذا، فالحرب مع هذا العدو قد تكون خشنة، من خلال الضربات المباشرة والحروب وعمليات الاغتيال، كما يحصل مع العاملين على البرنامج النووي الإيراني، ومثال ذلك الشهيد محسن فخري زاده. وقد تكون ناعمة، وهي الأخطر والأكثر استعمالاً، حيث يشير الإمام الخامنئي إلى عدد كبير من مراكز الأبحاث والدراسات في الغرب التي تبحث في الإسلام السياسي (على قاعدة أن المعرفة تمكّنك من التعامل أكثر مع الهدف)، وتشمل حملات تشويه واغتيالات. كما قد تكون الحرب أمنية، من خلال أنشطة سرية بتنفيذ من وكالة الأمن القومي الأميركي والموساد، كما حصل في "ستاكسنت"، حيث زُرع فيروس إلكتروني داخل مفاعل نطنز النووي.

تكتيك الغرب

يؤكد الإمام الخامنئي دائماً أن هدف الأعداء ليس تغيير سياسة معينة، بل منع إيران من التنامي والحؤول دون تحوّلها إلى قوة مستقلة ونموذج ناجح يُحتذى به في المنطقة، خصوصًا في العالم الإسلامي. لذا تُبقي الولايات المتحدة وأوروبا إيران دائماً في دائرة التهديدات والعقوبات وهذا ما يُعرف بالتحجيم الاستراتيجي. فمن يعتقد بأن مشكلة إيران مع أمريكا تكمن فقط في الملف النووي، فهو مخطئ. فبطبيعة أعداء الجمهورية، كلما تم تجاوز عقبة معهم، انتقلوا إلى مرحلة جديدة. وبحسب الإمام: "إذا تم حل موضوع الاتفاق النووي، فسينتقل العدو إلى الصواريخ، وإذا تم حلها، فسينتقل إلى ولاية الفقيه"، وهكذا دواليك، في محاولة دائمة لتفكيك مقدرات الدولة الإيرانية. من هنا، فإن الإمام الخامنئي واثق بأن هذا الاستكبار كما يصفه مراراً لا يمكن التفاوض معه ليمنحك حقك، لأنه يملك مخططاً واضحاً، وهدفه هو تدمير الجمهورية. ولذلك، وإن تظاهر بالسلام والدبلوماسية، يجب ألّا ننسى أنه عدو.

استراتيجية إيران وفق قائد الثورة الإسلامية

قد يتساءل البعض: إذا كانت هذه هي نظرة الإمام العميقة للغرب، فلماذا وافق على المفاوضات والاتفاق النووي؟ يجيب القائد بوضوح أن الاتفاق ليس هدفاً بحد ذاته، بل أداة ضمن مجموعة أدوات لحماية مصالح إيران. فإذا ما تعارضت هذه الأداة مع السيادة أو الأمن، فإن الجمهورية مستعدة للتخلي عنها دون تردد، كما أشار الإمام الخامنئي بصريح العبارة في أكثر من مناسبة. فعندما مزّق ترامب الاتفاق النووي، جاء رد الإمام: "إذا مزقتم الاتفاق فنحن سنحرقه"، في تأكيد على أن سيادة البلاد فوق كل اعتباركما يشدد القائد على أن الغرب، وخاصة أمريكا، لا تمنح الحقوق طوعاً، بل يجب انتزاعها منها بقوة الموقف والإرادة، لأن احترام الغرب لأي طرف لا ينبع من أخلاقه بل من إدراكه لقوة ذلك الطرف. من هنا، فإن استراتيجية إيران تقوم على الجمع بين الحضور السياسي والدبلوماسي، والجهوزية للدفاع، متى استشعرت الخطر.

ترتكز رؤية القائد تجاه الأعداء، لا سيما الغرب والولايات المتحدة، على أن العلاقة معهم ليست خلافاً يمكن تسويته بالحوار، بل اختلافات بنيوية نابعة من طبيعة النظام الإسلامي واستقلالية قراره السياسي والثقافي. فالثقة بالعدو تُعدّ خطأ استراتيجياً، وأي تساهل في التعامل معه أو افتراض إمكانية تحوّله إلى شريك في التنمية والسلام هو في منطق القيادة الإيرانية وهم. ويستخدم الأعداء أساليب ضغط متعددة الأبعاد معرفية، اقتصادية، أمنية، وسياسية لضمان نتائج تخدم مصالحهم، ما يستدعي وعياً يقظاً بكل الجبهات. فهم بانتظار لحظة خضوع إيران لإملاءات الخارج، كما تفعل بعض الدول، مقابل وعود برفع العقوبات أو تحسين العلاقات. ولهذا، تؤكد الرؤية على ضرورة الحذر الشديد، خصوصاً في إدارة الملفات الخارجية والتفاوض، لأن أي تراجع أو تعثّر يمنح العدو فرصة للنفاذ إلى الداخل، من خلال رصد دقيق لنقاط الضعف بهدف تحقيق الاختراق.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور