يفترض هذا المقال الذي نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، بأنه مع تزايد المشاعر المعادية لليهود واحتمال تحوّلها إلى سياسة رسمية، فإن ذلك يعني بأن "العصر الذهبي" لليهود في أمريكا قد انتهى بالفعل. مضيفاً بأن هذا كلّه هو بسبب تداعيات ما حصل منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، من حرب على غزة. واصفاً هذه الحالة بأنها تشبه "خروج العفريت من القمقم"، بعدما كان محبوساً فيه لوقت طويل. فالرؤية الفكرية التي ترسّخت في الجامعات –تصوّر إسرائيل كياناً استعمارياً وإبادياً – تمددت بعيداً إلى مؤسسات ثقافية أخرى.
وهنا لا بدّ الإشارة الى أن ما يقصده الكاتب بمعاداة السامية، هو الحراك العالمي المعادي للصهيونية والكيان المؤقت وجرائمهما بحق الشعب الفلسطيني، لكن بطبيعة الحال، دائماً ما يُستخدم هذا المصطلح لمحاولة تضليل حقيقة الأمر.
النص المترجم:
قبل عامين فقط، كان من الصعب تخيّل أن يفاخر عمدة مدينة نيويورك المنتخب بأنه أمر باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب بموجب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية؛ أو أن يُقتل شابّان حضرا فعالية للجنة اليهودية الأمريكية في واشنطن على يد مهاجم صرخ "فلسطين حرة"؛ أو أن يُدهس يهود أثناء حضورهم قدّاس يوم الغفران في مانشستر ثم يُطعنوا حتى الموت – على أن أياً من هذه الأفعال لم يرتكبه متطرفون يمينيون.
هكذا كان تأثير 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 على اليهود في الخارج. فعلى الرغم من أن أفعال "اليهود السياديين" في إسرائيل لطالما أثّرت في حياة اليهود في الشتات، فإن تداعيات 7 أكتوبر والحرب اللاحقة في غزة تُشعر اليهود اليوم بتأثيرات لم تُشهد منذ قيام إسرائيل – خصوصاً مع موجة معاداة السامية في الدول الغربية، وهي موجة لم تُرَ منذ الهولوكوست.
وهذا يطرح سؤالاً صارخاً: هل تمّ تجاوز خطّ أحمر لا عودة عنه؟ هل بلغ العداء تجاه اليهود وإسرائيل كتلة حرجة ستتصلّب وتحوّل مستويات معاداة السامية الراهنة إلى "الوضع الطبيعي الجديد"؟ أم أن هذه المستويات ستتراجع مع انتهاء العمليات الكبرى في غزة وتحول اهتمام العالم إلى أماكن أخرى؟
ليست هذه المرة الأولى التي ترتدّ فيها أحداث إسرائيل على اليهود في الخارج. حتى في الأزمنة التوراتية، غضب النبي حزقيال – المنفي في بابل – بشدة عندما تمرّد الملك صدقيا على بابل، ما صدم اليهود في المنفى الذين اعتبروا تحالفه مع مصر، عدو بابل، خطوة طائشة.
وفي التاريخ الحديث، شكّلت إسرائيل مراراً الهوية اليهودية حول العالم – من التأسيس إلى حرب الأيام الستة. وفي العقود اللاحقة، أدت أحداث مثل الانتفاضة الأولى، وحرب لبنان الأولى، وسياسات إسرائيل في الضفة الغربية، وجولات الحرب المتكررة في غزة، إلى تراجع مؤقت في النظرة الغربية. لكن مكانة إسرائيل كانت دائماً تستعيد عافيتها. والأهم أن أياً من تلك الأحداث لم يرفع مستويات معاداة السامية في الغرب بدرجة ملموسة.
لكن 7 أكتوبر وما بعده كانا مختلفين. قبل ذلك اليوم، كان بإمكان اليهود في الخارج أن يختاروا مدى مركزية إسرائيل في هويتهم. ذلك الازدواج في الوجود انتهى فجأة قبل عامين. فموجة معاداة السامية التي اندلعت بعد 7 أكتوبر بقيت عند مستويات استثنائية طوال 2024، وتشير بيانات 2025 إلى أن الاتجاه لا يخفّ.
وكأن "العفريت خرج من القمقم"، بعدما كان محبوساً فيه لوقت طويل. فالرؤية الفكرية التي ترسّخت في الجامعات – والتي تصوّر إسرائيل كياناً استعمارياً وإبادياً، وتضع اليهود ضمن الطبقة البيضاء القامعة – تمددت بعيداً إلى مؤسسات ثقافية أخرى. قد نكون أمام نهاية "مرحلة توقّف" معاداة السامية في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية.
المقلق بشكل خاص أن معاداة السامية أكثر بروزاً بين البالغين دون 35 عاماً، وهي الفئة الأكثر عداءً لإسرائيل ولليهود معاً. بالنسبة لكثير منهم – خصوصاً من كانوا على الجامعات في ربيع 2024 – أصبحت حرب غزة "القضية الأخلاقية" المؤسسة لجيلهم. مصطلحات مثل "التجويع" و"الإبادة" دخلت الخطاب العام، وغرست أحكاماً مسبقة يصعب إزالتها. والكراهية ضد اليهود باستخدام هذه المصطلحات باتت شائعة عبر التيارات السياسية كلها: من أقصى اليمين الذي يستغل الخطاب المعادي لإسرائيل كقناة جاهزة لمعاداة السامية، إلى أقصى اليسار – بل وحتى اليسار التقليدي – الذي يغلف عداءه بلغة "العدالة"، ويتهم "الصهاينة" أو حتى «اليهود» بارتكاب إبادة أو هولوكوست.
الأخطر أن مسؤولين وهيئات حكومية بدأوا يخضعون لضغط "التقطير المستمر" للكراهية ضد اليهود – أو يساهمون فيه. فقد تسرّب هذا الأسبوع أن خفر السواحل الأمريكي لم يعد يعتبر الصليب المعقوف رمزاً للكراهية، ورفض العمدة ممداني إدانة احتجاج مليء بالكراهية أمام كنيس في مانهاتن كان ينظم فعالية عليا، بل ووجّه اللوم إلى الكنيس نفسه. وفي أوروبا، انتقلت مقاطعة إسرائيل من هوامش النشاط إلى السياسة الرسمية، مع سعي دول مثل هولندا وإيرلندا وإسبانيا لمنع مشاركة إسرائيل في "يوروفيجن". وهذه المواقف العلنية، التي تدّعي استهداف سياسات إسرائيل، ليست إلا قمة جبل الجليد: فهناك مقاطعات صامتة أو شبه صامتة لفنانين وكتّاب وأكاديميين يهود أو إسرائيليين تنتشر بعيداً عن الأضواء.
وقد تكون لهذه التطورات تبعات طويلة المدى على اليهود حول العالم، وفق سيناريوهين محتملين – أحدهما سيّئ، والآخر أسوأ.
السيناريو الأول: يخفّ الزخم المعادي لإسرائيل الناجم عن حرب غزة إلى حد ما، لكن النفور من إسرائيل – ومن اليهود – يستمر. يصبح الجوّ الذي اضطر الطلاب اليهود إلى تحمّله في الجامعات الليبرالية خلال العقد الماضي جزءاً من الحياة العامة، وخاصة في المدن الليبرالية حيث يتركز معظم اليهود. لكن المجتمع اليهودي ينجح – إلى حد كبير – في منع تسرّب معاداة السامية إلى مؤسسات الحكم. تصبح الحياة غير مريحة، لكنها ليست مستحيلة، ويغدو وضع اليهود في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا شبيهاً بوضع يهود فرنسا في العقد الماضي.
السيناريو الثاني: تبقى معاداة السامية – خصوصاً بصيغتها "المناهِضة للصهيونية" – عند مستوياتها الحالية أو حتى تتصاعد بدفع ذاتي. وفي بعض الدول، قد يواجه اليهود – المهمشون أصلاً في الأكاديميا والفنون – تمييزاً أوسع وأكثر منهجية، وتصبح الاعتداءات الجسدية واللفظية (من اليمين واليسار معاً) أمراً عادياً. وتمتد معاداة السامية إلى أجهزة الحكم – وبالتالي أجهزة الأمن. (تخيّل وضع اليهود تحت رئيس وزراء بريطاني مفترض مثل جيريمي كوربين، أو رئيس أمريكي مثل ممداني أو ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز). سيضطر اليهود إلى ممارسة شعائرهم – ودعمهم لإسرائيل – سراً، وستزداد الهجرة (خصوصاً نحو إسرائيل). وتكفّ واشنطن عن كونها حليفاً استراتيجياً لإسرائيل، مما يضعف الأخيرة. وسيشبه وضع يهود الغرب في بعض البلدان وضع اليهود خلف الستار الحديدي خلال الحقبة السوفياتية.
العام المقبل سيكشف ما إذا كانت مستويات معاداة السامية قابلة للانعكاس في غياب "ذريعة" حرب غزة. لكن الضرر قد يكون عميقاً للغاية، وجذور النفور متجذرة بما يمنع تلافي النتائج طويلة الأمد. قد يكون العصر الذهبي لليهود في أمريكا قد انتهى بالفعل، وربما نكون في بدايات – لا في نهايات – هذا الانحدار.
المصدر: تايمز أوف إسرائيل
الكاتب: غرفة التحرير