عند الحديث عن جبهات العملية الروسية في أوكرانيا، هناك جبهة موازية للجبهات العسكرية، لا يمكن الغفلة عنها، وهي الجبهة الدبلوماسية التي لا تقل ضراوة عن العسكرية. وقائد هذه الجبهة من دون منازع، هو وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي يشغل هذا المنصب منذ 18 عاماً.
فما هي أهم المحطات في حياة ومسيرة الوزير لافروف؟ وكيف استطاع طوال هذه السنوات وبالأخص الآن من إيصال صوت روسيا الدبلوماسي في الخارج بقوة، كما كانت في السابق؟
_ ولد لافروف في الـ 21 من آذار/مارس للعام 1950 في موسكو، لأب أرميني من "تبليسي" في جورجيا الاشتراكية السوفياتية، وأم روسية من" نوجينسك" الروسية الاشتراكية السوفياتية، التي كانت تعمل في وزارة التجارة الخارجية السوفيتية.
_تخرج لافروف من المدرسة الثانوية بميدالية فضية، وكان يخطط للالتحاق بالجامعة الوطنية للأبحاث النووية أو معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، نظراً لولعه وتفوقه في مادة الفيزياء. إلاأن والدته نصحته بالالتحاق بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO)الذي تخرج منه بجدارة في العام 1972. لذا فهو تلميذ المدرسة السوفياتية في الدبلوماسية التي من مبادئها الأساسية: الجدية القصوى في العمل، والنُبل في التصرّف، وأن يكون دبلوماسي مصدر إزعاج لكل مَن يحاول إخضاع الإرادة الروسية.
_ أثناء فترة تعلمه في المعهد، سرعان ما تعلم اللغة السنهالية وهي اللغة الرسمية الوحيدة لسريلانكا، وكذلك الديفيهي اللغة الرسمية لجزر المالديف. بالإضافة الى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
_ وبسبب تمكنه من اللغة السريلانكية، عمل في سفارة بلاده بسريلانكا كمستشار، حيث كان بالفعل متخصصًا في شؤون البلاد. وفي ذلك الوقت، كان لدى البلدين تعاون وثيق في السوق والاقتصاد. وسرعان ما تم تكليف لافروف بمهمة التحليل المستمر للوضع في هذه البلاد، بل وعمل أيضًا كمترجم وسكرتير شخصي ومساعد لـ"رفيق نيشونوف"، الذي أصبح فيما بعد السكرتير الأول الثاني عشر للحزب الشيوعي الأوزبكي السوفيتي. إضافة إلى ذلك، حصل لافروف على رتبة ملحق دبلوماسي.
_ في العام 1976، عاد لافروف إلى موسكو، لتولي مهام السكرتير الثالث ثم الثاني، في قسم العلاقات الاقتصادية الدولية للاتحاد. حيث شارك هناك في التحليلات، وعمل مكتبه أيضًا مع العديد من المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة.
_ في العام 1981، تم إرساله كمستشار أول للبعثة السوفيتية الدائمة في الأمم المتحدة. وفي العام 1988، عاد إلى موسكو، وعُين نائباً لرئيس قسم العلاقات الاقتصادية الدولية في الاتحاد. وبين عامي 1990 و1992 عمل مديرًا للمنظمة الدولية لوزارة الخارجية السوفيتية.
_ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي نيسان/أبريل للعام 1991، تم تعيينه نائباً لوزير الخارجية. وفي العام 1992، تم تعيين لافروف مديرًا لإدارة المنظمات الدولية والقضايا العالمية في وزارة الخارجية في الاتحاد الروسي.
_ عمل لافروف في وزارة الخارجية حتى العام 1994، حينما عاد للعمل في الأمم المتحدة، لكن هذه المرة كممثل دائم لروسيا. وأثناء توليه المنصب الأخير، تولى رئاسة مجلس الأمن 7 مرات، في فترة شهدت العديد من الأزمات والحروب الدولية، كحرب كوسوفو وهجمات الـ9 من أيلول/سبتمبر وتداعياتها من احتلال لأفغانستان والعراق.
_ وفي 9 آذار/مارس للعام 2004، عينه الرئيس فلاديمير بوتين في منصب وزير الخارجية، خلفاً لإيغور إيفانوف، وهو مستمر في هذا المنصب حتى الآن، نظراً لمزاياه العديدة التي جعلته قائداً حقيقياً للجهاز الدبلوماسي لبلاده، طوال هذه السنوات التي شهدت تغييرات جيوستراتيجية على صعيد منطقتنا والعالم، وبالرغم من ذلك استطاع تحقيق أهداف وسياسة بلاده الخارجية بشكل منقطع النظير.
وهذا ما نشهده الآن، من خلال تصديه للحرب الأمريكية الشعواء، التي جندت أغلبية دول العالم التابعة لها، لتشويه سمعة روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، على خلفية الأزمة الأوكرانية التي صنعتها واشنطن.
_ يُنظر إلى لافروف على أنه مفاوض ماهر، وجديّ ومهنيّ لأقصى الحدود. يتمتع بالحضور القوي والطباع الحادّة، فهو يرسي قاعدة أولى لكلّ من يريد التعامل معه بأن لا يملي عليه أي أوامر، فهو مقتنع بأنه في عمله هو بشخصه يمثّل روسيا، ولا أحد يأمر روسيا بل الكل يتفاوض معها.
وفي الوقت عينه، يتمتع لافروف بحس الفكاهة ودماثة الأخلاق. حتى اعتروه بأنه من أعاد للدبلوماسية الروسية مكانتها في العالم.
أمّا معظم من عملوا معه من دبلوماسيين وسياسيين أجانب، فقد وصفوه بالدبلوماسي القوي، والحذق والمتنبّه دائماً، وهو أحد أكثر وزراء الخارجية اطلاعاً ومهنية واحتراماً.
أما الدبلوماسيون الأمريكيون، فيصفونه بأنه جدار الصدّ الدائم بوجه كل محاولة أميركية، لفرض قرار أو المضي بقيادة أحادية نحو أمر ما.
الكاتب: غرفة التحرير