قُضي الأمر. نال ولي العهد السعودي ما رمى إليه من دعوة الصحفيين إليه ذات يوم في كانون الأول/ديسمبر الفائت. اذ ان الزيارة التي لم يعلن عن تفاصيلها، كان قد خُطط لها جيداً. وما كان تصريح محمد بن سلمان بأن "الامارات قد طعنتنا في الظهر"، إلا خطوة مدروسة، لا زلة لسان، أُريد منها ان تصل إلى مسامع الرئيس الاماراتي في حينها، حتى لو تأخر تسريب ما جرى إلى الساعات القليلة الماضية. وعلى ما يبدو ان التصعيد الاماراتي في المحافظات الجنوبية اليمنية بمواجهة النفوذ السعودي، الذي وصل إلى ذروته خلال الأشهر الماضية، يعني ان الرسالة السعودية قد وصلت.
حمل بن سلمان، محمد بن زايد إلى التصعيد في اليمن. اذ ان رغبة الأخير في الخروج من الحرب، لم تكن حدثاً عابراً بالنسبة للرياض. فعلى الرغم من سعي أبو ظبي إلى الحفاظ على مصالحها المتمثلة بالسيطرة على الموانئ الجنوبية وبسط نفوذها عبر تشجيع جهود الانفصال، واعتبار حضرموت إمارة تابعة لها، إلا انها ترغب في إبقاء يديها نظيفتين، مكتفية بتحريك وكلائها على الأرض، من الخلف، وهو القرار الذي كانت قد اتخذته عام 2019.
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن ان بن سلمان "جمع الصحفيين المحليين في الرياض في مؤتمر صحفي نادر غير رسمي في ديسمبر وقدم رسالة مذهلة. وقال إن حليف البلاد منذ عقود، الإمارات، "طعننا في الظهر...سيرون ما يمكنني القيام به".
وتضيف الصحيفة أنه "بعد تكثيف الانقسامات حول سياسة اليمن وحدود أوبك، دعا محمد بن سلمان إلى الاجتماع مع الصحفيين. وقال إنه أرسل إلى الإمارات قائمة بالمطالب. وحذر من أن عدم التزام الدولة الخليجية الأصغر حجماً، فإن المملكة مستعدة لاتخاذ خطوات عقابية، مثلما فعلت ضد قطر في عام 2017، عندما قطعت الرياض العلاقات الدبلوماسية لأكثر من ثلاث سنوات وهندست مقاطعة اقتصادية، بمساعدة من أبو ظبي: "سيكون أسوأ مما فعلته مع قطر"، قال للصحفيين.
تهديد بن سلمان بإعادة تكرار سيناريو قد أثبت فشله سابقاً، بعد قدرة قطر على تجاوز الحصار، وإعادة ترميم اقتصادها بفترة وجيزة، إضافة للواقع الدولي الذي يَفرض على الرياض تقبّل منافسين لها، قد جاء لهدف محدد، مع معرفة بن سلمان نفسه ان حظوظ المضي بهذا المسار متدنية.
يحسب للعلاقات الإماراتية السعودية بأنها متشابكة بالمصالح إلى الحد الذي يصعب فيه سلخ الملفات المشتركة بينهما، عن بعضها البعض. اذ ان تحقيق الرياض لأجندتها قد ارتبط في كثير من المرات بالمساعدة الإماراتية كتنسيق زيارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ثم تقديم المساعدة في بيئة الاعمال والبنوك، أضف إلى ذلك، الأجندة المشتركة في كل من سوريا وليبيا...
وعلى الرغم من المنافسة الشرسة بين الدولتين وعلى أكثر من صعيد، والسباق على الموارد في عدد من الدول كالسودان مثلاً، يبقى اليمن أكثر الملفات حساسية لدى الجانبين. ويحذر محللون في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث مستقل في لندن، من أن القوى المتنافسة تستعد لاشتباكات جديدة تهدد محادثات السلام الجارية. وقال المحللون ان "المملكتان الخليجيتان تستعرضان المزيد من القوة وتتصرفان بشكل أكثر عدوانية تجاه بعضهما البعض في المنطقة بشكل عام...اليمن هو خط الجبهة الأول والأكثر نشاطاً".
فيما رأى خبير الشؤون السودانية في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية كامرون هيدسون، ان الصراع بين الدولتين سيستمر طويلاً وقال: "عندما تتصارع الأفيال فإن العشب هو من يعاني. لقد بدأت هذه المعاناة بالفعل في السودان لكن علينا ان نفترض بأن تأثيرات هذا الصراع ستكون عميقة. إن الشائعات التي تفيد بأن بن زايد يخطط للقيام بجولة وشيكة في افريقيا إلى أماكن مثل تشاد وجمهورية الكونغو الديموقراطية ينبغي ان تزيد من هذه المخاوف".
على المقلب الآخر، تقف الولايات المتحدة، المراقب القلق للأحداث والتطورات في الخليج. وعلى الرغم من السعي المتبادل بين الجانبين لإعادة تطبيع العلاقات بينهما، إلا ان الإدارة الأميركية الديموقراطية لا تزال عالقة في مخاوفها بشأن تهور المملكة. ويعلق عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الديموقراطي، كريس ميرفي، على كلام بن سلمان حول رغبته بمعاقبة الامارات: "بينما يسعى السعوديون للحصول على ضمان أمني من الولايات المتحدة فإن السؤال الأهم هو ما إذا كان محمد بن سلمان قائداً يمكننا الوثوق في انه لن يتورط في صراعات غير ضرورية".
اعتاد الطرفان طيلة عقود مضت على الصدام والخلاف في كثير من الملفات، إلا ان الرغبة المشتركة، والظروف التي حكمت تلك الفترة، كانت تساعد في ابقاء "خطايا" الطرفين في صندوق أسود مقفل. حتى ان الخسائر المترتبة على ذلك، لطالما اعتبرت خسائر جانبية بفعل "نيران صديقة". في حين ان مآلات الظروف المتسجدة، بعد أن وصل الصراع إلى مستوى متقدم، بات الحديث عن "طعنة الظهر" أمراً متوقعاً.