تصاعدت في الآونة الأخيرة الاتهامات الموجّهة ضد حزب الله من قبل واشنطن، وترتبط هذه التهم بقضايا الإرهاب وتجارة المخدرات وغسيل الأموال والنشاط الإجرامي والجريمة المنظّمة. وفي هذا الإطار أعلنت وزارة العدل الأميركية في تشرين الأول عام 2018 عن "تصنيف حزب الله كمنظمة إجرامية عابرة للحدود". ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحد، حيث ازدادت التقارير الصحفية ضد حزب الله من قنوات أمريكية معادية، الأمر الذي يشير إلى تطور في السياسة الأمريكية لمواجهة الحزب عبر أدوات غير عسكرية.
ويتناول الجزء الثالث من سلسلة المشروع البحثي الذي أعده المجلس الاستشاري للدراسات والتوثيق "تفكيك المزاعم الأميركية حول حزب الله في أميركا اللاتينية".
الصهاينة ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب
شهدت اللجنة المعنية بالشؤون الخارجية في مجلس النواب تغييرًا في اسمها، فقد سُميّت باسم "لجنة الشؤون الدولية" بين عامَي 1975 و1979. ثم تغيّر اسمها إلى "لجنة الشؤون الخارجية"، ثم تغيّر الاسم مجددًا إلى "لجنة العلاقات الدولية" بين عامي 1995 و2007، ثم عادت لتُسمّى في كانون الثاني عام 2007 بـ "لجنة الشؤون الخارجية". في هذه اللجنة تُصاغ مشاريع القوانين التي تستهدف الدول الخارجية لا سيما في ميدان العقوبات، بعد عقد جلسات الاستماع التي تسبق صياغة مشاريع القوانين ورفعها للهيئة العامة لمجلس النواب لنقاشها التصويت عليها.
الخلفيات الأيديولوجية لمتزعّمي اللجنة
عند التدقيق في هوية وخلفيات أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي في الفترة قيد الدراسة بين 2005 و2018، يتّضح أن أغلب الذين تعاقبوا على شغل منصب رئيس اللجنة وما يسمى بـ "العضو المميز" فيها كانوا إما يهودًا أو من أصول يهودية، أو من اليمين الإنجيلي المتصهين المتمسك بالدفاع عن مصالح "إسرائيل". الجدولان رقم (1) و(2) يوضحان أسماء قاعدة اللجنة باسميها القديم والحالي، وخلفياتهم الأيديولوجية والدينية والسياسية.
في دراسة صادرة عام 2015 عن كيفية صياغة سياسة الكونغرس الخارجية تجاه الشرق الأوسط ترد تفاصيل حول خلفيات أعضاء لجنة الشؤون الخارجية برؤسائها و"أعضائها المميزين" الذين تعاقبوا على إدارة عملها التشريعي. الدراسة مبنية على عشرات المقابلات مع المساعدين البرلمانيين لأعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، وعن هذه الخلفيات تستخلص الدراسة التالي:
"الغلبة في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب هي لفاعلين مؤثرين يتحدرون من ولايات الساحلين الشرقي والغربي، حيث تسكن أعداد كبيرة من المكونات الأميركية اليهودية؛ العديد من الجمهوريين هم من الإنجيليين أو غيرهم من الأشخاص الذين لديهم دوافع دينية؛ العديد من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين هم إما من اليهود غير المتدينين من ذوي التوجهات المنحازة لـ "إسرائيل"، أو من اليهود المتدينين المنحازين لليمين الإسرائيلي؛ ليس هناك سوى عضو واحد من أصول عربية هو داريل عيسى".
كان لرئيس لجنة العلاقات الخارجية النائب الجمهوري الكاثوليكي المحافظ هنري هايد لحظات من التوتر مع الحكومات الإسرائيلية اليمينية على خلفية بناء الجدار العازل في الضفة الغربية، فكان هايد يصرّح باستمرار أن "الجدار يقطّع المناطق ويعزلها، الأمر الذي أثر سلبًا على حياة الفلسطينيين المسيحيين". لكنه بقي مؤيدًا قويًا لسياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بما في ذلك سياسات الحكومات اليمينية. في الفترة بين عامي 2011 و2012، مع وجود إيليانا روس-ليتينان في رئاسة لجنة الشؤون الخارجية، كانت اللجنة أكثر استعدادًا للتساوق مع أجندة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية التحريضية.
اعتنى مؤيدو "إسرائيل" اليمينيون جيّدًا بالنائبة روس-ليتينان في تبرعاتهم الانتخابية، فالملياردير الصهيوني ايرفينغ موسكوفيتش، الذي يمول بناء مستوطنات في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، كان من ممولي حملتها الانتخابية. اختارت روس-ليتينان -الفخورة بجذورها اليهودية- أن تصنف نفسها مع الإسرائيليين كحليف قيم، وأصبحت واحدة من أكثر الصقور تأييدًا لـ "إسرائيل" في مجلس التواب. وكما سيتضح، لقد استخدمت سلطتها الكبيرة على رأس اللجنة لرعاية قرارات ومشاريع قوانين في مجلس النواب يعتبرها الجناح اليميني مفيدة لمصالح "إسرائيل".
عام 2013 اضطرت روس-ليتينان أن تتنحى عن رئاسة اللجنة بسبب القانون الداخلي للحزب الجمهوري، وخلفها على رأس اللجنة زميلها في الحزب النائب إدوارد رويس. بعد فترة قصيرة من توليه منصبه، أجريت مقابلة صحافية مع رويس، اتضحت فيها -من خلال اجاباته على الأسئلة- خلفيته الأيديولوجية. أشار رويس الى أن "اهتمامه الشديد بالشؤون العالمية مستمد جزئيًا من مشاركة والده في الحرب العالمية الثانية، ولا سيما تحرير معسكر داخاو النازي الذي اعتُقل فيه اليهود". ذكر محاور رويس أن "الكشف عن أهوال المحرقة كان له تأثير كبير على الطريقة التي ينظر من خلالها رويس الى العالم، والدور الحاسم للقوة الأميركية". في المقابلة نفسها تحدث رويس بجرأة عن "تكثيف الجهود للضغط على إيران للتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية لمساعدة حليفنا الإسرائيلي"، وأثنى على سلفه النائبة روس-ليتينان لعملها الذي وصفه بـ "العظيم".
التمويل الصهيوني للحملات الانتخابية لمتزعمي اللجنة
في تتبّع لتمويل الحملات الانتخابية لرؤساء لجنة الشؤون الخارجية وأعضائها المميزين، تبرز معطيات تؤكد تأثير اللوبي الإسرائيلي في سياسة اللجنة وتشريعاتها. إضافة إلى الخلفيات الأيديولوجية التي دفعت رؤساء اللجنة وأعضاءها المميزين الى اتخاذ مواقف وسن مشاريع قوانين وقرارات منحازة لـ "إسرائيل"، يبرز عامل المصلحة المادية المؤثرة في عملية إعادة انتخاب الأعضاء في الدورات الانتخابية المتعاقبة. في الرسوم 10 و11 و12 و13 و14 توثيق لحجم مساهمة اللوبي الإسرائيلي المعلن في تمويل الحملات الانتخابية لكل من توم لانتوس وهوارد بيرمان وإيليانا روس-ليتينان وإيليوت إنغل وإدوارد رويس. وكما يظهر في الرسم رقم (10)، حصل النائب الديمقراطي توم لانتوس، العضو المميز في اللجنة بين عامي 2005 و2006، على تمويل يقدر بنحو 56.150 دولار خلال هذه العامين.
بعد وفاة توم لانتوس في 11 شباط عام 2008، واستلام زميله الديمقراطي هوارد بيرمان رئاسة لجنة الشؤون الخارجية، بدأ يرتفع منسوب تمويل جماعات اللوبي الإسرائيلي لحملة بيرمان الانتخابية. كما يظهر الرسم رقم (11)، بلغت دروة دعم جماعات اللوبي الإسرائيلي المالي لحملته الانتخابية بين عامي 2011 و2012 (فترة شغله منصب عضو مميز للجنة) بما يقارب 221,470 دولار.
مع خسارة الديقراطيين الأغلبية في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني عام 2010، وانعقاد الكونغرس الـ 112 بداية عام 2011، استلم الجمهوريون رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، وأوكِلت مهمة رئاسة اللجنة إلى النائبة عن ولاية فلوريدا إيليانا روس-ليتينان. بين عامي 2003 و2016 تلقت حملة روس-ليتينان الانتخابية ما ياقرب 1,044,894 دولار من جماعات اللوبي الإسرائيلي الأميركي، وهو رقم قياسي إذا ما قورن بالمبالغ المالية التي تلقتها الحملات الانتخابية من اللوبي لبقية الرؤساء والأعضاء المميزين السابقين واللاحقين للجنة.
في 3 كانون الثاني عام 2013، استلم النائب الجمهوري إدوارد رويس رئاسة لجنة الشؤون الخارجية من زميلته إيليانا روس-ليتينان، واستمر في رئاستها حتى انتهاء ولاية الكونغرس الـ 115 مع بداية عام 2019. بحسب الأرقام المصرّح عنها، تلقى رويس، الجمهوري الإنجيلي، حوالي 458,987 دولار من الجماعات المرتبطة باللوبي الإسرائيلي خلال الفترة بين عامي 2013 حتى نهاية عام 2018. اللافت انه لم يسجّل تقديم هذه الجماعات دعمًا ماليًا معلنًا لحملة رويس قبل فترة تسلمه رئاسة اللجنة عام 2013.
بين كانون الثاني 2013 وكانون الأول 2018، شغل النائب عن ولاية نيويورك الديمقراطي اليهودي إليوت إنغل، منصب العضو المميز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. خلال هذه الفترة، حصل إنغل على تمويل سخي من جماعات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. يّظهر الرسم رقم (14) حجم المبالغ التي تلقّتها حملته الانتخابية من جماعات اللوبي الإسرائيلي قبل وخلال شغله منصب العضو المميز في اللجنة، ولوحظ ان حجم التمويل ارتفع بشكل كبير بعد تسلّم إنغل منصب "العضو المميز" في اللجنة.
في مقابل هذه الحالات، لم يُسجّل دعم مالي صريح من جماعات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لحملة رئيس لجنة العلاقات الدولية الانتخابية هنري هايد عامي 2005 و2006، ولعل السبب مرتبط بمواقفه من جدار الفصل العنصري كما ذكر سابقًا.
نشاط اللجنة
عقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب عام 2005 جلسة استماع واحدة للتحريض على دور مزعوم لحزب الله في أميركا اللاتينية، إبان ترؤس هنري هايد لها وعضوية توم لانتوس المميزة فيها. عام 2006، عقدت اللجنة 5 جلسات استماع، لتعود وتنخفض وتيرة عقد جلسات الاستماع هذه حتى فوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلس النواب أواخر عام 2010. عقدت رئيسة اللجنة إيليانا روي ليتينان 5 جلسات استماع عام 2011، وجلسة واحدة عام 2012. استلم الجمهوري إدوارد رويس رئاسة اللجنة من زميلته روس ليتينان مع انعقاد الكونغرس الـ 113 بداية عام 2013، إلى جانب الديمقراطي إليوت إنغل كعضو مميز في اللجنة، واستمرا في منصبيهما في إدارة عمل اللجنة حتى أواخر عام 2018 قبيل انعقاد الكونغرس الـ 116. خلال فترة إدارة رويس وإنغل للجنة عقد حوالي ثُلثي جلسات الاستماع (31 جلسة) للتحريض على دور مزعوم لحزب الله في أميركا اللاتينية، في مقابل 17 جلسة فقط عقدت بين عامي 2005 و2012.
بين عامَي 2005 و2018، تقدم النواب المتعاقبون على إدارة عمل لجنة الشؤون الخارجية وغيرهم من الأعضاء بمشاريع قوانين عديدة استهدفت إيران وحزب الله، بعضها أقرّ وبعضها الآخر لا يزال في أدراج اللجنة. في الجدول رقم (3) إحصاء بمشاريع قوانين تقدّم بها متزعمو اللجنة بين 2005 و2018، استهدفت كلا من ايران وحزب الله، والمقر منها. الملحق رقم 1 يحتوي على رسم بياني زمني يُظهر تصاعد طرح مشاريع قوانين عقوبات بحق حزب الله ف الكونغرس وإقرارها وإدراج قياديين في الحزب على قوائم ما يسمى الإرهاب.
المصدر: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق