يعتبر حزب الله قوة سياسية لها تمثيلها الشعبي الكبير على الساحة اللبنانية، بالاضافة الى أنه بات قوة إقليمية غيّرت معادلات، وساهمت بإفشال مخططات أميركية إسرائيلية رُسمت لها، انطلاقًا من ذلك يتم التعاطي مع الحزب من قبل دول إقليمية وكبرى على أنه يشكل رقمًا وازنًا محليًا وإقليميا.
فهل هذه الدول تتعامل مع حزب الله على أساس قوته المحلية فقط أم على أساس قوته الإقليمية، أم على أساس القوتين معا؟ وهل هدف هذه الدول تحقيق مصالحها فحسب أم الهدف مصالح واستقرار المنطقة ككل؟
روسيا ودور حزب الله
لا شك ان حزب الله يمثل حالة فريدة في المنطقة لها قوتها المحلية والاقليمية، وعلى هذا الاساس يتم التعاطي معه، والدول التي تبحث دائمًا عن مصالحها، تبحث أيضا عن الاقوياء او الجهات المؤثرة وذات الوزن، عندما تريد التحدث والمناقشة والتفاوض في أي مسائل تهمها، ومن هنا يأتي التواصل الخارجي الدائم مع حزب الله من دول حليفة لمحور المقاومة او خارجه، علما ان العلاقات بين الحزب ودول محور المقاومة خاصة ايران وسوريا اكثر من ممتازة.
وفي سياق ما سبق ذكره، يأتي التواصل بين روسيا الاتحادية وقيادة حزب الله عبر القنوات السياسية والدبلوماسية المتعارف عليها بين الطرفين، والجميع يذكر الزيارة الاخيرة (خلال شهر آذار/مارس الماضي) التي قام بها وفد من الحزب برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى موسكو حيث جرى اللقاء بوزير الخارجية سيرغي لافروف، وجرى فيها البحث بملفات إقليمية ومحلية عديدة، لا سيما ان روسيا شاهدت عن كثب حجم الدور العسكري الذي لعبه الحزب في الحرب على الارهاب في سوريا، وهو موضوع اهتمام مشترك بين الحزب وموسكو، كما ان الاخيرة تنظر بايجابية الى هذه التجربة الناجحة من التنسيق في الحرب السورية ما رفع مستوى الثقة والاحترام المتبادل والقواسم والمصالح المشتركة، والرغبة في البناء عليها وتطويرها.
فرنسا تتطلع لدور الحزب الاقليمي في منع تمدد النفوذ التركي
لافت هو الاهتمام الفرنسي بالتواصل مع حزب الله خاصة في الفترة التي تلت زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون بُعيد انفجار مرفأ بيروت، حيث التقى بالنائب رعد كممثل حزب الله خلال اللقاء مع ممثلين عن مختلف الأفرقاء في لبنان، ووقتها حازت زيارة رعد الى السفارة الفرنسية اهتمامًا لافتا، وقد تلا ذلك استمرار التواصل بين الحزب والفرنسيين عبر عدة قنوات بينها من خلال السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، وهنا لا بد من الاشارة الى ان غريو زرات الأسبوع الماضي وزير الاشغال والنقل اللبناني علي حمية (أحد وزيري حزب الله في الحكومة) وقدّمت له دعوة رسمية من نظيره الفرنسي لزيارة فرنسا، وقد لبى الوزير حمية الزيارة سريعًا حيث وصل مطلع هذا الأسبوع الى باريس للاطلاع والتجول في المرافق الفرنسية خاصة مطار شارل ديغول وغيره من المعابر الجوية ومحطات النقل.
بالطبع كل ذلك لا يأتي من فراغ إنما بناء على تواصل سياسي ورسائل متبادلة واهتمام فرنسي واضح ببناء العلاقات الجيدة مع حزب الله باعتباره طرفًا قويًا ونزيهًا في الساحة المحلية اللبنانية امام كل ما تتلمسه فرنسا من أداء العديد من الأطراف السياسية في لبنان، كما ان فرنسا يهمها تطوير العلاقة مع طرف لديه القوة العسكرية لحماية النفط اللبناني الى جانب الجيش الوطني، من أي اعتداء إسرائيلي محتمل خاصة ان هناك معلومات تتحدث عن رغبة للشركات الفرنسية بالاستثمار من النفط اللبناني، او في الموانئ المحلية لا سيما مرفأ بيروت بعد إعادة إعماره، بل تتطلع باريس الى أبعد من ذلك، هو قوة حزب الله الاقليمية في منع التقدم والنفوذ التركي الذي يزاحم الفرنسي لا سيما في موضوع الغاز والنفط في حوض شرق المتوسط.
تواصل أميركي مع حزب الله!
طالما حاولت الإدارات الأميركية التواصل مع قيادة حزب الله بشكل مباشر، وطالما كانت تتواصل معه بشكل غير مباشر عبر جهات حليفة مشتركة، وبالاطار، كشفت مصادر إعلامية أن "الأميركيين طلبوا عبر وسيط اجتماعا مع قيادة حزب الله الذي رفض هذه الدعوة"، و هذه المعلومة التي كشفها رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين في جلسة مع شخصيات إعلامية في منزل مسؤول العلاقات الإعلاميّة في حزب الله محمد عفيف، كل ذلك يظهر مدى اهتمام الاميركيين بالاتصال مع حزب الله امع استمرارهم اليومي بتشويه صورته ومحاصرة لبنان بحجة محاربته، ولكن يسعون بكل الطرق لاقناعه بقبول التواصل معهم.
السعودية والحزب
رغم عداء نظام السعودي وتحريضه المستمر ضد المقاومة بل المشاركة في أعمال عدائية ضد الحزب ورموزه وقياداته الا ان الرياض التي تعرف حجم الدور وقوة الحزب في لبنان والاقليم، وقد اشار اليه رئيس الوفد السعودي في مفاوضاته مع الجانب الايراني في بغداد، لا تألوا جهدا في التواصل المباشر او تبادل الرسائل مع الحزب، رغم ان آخر اللقاءات الرسمية التي حصلت كانت بين السفير السعودي السابق علي عواّض عسيري مع نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، ومشاركة وفد من حزب الله عام 2014 في اليوم الوطني السعودي.
ما سبق ذكره هو مجرد أمثلة وثمة عدد من الدول الفاعلة في المنطقة والعالم التي لديها اتصال مباشر او تواصل غير مباشر مع حزب الله، وهذا الانكباب من هذه الدول للتواصل مع الحزب سببه الاول والاخير انه جهة نظيفة الكف، قوية، قادرة، فاعلة ولديها التمثيل الشعبي والبرلماني في الداخل، وهي حاجة لهم فيما لو ارادوا ان يكونوا لاعبين مؤثرين في لبنان والاقليم، ولذلك يسعون للجلوس وبناء الروابط معه وتطويرها لان الدول في المراحل الحساسة والمفصلية لا يهمها الجلوس والتواصل مع الضعفاء والتابعين والأدوات، بل تحتاج للحديث والتفاوض مع الاقوياء المستقلين المالكين لقرارهم.
الكاتب: غرفة التحرير