تختلف عمليات الاغتيال "الصاخبة" أو ما يسمى في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، بالاستهداف العلني الخشن وببصمة واضحة (عادة عبر غارات جوية، طائرات مسيرة، أو تفجيرات ضخمة)، تمامًا عن عمليات "الظلال" الصامتة (كالسم أو الحوادث المدبرة). ويلجأ الكيان المؤقت إلى هذا النوع من الاغتيال بناءً على حسابات معقدة. يستخدم الاسرائيليون الخيار "الصاخب" عندما تجتمع أو تتوفر إحدى الشروط التالية:
أولاً: تعذر الوصول "الناعم": عندما يكون الهدف في منطقة معادية جدًا ومحصنة أمنيًا (مثل الضاحية الجنوبية أو عمق غزة) ويستحيل إرسال عملاء للموساد لتنفيذ عملية صامتة (قنص أو سم) والانسحاب بسلام. هنا يصبح السلاح الجوي هو اليد الطولى.
ثانيًا: أثناء الحروب والمواجهات المفتوحة: في حالات الحرب، تسقط محاذير "الإنكار". يصبح الاغتيال الصاخب جزءًا من العمليات العسكرية الروتينية، ولا يحتاج كيان الاحتلال الإسرائيلي لإخفاء بصمته، بل يفاخر بها كإنجاز عسكري.
ثالثًا: الرغبة في "إغلاق الحساب" علنًا: عندما يكون الشخص مستهدفًا منذ زمن طويل ويمثل رمزًا كبيرًا (مثل قادة الصف الأول)، فإن قتله بصمت قد يثير الشكوك. الكيان المؤقت يريد أحيانًا إعلان مسؤوليته لتأكيد قدراته الاستخباراتية.
رابعًا: الاستعراض السياسي الداخلي: في أوقات الأزمات السياسية داخل الكيان المؤقت، قد يلجأ القادة السياسيون (رئيس الوزراء) لعمليات صاخبة لرفع شعبيتهم وإظهار الحزم والقوة أمام الجمهور.
أهداف الاغتيال الصاخب (لماذا الصخب؟)
الضجيج الذي يصاحب العملية ليس عبثيًا، بل هو جزء من الرسالة ويحقق أهدافًا تتجاوز مجرد تصفية القائد: منها استعراض التفوق الاستخباراتي والتقني.
الهدف هو القول أو الإيحاء للمقاومة: "نحن نراك، ونعرف أين تنام، ومع من تجلس، ويمكننا الوصول إليك بأقوى أسلحتنا في عقر دارك". هذا يهدف لضرب الثقة بين عناصر التنظيم وقيادته (الشك في وجود جواسيس).
فالمنظر المروع للدمار (بناية مدمرة بالكامل أو سيارة متفحمة) يهدف لخلق حالة من الرعب النفسي لدى الخلفاء المحتملين للقائد المغتال. الرسالة المضمرة الموجهة هي: "مصيرك سيكون مشابهًا إذا قبلت المنصب". وهناك هدف ملازم للهدف السابق يرمي إلى تدفيع الحاضنة الشعبية ثمنًا باهظًا (ارتقاء شهداء مدنيين، وتدمير أبنية سكنية كاملة) لدق إسفين بين المجتمع والمقاومة، وإيصال رسالة بأن "كلفة الاحتضان لا تطاق".
ويعتقد الإسرائيلي أن الاغتيالات الصاخبة لقادة الصف الأول في المقاومة تؤدي إلى فراغ قيادي مفاجئ، مما يقطع أوصال الاتصال بين القيادة والقواعد، ويجبرها على الانشغال بترتيب بيتها الداخلي بدلاً من التخطيط لأذيته.
وقد حاول الإسرائيلي في السنوات الماضية عبر تنفيذ اغتيالات صاخبة ومستفزة جدًا (في توقيت أو مكان حساس) إجبار المقاومة على الرد بسرعة وتهور، مما قد يمنحه الذريعة أمام (المجتمع الدولي) لشن حرب واسعة أو عملية عسكرية أكبر كانت مخططة مسبقًا.
ومن أهم أسباب عمليات الاغتيال الصاخبة أنها تمنح الإسرائيلي فرصة هامة لجعل المجتمع الصهيوني يميل إلى الثقة في جيشه عندما يرى "صوراً" لانتصار وإن كان معنويًا. إذ أن الاغتيالات الصاخبة تقدم "صورة نصر" فورية وسريعة للاستهلاك الإعلامي المحلي.
كما تعتبر الاغتيالات الصاخبة "مسكناً قوياً" للأزمات الداخلية في إسرائيل والهروب عبر هذا التكتيك "إلى الأمام"، تلجأ إليه قيادة الكيان السياسية والعسكرية عندما تكون محاصرة في خياراتها السياسية أو العسكرية. ولطالما استخدم الإسرائيلي هذا التكتيك كطوق نجاة من الأزمات وذلك عبر الاعمال التالية:
أ)صناعة "صورة نصر" بديلة وتعويض الفشل العسكري: عندما يغرق الجيش الإسرائيلي في وحل معارك الاستنزاف الطويلة وتكثر الخسائر دون تحقيق "حسم" واضح، ويتآكل الرصيد العسكري. هنا يتم تنفيذ اغتيال صاخب لشخصية كبيرة؛ وذلك بهدف تقديم "إنجاز نظيف" ولامع للجمهور يغطي على "الفشل " أو التعثر في الميدان. هذا يرمم هيبة الجيش ويقول للجمهور: "قد نكون بطيئين على الأرض، لكن ذراعنا الطويلة ما زالت تعمل بامتياز".
ب)توحيد الجبهة الداخلية (إسكات المعارضة السياسية): فمجتمع الإسرائيلي منقسم سياسيًا بحدة (مظاهرات، انقسامات قضائية، اتهامات بالفساد لنتنياهو). وعندما تصل الاحتجاجات ذروتها، أو يهدد شركاء الائتلاف الحكومي بالانسحاب، يأتي الاغتيال الصاخب. والهدف هو تفعيل غريزة "الالتفاف حول العلم" في لحظات الاغتيال الكبرى والردود المتوقعة عليها، حيث يصعب على المعارضة انتقاد الحكومة، وتتراجع المظاهرات مؤقتًا، ويظهر نتنياهو بمظهر "حامي الحمى" وليس "السياسي الفاسد".
ت)تخريب المسارات السياسية "غير المرغوبة": فأحيانًا تكون حكومة الكيان تحت ضغط دولي للقبول بصفقة تبادل أسرى أو وقف إطلاق نار لا تريده الحكومة لأسباب سياسية (لأنه قد يسقط الائتلاف اليميني). ويصبح تنفيذ اغتيال صاخب ومستفز جداً (مثل اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران) أو (محاولة إغتيال القيادي الكبير في حماس الاخ خليل الحية في قطر) طوق نجاة للتملص من الضغط. فهذا الاغتيال قد ينسف التسوية فوراً، ويجبر الطرف الذي تعرض للاغتيال على تجميد المحادثات والرد عسكرياً. بذلك تتخلص حكومة الاحتلال من الضغط الدولي للتهدئة، وتلقي باللوم على "تصعيد المقاومة "، مما يمنحها وقتاً إضافياً للحرب.
ث)استعادة "الردع" المتآكل: بعد أحداث مثل 7 أكتوبر، شعر الكيان المؤقت أن صورته كقوة لا تُقهر قد تحطمت، وأن "الردع" قد انهار. فلجأ إلى سلسلة اغتيالات صاخبة في عواصم مختلفة (بيروت " العاروري "، طهران " هنية "، دمشق " اللواء زاهدي"). الهدف هو محاولة يائسة لترميم صورة "الوحش المخيف" في غرب آسيا. الرسالة لم تكن عسكرية فقط، بل نفسية وهي: "نحن مجانين ولا حدود لجنوننا، فلا تجربونا". كمحاولة للتغطية على الضعف الاستراتيجي بإفراط في استخدام القوة التكتيكية.
السؤال هنا هل ينجح هذا الهروب الاسرائيلي إلى الاغتيالات؟
الاغتيال الصاخب هو "مخرج طوارئ" مفضل لساسة كيان الاحتلال، لكنه باب يؤدي غالبًا إلى غرفة أخرى مشتعلة. إنه ينجح تكتيكيًا ومؤقتًا، لكنه غالبًا ما يفشل استراتيجيًا. فيحقق نجاحًا لحظيًا برفع رصيد رئيس وزراء الإسرائيلي نتنياهو في استطلاعات الرأي، ويهلل الجمهور، وتصمت المعارضة لأيام أو أسابيع. إلا أنه غالبًا ما يقترن مع فشل استراتيجي فالاغتيالات لا تحل المشكلة الجذرية (وجود مقاومة، قضية سياسية، فشل أمني هيكلي). ما يحدث هو استبدال "أزمة مزمنة" بـ "أزمة حادة". غالبًا ما تنتهي "نشوة الاغتيال" بسرعة، ليصطدم الواقع الإسرائيلي بحقيقة أن الجهة المستهدفة قامت بتعيين بديل (أكثر تشدداً)، وأن الصواريخ ما زالت تنهمر، وأن المخاطر الاستراتيجية والوجودية لا زالت كما هي.
دور المعلومة الذهبية في الاغتيالات الصاخبة
في عالم الاستخبارات والاغتيالات، تُعرف "المعلومة الذهبية" بأنها تلك المعلومة الدقيقة، الحصرية، والمؤكدة التي تحول الشك إلى يقين، وتغلق دائرة الاستهداف.
في سياق "الاغتيالات الصاخبة" (التي تتم عبر قصف جوي مدمر أو هجمات واسعة)، لا تعتبر المعلومة الذهبية مجرد "ميزة إضافية"، بل هي شرط وجودي لا يمكن تنفيذ العملية بدونه. فيما يلي أسباب أهميتها القصوى:
أ)تحويل "الاحتمال" إلى "يقين" (تجاوز الخوارزميات):
تعطي أنظمة الذكاء الاصطناعي (مثل "لافندر") نسبة احتمالية (مثلاً: هذا الشخص بنسبة 80% هو القائد فلان). لكن في الاغتيال الصاخب الذي قد يهدم مبنى سكنياً كاملاً في قلب الضاحية الجنوبية، لا يمكن للقيادة السياسية والعسكرية الصهيونية المخاطرة بناءً على احتمال. دور المعلومة الذهبية هنا: هو التأكيد القاطع (بنسبة 100%) بأن الهدف موجود الآن في المكان. قد تأتي من جاسوس على الأرض يرى الهدف بعينه، أو اختراق حي لهاتف الهدف أو أحد اللصيقين به يؤكد وجوده صوتيًا أو يمكن أن يأتي نتيجة ارتفاع مفاجئ لنسبة الاشارات اللاسلكية أو غيرها التي تخرج من محيط الهدف لتتحول هذه المعلومة الذهبية إلى "كبسة الزناد" التي لا يملكها الذكاء الاصطناعي وحده.
ب)صيد "اجتماع القمة":
إن أخطر أنواع الاغتيالات الصاخبة هي التي تستهدف اجتماعاً لقيادات الصف الأول (غرفة عمليات). هؤلاء القادة نادرًا ما يجتمعون، وحركتهم مموهة جدًا. المعلومة الذهبية هنا تحدد الزمان والمكان النادر لهذا الاجتماع. بدون هذه المعلومة، قد تقصف إسرائيل 100 موقع وتخطئهم، لكن "معلومة ذهبية" واحدة عن توقيت الاجتماع تسمح بقضاء على هيئة الأركان كاملة بضربة واحدة (كما حدث في عدة سوابق تاريخية وحالية).
ت)استغلال "نافذة الفرصة" الضيقة:
في الحروب اللا متماثلة، يظهر القادة الكبار لثوانٍ أو دقائق معدودة (خروج من مخبأ أو نفق، انتقال بين سيارتين، مكالمة هاتفية سريعة). يأتي هنا دور المعلومة الذهبية التي تقول: "الهدف سيكون مكشوفاً لمدة 3 دقائق في الموقع س". الاغتيال الصاخب (بصاروخ ذكي أو طائرة تحوم مسبقاً) هو الوحيد القادر على استغلال هذه النافذة الزمنية الضيقة جداً، والمعلومة هي التي توجه الصاروخ قبل إغلاق النافذة. النقطة التي يغفلها الكثيرون هنا هي أن الاغتيال الصاخب غالباً ما يؤدي إلى "حرق المصدر الاستخباراتي". فبمجرد تنفيذ الضربة، تدرك المقاومة وجود ثغرة، فتبدأ التحقيقات وتغلق الفجوة. إذن، الاغتيال هو تضحية بمصدر معلوماتي دائم مقابل مكسب عملياتي لحظي.
ث)التبرير بين "بنك الأهداف" والتبعات السياسية:
الاغتيال الصاخب يسبب دمارًا هائلاً وقد يقتل مدنيين كثر. لتنفيذ ضربة بهذا الحجم، يحتاج المستوى السياسي إلى مبرر قوي جداً لتحمل الضغط الدولي. وجود معلومة ذهبية تؤكد أن "الشخص المستهدف يخطط لعملية كبرى فوراً" أو أنه "رأس الهرم"، يمنح الغطاء السياسي والقانوني (من وجهة نظرهم) لتنفيذ الضربة مهما كانت تكلفتها البشرية، تحت مبدأ "الضرورة العسكرية القصوى".
ج.كسر "الجمود الأمني" للهدف
الشخصيات المستهدفة بالاغتيال الصاخب عادة ما تكون محاطة بدوائر أمنية معقدة (لا هواتف، لا إنترنت، حراس موثوقين). أهمية المعلومة الذهبية غالباً ما تأتي من "خرق بشري" (خيانة) أو "خطأ بشري" (ثغرة أمنية ارتكبها الهدف أو أحد اللصيقين به). هذه المعلومة تخترق كل الجدران الأمنية التي لا تستطيع التكنولوجيا وحدها اختراقها. هي الثغرة في الدرع. في الاغتيال الصاخب، الصاروخ هو الجسد، لكن المعلومة الذهبية هي الروح. بدون المعلومة الذهبية، يكون القصف الصاخب مجرد "تخمين ناري" قد يؤدي إلى فضيحة عسكرية (قصف مكان فارغ) أو كارثة دبلوماسية (قتل مدنيين دون صيد ثمين). لذلك، تدفع أجهزة الاستخبارات ملايين الدولارات وتجند آلاف العملاء بحثاً عن هذه "الكلمة الواحدة" التي تحدد: من، أين، والآن.
دور الذكاء الاصطناعي في عمليات الاغتيال الصاخبة
في السنوات الأخيرة، وتحديداً خلال الحرب في غزة (2023-2024)، كشفت التحقيقات الصحفية والتقارير العسكرية عن تحول جيش العدو إلى ما يسمى "حرب الخوارزميات" أو "مصنع الأهداف". لم تعد الاغتيالات تعتمد فقط على "ضابط مخابرات" يحلل ملفاً واحداً لأشهر، بل على منظومات ذكاء اصطناعي تعالج كميات هائلة من البيانات (Big Data) لتقديم الأهداف للقصف "الصاخب".
فيما يلي أبرز البرامج والمنظومات التي تم الكشف عنها ودور كل منها في سلسلة الاغتيال:
أ)نظام "لافندر" (Lavender) - لتحديد "من" سيقتل
هذا هو النظام الأكثر خطورة في تحديد العنصر البشري. يعتمد على تحليل سلوك الشخص الرقمي (مجموعات واتساب، تغيير الهواتف المتكرر، التواصل مع أشخاص مشبوهين).
ب)نظام "أين أبي؟" (Where’s Daddy?) - لتحديد "متى" سيقتل
هذا النظام هو المسؤول المباشر عن تحويل الاغتيال إلى عملية "صاخبة". بمجرد أن يحدد نظام "لافندر" أن الشخص (س) هو هدف، يتم إدخاله في نظام "أين أبي؟". هذا النظام يراقب تحركات الهدف ويرسل تنبيهاً فورياً للمخابرات بمجرد دخول الهدف إلى منزله أو مقره أو شقق يتردد عليها الهدف تم تحديدها. بدلاً من استهداف العنصر في ميدان يصعب رصده فيه، تفضل الخوارزمية ضربه فور عودته لمنزله أو المقرات التي يتردد عليها. هذا يفسر القصف الذي يدمر مبان كاملة على رؤوس ساكنيها لمجرد وجود شخص واحد مستهدف داخلها (اغتيال صاخب بامتياز).
ت)نظام "الإنجيل" (The Gospel / Habsora) - لتدمير البنية التحتية
بينما يركز "لافندر" على الأشخاص، يركز "الإنجيل" على المباني. حيث يقوم بمسح صور الأقمار الصناعية، الطائرات المسيرة، ومعلومات الاستخبارات لتحديد المباني التي يستخدمها أفراد المقاومة. عند تحديد الهدف (مقر قيادة، مخزن سلاح، مكتب اتصالات) يستخدم الإسرائيلي خيار العمليات الصاخبة لتبرير قصف الأبراج السكنية العالية أو المربعات السكنية بدعوى وجود "طابق واحد" يستخدمه العدو المستهدف، مما يخلق صدمة ودماراً واسعاً (عقيدة الضاحية).
ث)نظام "مصنع النيران" (Fire Factory) - للتنفيذ اللوجستي
بعد تحديد الهدف (من لافندر) والموقع (من هابسورا وأين أبي؟)، يأتي دور هذا النظام لحساب الضربة. يحسب (مصنع النيران) كمية المتفجرات اللازمة، نوع الذخيرة، مسار الطائرات، وزاوية القصف المثالية لتدمير الهدف. من أجل تقليل الوقت بين "رصد الهدف" و"إطلاق الصاروخ أو الصواريخ " إلى دقائق معدودة.
هذه الأنظمة الاربعة لا تعمل من فراغ، بل تتغذى على بيانات تجمعها وحدات متخصصة:
الوحدة 8200 (SIGINT): مسؤولة عن التنصت الإلكتروني، جمع المكالمات، الرسائل، واختراق الشبكات. هي التي تغذي "لافندر" بالبيانات السلوكية.
الوحدة 9900 (GEOINT): مسؤولة عن الاستخبارات البصرية والجغرافية (أقمار صناعية، مسيرات) لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد للمباني المستهدفة.
الاغتيالات الصاخبة في سلم التصعيد
قد يستخدم العدو "الاغتيالات الصاخبة" كطلقة لافتتاح حرب أو لتفاديها، ولكن في سياقات استراتيجية مختلفة تماماً. هذا التكتيك هو "سيف ذو حدين" في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، ويتم اتخاذ قرار اعتماده بناءً على حساب متطلبات سلم التصعيد.
فاستخدام الاغتيال الصاخب لتحييد أو تصفية قائد، قد يكون "طلقة بداية" لافتتاح حرب أو اعلانها ومفتاحاً لعملية عسكرية واسعة تم التخطيط لها مسبقاً. واستباق ذلك بإحداث صدمة وشلل فوري في منظومة القيادة والسيطرة قبل أن تبدأ الدبابات أو الطائرات الأخرى بالتحرك. مما يمنح الكيان المؤقت ميزة تكتيكية هائلة في الأيام الأولى.
أمثلة تاريخية (افتتاح الحرب):
_عام 2012 اغتال العدو الشهيد القائد أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام بغارة جوية استهدفت سيارته علناً، وكان ذلك إعلان بدء عملية "عامود السحاب" (حجارة السجيل). الهدف كان جر حماس لمواجهة بشروط الإسرائيلي واختبار القبة الحديدية التي جرى تفعيلها ميدانياً لأول مرة.
_عام 2024 نفذ العدو سلسلة من الاغتيالات الصاخبة المتدحرجة (بدءاً من اغتيال سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله) والذي كان بمثابة افتتاحية لمرحلة "الحرب المفتوحة" مع المقاومة الاسلامية بهدف كسر قواعد الاشتباك وتعديل ميزان الردع وتحقيق المبادأة وامتلاك زمام المبادرة.
في المقابل استخدم العدو الاغتيال الصاخب كأداة جراحية لـ "تنفيس الضغط" أو إزالة تهديد محدد دون الرغبة في الانجرار لحرب شاملة. ضمن استراتيجية أسماها الصهاينة (مابام) أي "المعركة بين الحروب " بهدف منع المقاومة الاسلامية من امتلاك قدرات قد تضطر "إسرائيل" بسببها لشن حرب شاملة لاحقاً. منطق العدو هنا: " أننا نقبل بضعة أيام من القتال المتبادل (جولة تصعيد) ثم نعود للتهدئة، بدلاً من خوض حرب طاحنة". الكيان المؤقت هنا راهن على أن محور المقاومة في سوريا سيرد بشكل محدود لحفظ ماء الوجه، لكنه لن يذهب للحرب الشاملة لأنه غير جاهز بسبب انشغاله بمحاربة التكفيريين في لبنان وسوريا.
أمثلة تاريخية (تفادي الحرب):
_عام 2019 اغتال العدو قائد المجلس العسكري لسرايا القدس في غزة الشهيد بهاء أبو العطا بعملية دقيقة وصاخبة، وحاولت تحييد حركة حماس عن المعركة، مركزة القتال مع الجهاد الإسلامي فقط. الهدف كان إزالة "محرك المشاكل" لتجنب حرب واسعة مع القطاع ككل.
_عام 2023 نفذ العدو سلسلة من الاغتيالات الصاخبة في قلب دمشق أدت إلى استشهاد القائد رضي موسوي ومستشارين يعملون في سوريا. هذه الاغتيالات الصاخبة كانت تهدف لمنع التموضع الإيراني جنوب سوريا وبناء قدرات وقواعد قوة كبيرة قرب الحدود الفلسطينية – السورية مما كان ينذر بحرب حرب كبرى بين الإسرائيلي ومحور المقاومة مستقبلاً.
المنطقة الخطرة: "المقامرة "
عندما استخدم العدو خيار الاغتيال الصاخب بهدف "ترميم الردع" وتفادي الحرب، كان يغامر بأن تكون النتيجة عكسية تماماً وتندلع الحرب رغماً عنه. يحدث هذا عندما تخطئ الاستخبارات في تقدير رد فعل المقاومة، أو عندما يكون "الصخب" أكبر من قدرة المقاومة على احتماله سياسياً وشعبياً.
مثال عند اغتيال الشهيد اللواء "محمد رضا زاهدي" في القنصلية بدمشق. اعتقد العدو أنها عملية ضمن "المعركة بين الحروب"، لكن إيران اعتبرتها تجاوزاً للخطوط الحمراء وردت بضربة مباشرة "عملية الوعد الصادق 1"، مما كاد يشعل حرباً إقليمية شاملة.
الكاتب: غرفة التحرير