في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر 2025، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أكثر مناوراته حساسية منذ هزيمته الاستخبارية والعملياتية في طوفان الأقصى 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. وقد جرت مناورة "ماجن عوز" بين 24 و26 من الشهر الحالي، وصُنّفت كتدريب مفاجئ من نوع "بوخين راماتكال"، أي اختبار مفاجئ يأمر به رئيس أركان جيش الاحتلال شخصيًا لقياس الجهوزية الفعلية، وليس تلك المحفوظة على الورق.
ميدانٌ على الحافة
لم تمضِ 24 ساعة على إعلان حزب الله استشهاد القائد الجهادي الكبير السيد هيثم علي الطباطبائي "أبو علي الطباطبائي" – أحد أبرز رجالات وقادة المقاومة – حتى انطلقت المناورة، لإدراك إسرائيل أنّ اغتيالًا بهذا الحجم قد يفتح أبوابًا لا تريدها الآن، وهذا ما يمكننا الاستنتاج بأن المناورة تأتي في سياق استعراضي لإظهار الجهوزية. وفي المقابل، لم يلمس الاحتلال ارتياحًا، بل قلقًا متصاعدًا من ردة فعل مؤجلة أو مباغتة.
ورغم إعلان الجيش أن المناورة جزء من خطة تدريبات 2025، إلا أن تحويلها إلى تدريب مفاجئ كان اعترافًا غير مباشر بالخشية من موقف حزب الله الغامض بعد اغتيال السيد الطباطبائي.
أهداف المناورة
حرصت القيادة العسكرية على رسم أهداف عريضة، تعكس حجم التحديات الكبيرة والخطيرة التي يعيشها جيش الاحتلال منذ ما بعد 7 أكتوبر 2023:
_اختبار الاستعداد لحرب متعددة الجبهات – السيناريو الذي يخشاه الاحتلال منذ عقود، والذي أصبح اليوم أكثر واقعية.
_تحسين التقييم الوضعي واتخاذ القرار تحت ضغط المفاجآت.
_تعزيز التنسيق الجو–بري–استخباراتي.
_رفع الجهوزية على الجبهة الشمالية حيث يتمركز الخطر الاستراتيجي الأكبر: حزب الله.
_تحسين حماية المستوطنين، ومنع حصول وضع مشابه لما حصل خلال دقائق في عام 2023 بعد سقوط الخطوط الخلفية في غلاف غزة.
_ركزت المناورة في المستوى الميداني على القدرة على الانتقال السريع من الروتين إلى الطوارئ، وعلى محاكاة اختراقات برية شبيهة بما نفّذته المقاومة الفلسطينية في جنوبي فلسطين المحتلة (خلال عملية الطوفان)، إضافة إلى مواجهة هجمات مسيّرات وصواريخ أرض–أرض، وتدريب وحدات المظليين على العمل خلف "خطوط العدو" (وهذا ما يشير بقوة الى أن أي صراع عسكري مستقبلاً سيركز جيش الاحتلال فيه على تنفيذ الإنزالات والقيام بعمليات في العمق بشكل مشابه لعملية مركز البحوث العلمية في مصياف).
_اختار الجيش الجولان والوديان الشمالية مسرحًا رئيسيًا للتدريبات، نظرًا إلى كونها العمق الاستراتيجي الذي سيتحوّل – في أي حرب – إلى منطقة اختراق لقوات المقاومة. وقد شهدت المنطقة حركة دبابات مكثفة، انتشار وحدات مشاة، عمليات محاكاة انفجارات، وإقلاع مروحيات وطائرات مقاتلة في مهام افتراضية.
_تم التركيز على فرقة 210 باشان، كقوة الاختبار الرئيسية، وهي المسؤولة عن الجبهة مع سوريا. وقد جرى تقييم سرعتها في الانتقال من وضع الأمن الروتيني إلى مواجهة سيناريوهات متعددة المواقع، تتضمن تسلل مجموعات مقاومة أو هجمات سريعة التطور.
_على المستوى الجوي، شاركت مروحيات هجومية، طائرات مقاتلة، وطائرات استطلاع، واختُبرت قدرات إسقاط المسيّرات باستخدام أنظمة دفاع محمولة ورادارات صغيرة. كما استُدعي آلاف جنود الاحتياط في محاولة لاختبار مدى الجهوزية الحقيقية للاستدعاء الواسع خلال ساعات.
_إلى جانب البعد العسكري، جرى إشراك سلطات الاستيطان المحلية وخدمات الطوارئ في عمليات إخلاء افتراضية، وإقامة نقاط تجميع للمستوطنين، ما يعكس خشية الاحتلال من انهيار الجبهة الداخلية في الحرب المقبلة.
السيناريوهات… كل الجبهات مفتوحة
حاكت "ماجن عوز" سلسلة من السيناريوهات التي تكشف بوضوح ما يخافه الجيش اليوم:
1)هجمات مفاجئة من الشمال تشمل عمليات تسلل، استهداف مواقع حدودية، واشتباكات متعددة النقاط.
2)حرب متعددة الجبهات تمتد إلى غزة، الضفة، وربما الجبهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
3)سيناريوهات جوية معقدة تتضمن أسراب مسيّرات وصواريخ دقيقة.
4)الانتقال من الدفاع إلى الهجوم عبر عمليات عمق افتراضية ينفذها المظليون.
5)تعطيل الاتصالات والتشويش الإلكتروني لاختبار قدرة الجيش على القتال "أعمى".
النتائج: نجاح معلن لكن القلق المكتوم
بالرغم من إعلان الجيش عن نجاح المناورة، لكنه لم يستطع إنكار وجود الثغرة الجوهرية التي لا تزال تلاحقه، والتي لم يستطع إيجاد حل لها حتى الآن وهي "العجز أمام الطائرات المسيّرة".
وانطلاقاً من هذه الزاوية، واعتراف الكيان في الأشهر الماضية بأن حزب الله استعاد عافيته، يمكننا الاستشراف بأن المعركة المقبلة ما بين المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ستكون أشدّ وأوسع ومختلفة، خاصةً في نتائجها.
الكاتب: غرفة التحرير