الجمعة 22 آب , 2025 03:49

بشارة الراعي: البطريرك الذي حمى الفساد وهاجم المقاومة

بطريرك بشارة الراعي

منذ تسلّمه سدّة البطريركية المارونية، يحاول بشارة الراعي الظهور بمظهر الحَكَم بين القوى السياسية والطائفية في لبنان. لكنّ التجربة أثبتت أنّ الرجل أقرب إلى طرف محدد: طرف المنظومة المالية والسياسية التي نهبت البلاد على مدى عقود، وأدّت إلى الانهيار الشامل الذي يعيشه لبنان اليوم. خلف خطاباته عن "الحياد" و"الدولة القوية"، تختفي شبكة مصالح متشعبة تمتد من المصارف إلى المدارس الكاثوليكية، ومن علاقة وثيقة بحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة إلى صفقات عقارية ومالية تخصّ أموال البطريركية نفسها.

مهاجمة المقاومة: خطاب سياسي لا إنجيلي

لم يتردد الراعي في مهاجمة المقاومة وسلاح حزب الله. ففي مقابلة مع قناة العربية/الحدث قال "لا سلاح إلا سلاح الدولة… وحملات التحريض لن تُسكت بكركي! كلام الأمين العام لحزب الله مزايدة ولا وجود لحرب أهلية… المطلوب من حزب الله تسليم سلاحه للدولة اللبنانية". هذا الموقف، الذي يتجاهل خصوصية لبنان وتهديدات العدو الإسرائيلي، ينسجم أكثر مع خطاب واشنطن والرياض وتل أبيب منه مع هواجس شعب يعيش على خط النار.

وتابع الراعي هجومه قائلاً "المقاومة ليست خضوعاً لإملاءات إيران… على حزب الله إعلان ولائه النهائي للبنان… أبناء الطائفة الشيعية سئموا الحرب ويريدون العيش بسلام… لا مانع من السلام مع إسرائيل مستقبلاً عندما تكون الظروف مناسبة". هذه العبارات ليست مجرد رأي ديني، بل هي اصطفاف سياسي واضح ضد المقاومة وضد شريحة واسعة من اللبنانيين ترى في السلاح ضمانة وجودها.

مواقف الراعي لم تمرّ مرور الكرام. فقد ردّ المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان ببيان لاذع، قال فيه "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لأن السلام ذخيرة الأنبياء… ودون ذلك تبطل الكنيسة والمسجد… وسلاح حزب الله سلاح الله ولا توجد قوة بالأرض تستطيع نزعه". هذا الرد لم يكن دينياً فحسب، بل رسالة سياسية بأنّ بكركي، حين تهاجم المقاومة، إنما تصطف إلى جانب المشروع الأميركي–الإسرائيلي في المنطقة.

أما حديث الراعي عن "تحييد لبنان" فهو في جوهره هروب من المسؤولية. فالحياد، بمعناه الذي يطرحه، ليس سوى تغطية للتطبيع مع العدو والتخلي عن التزامات لبنان القومية. بدل أن يرفع صوته ضد الفساد والنهب، اختار الراعي أن يرفع صوته ضد سلاح المقاومة. وبدل أن يدافع عن المودعين والفقراء، دافع عن المصارف والاحتكارات.

الراعي والمصارف: حماية للمنظومة لا للمودعين

أحد أكثر الملفات إثارة للجدل هو موقف الراعي من الأموال المنهوبة والمصارف. في عزّ أزمة الودائع وانهيار الثقة بالقطاع المصرفي، لم يرفع البطريرك صوته دفاعاً عن المودعين، بل بدا وكأنّه يوفّر الغطاء للمصارف وكبار النافذين فيها. لم نسمع منه إدانة واضحة للنهب المنظم الذي مارسه المصرفيون بالتعاون مع الطبقة السياسية. بل إنّ بكركي نفسها استُخدمت لتأمين مظلة أخلاقية للمصرفيين، وتحوّلت بعض منابرها إلى منصات للدفاع عن "المؤسسات المالية" تحت شعار حماية النظام الاقتصادي الحر.

هذه المواقف لم تأتِ من فراغ. فالعلاقة التي ربطت الراعي بحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، لم تكن خافية. سلامة، المتهم محلياً ودولياً بالفساد وتبييض الأموال، وجد في بكركي سنداً معنوياً في أحلك أيامه. وعوض أن يكون البطريرك صوت المظلومين الذين فقدوا أموالهم في المصارف، كان أقرب إلى صوت حاكم مصرف أُدين في عيون الرأي العام اللبناني والعالمي. إنّ صمته المريب تجاه سلامة لم يكن إلا دليلاً إضافياً على أنّ مصالح البطريركية كانت مرتبطة عضوياً باستمرار المنظومة المالية.

لا يمكن الحديث عن الراعي من دون التطرق إلى أموال البطريركية نفسها. هذه الأموال والعقارات والأوقاف تشكّل إمبراطورية مالية ضخمة غير خاضعة لأي رقابة حقيقية. في بلد يعاني من أزمة ثقة بالمؤسسات، لا أحد يعرف بالتحديد حجم الأموال التي تملكها البطريركية أو كيفية إدارتها. هل استُثمرت لمصلحة المجتمع؟ هل خُصّصت لدعم الفقراء والمحتاجين؟ أم أنّها وُضعت في المصارف واستُخدمت لتثبيت نفوذ الكنيسة السياسي والاقتصادي؟ غياب الشفافية يثير الريبة، خصوصاً عندما يترافق مع صمت البطريرك على كوارث مالية طالت كل بيت لبناني.

أخطر ما يُثار حول البطريركية هو ما يتردد عن أموال تُرسل إلى إسرائيل عبر قنوات مالية أو إنسانية بحجة "دعم مسيحيي الأرض المقدسة". ورغم حساسية هذا الملف، فإنّ غياب أي توضيح رسمي شفاف يزيد من الشكوك. وفي الوقت الذي يتحدّث فيه الراعي عن "السلام مع إسرائيل عندما تكون الظروف مناسبة"، يتجاهل أنّ العدو هو نفسه الذي دمّر لبنان وارتكب المجازر بحق مسيحيين ومسلمين على حد سواء. هذا الخطاب الموارب لا يطمئن، بل يعكس استعداداً للتطبيع، على حساب دماء الشهداء وحقوق الفلسطينيين واللبنانيين.

في المحصلة، يظهر بشارة الراعي ليس كبطريرك لكل اللبنانيين، بل كبطريرك السلطة والمال. فهو الذي حمى المصارف، وغطّى رياض سلامة، وأدار أموال البطريركية في الظل، وغضّ الطرف عن الأموال المرسلة إلى إسرائيل، وصمت عن الوكالات الحصرية التي تنهب الشعب، ثم خرج ليتحدث عن الحياد والدولة القوية.

البطريرك الذي كان يفترض أن يكون صوته مع الفقراء والمقهورين، اختار أن يكون صوته مع المصارف وأصحاب الاحتكارات. والكنيسة التي يُفترض أن تكون نصيراً للمظلومين، تحولت إلى مظلة للفاسدين. أما الشعب، فترك لمصيره، يئنّ تحت وطأة الفقر والانهيار، فيما يُشغله الراعي بخطابات عن "السلام مع إسرائيل" و"حياد لبنان".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور