زينب عقيل
وُصفت زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إلى الصين بـ "المعقدة" لأنها أثارت مجموعة من الملفات مثل الأمن القومي و"الترهيب" الاقتصادي، فيما أعلنت يلين أنّ هدف زيارتها هو التأكد من أنّ البلدين لا ينخرطان في "أعمال تصعيدية غير مقصودة من شأنها ان تضرّ بالعلاقة الاقتصادية الشاملة". إلى ذلك، يزعم المراقبون السياسيون المطلعون أن زيارات المبعوثين الأمريكيين يلين وقبلها بلينكن هي مقدّمة لزيارة رفيعة المستوى محتملة للرئيس جو بايدن إلى بكين ولقاء نظيره الصيني شي جين بينغ.
بماذا تختلف هذه الزيارة عن غيرها؟
وسط العلاقات شبه المجمدة والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد حادثة إسقاط البالون الصيني فوق الولايات المتحدة. لاح في الأفق تفاعلًا رفيع المستوى أظهر هذه المرة بعض الخصائص الجديدة. أولًا، استغرقت هذه الرحلة ما يقرب من أربعة أيام، وهو أمر غير شائع في السنوات الأخيرة، مما يعكس أن هناك بالفعل الكثير من القضايا التي يجب مناقشتها بين الفرق الاقتصادية والتجارية للجانبين. ثانيًا، تهيمن الروح المهنية على التبادلات بين الجانبين، كما يبدو أن هذه الزيارة احتوت على عناصر أيديولوجية أقل مقارنة بالسنوات السابقة. وقد وُصفت الأجواء العامة للتواصل بين الجانبين بأنها براغماتية وعقلانية وإيجابية نسبيًا. ثالثًا، أظهر الجانبان استعدادًا للتوافق.
جدول أعمال الزيارة وشكاوى متبادلة
يلين التي وصفت رحلتها بالمثمرة والناجحة، أجرت محادثات استمرت 10 ساعات قالت إنها قربت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين من "أساس أكثر ثباتا". وقضت نصف ذلك الوقت مع نظيرها نائب رئيس الوزراء خه ليفينج، وهو أول تبادل مكثف بين رئيسي السياسة منذ تعيين الفريق الاقتصادي الجديد في الصين. وخلال اجتماع قصير مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، أجرت تبادلًا أوسع حول العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. كما التقت يلين بوزير المالية الصيني ليو كون وتبادلتا وجهات النظر حول الوضع الاقتصادي للبلدين والاستجابات للتحديات العالمية، وفقا لوسائل الإعلام الحكومية الصينية.
أثارت يلين ممارسات الصين «غير السوقية» و «الإجراءات القسرية» ضد الشركات الأمريكية، وحذرت الشركات الصينية من تقديم الدعم المادي لحرب روسيا في أوكرانيا. في المقابل أعربت الصين عن قلقها بشأن العقوبات الأمريكية وغيرها من الإجراءات التقييدية. حول سلاسل التوريد. واعترفت يلين بوجود "خلافات كبيرة" لا تزال تقسم البلدين. وقالت إنها ضغطت على الحكومة الصينية بشأن معاملتها للشركات الأمريكية العاملة في الصين واستخدامها لسلطة الدولة للحصول على ما وصفته بميزة "غير عادلة" في الأسواق العالمية، بينما اشتكى المسؤولون الصينيون من التعريفات الأمريكية والقيود المفروضة على تجارة التكنولوجيا المتقدمة.
الصينيون ليسوا متفائلين جدًا
قالت وزيرة الخزانة الأمريكية في مؤتمر صحفي قبل اختتام زيارتها إن "العالم كبير بما يكفي لازدهار بلدينا"، و"الرئيس بايدن وأنا لا نرى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين من خلال إطار صراع القوى العظمى"، وأنه يجب على الصين والولايات المتحدة إيجاد طريقة للعيش معا والمشاركة في الرخاء العالمي. وقد كررت مرارًا أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى الانفصال عن الصين، وقالت إنه "من الممكن تحقيق علاقة اقتصادية مفيدة للطرفين على المدى الطويل". إلا أن الصحف الصينية سواء الناطقة بالصينية أو تلك الوافدة الناطقة بالإنكليزية، لم تعوّل على زيارة المبعوثة الأمريكية. خاصة أنها تعكس صوت ورغبة مجتمع الأعمال الأمريكي، ووصفت التوقعات الإيجابية بشأن الزيارة بأنها تشبه "شمعة في مهبّ الريح" كما قالت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الناطقة باللغة الإنكليزية في افتتاحيتها. وأضافت الصحيفة: "لكي نكون صريحين، بالنسبة للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة، فإن النظرة المتشائمة الشاملة للعالم الخارجي لم تتغير. ويُعتقد أن زيارة يلين لن تغير مسار العلاقة الاقتصادية بين البلدين، ولن تحسن بشكل كبير العلاقات الصينية الأمريكية. إذ يميل الناس والمجتمع الدولي أكثر إلى الاعتقاد بأن اتجاه سياسة واشنطن تجاه الصين لا يزال يركز على الاحتواء والقمع"،
ذكرت يلين عدة مرات أن الولايات المتحدة تسعى إلى منافسة صحية مع الصين بدلًا من أنّ "الفائز يأخذ كل شيء". إلا أن محللين صينيين شككوا في كيفية تعريف "المنافسة الصحية". "هل هو أسلوب على غرار الولايات المتحدة حيث يتم إشباع الشهية الجيوسياسية للولايات المتحدة بينما تتعاون الصين دون قيد أو شرط؟ أم أنه يقوم على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين؟".
هل يمكن تغيير الثقة؟
يكمن السبب الجذري للتحديات في العلاقات الصينية الأمريكية في تصور واشنطن الدوني للصين. وبغض النظر عن مدى روعة الأفكار والرغبات التي جاءت بها يلين، فإنها لن تظل أكثر من قلاع في الهواء إذ من الصعب الوثوق بأي شيء تقوله الولايات المتحدة الأمريكية. يرى الصينيون أنه لا يمكن تغيير الثقة إلا من خلال إجراءات ملموسة من قبل واشنطن. مثل إدراج الكيانات الصينية في قوائم الرقابة والعقوبات المختلفة، وهو ما تراه يلين مسألة "أمن قومي".