هل يبتلع التنّين الصيني قيصر الأميركي؟

فيما كان المشهد المرتسم بين أداء الرئيس السوري بشار الأسد، اليمين الدستورية لولاية رئاسيّة رابعة، في مجلس الشعب، تزامناً مع وصول وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" إلى قصر المهاجرين في دمشق، ينبئ بتطورات من النوع الاستراتيجي على "طريق الحرير". ثمّة مَن كان يفكّر في واشنطن في مضمون الرسالة الأكثر قوة وتأثيراً، والتي من شأنها ردع الدولتين التاريخيتين في غرب آسيا وشرقها، عن المضي قدمًا في المشروع الصيني العظيم "الحزام والطريق"، الذي أرّق ويؤرق الإدارات الأميركية السابقة والحالية وحتى اللاحقة.

بعد ساعات قليلة على انتهاء الزيارة غير المسبوقة لمسؤول صيني رفيع إلى دمشق منذ العام 2011، نفّذت طائرات إسرائيلية غارات على أهداف في وسط سوريا. أعادت طائرات الاحتلال الإسرائيلي الكرّة بعد نحو 24 ساعة، مستهدفةً في غارات جديدة نقاطاً في حمص وريفها. حصل ذلك قبل أن تعلن وزارة الدفاع الروسية عن أن الدفاعات الجوية السورية تمكنت من إسقاط الصواريخ الإسرائيلية مستخدمة في ذلك منظومات دفاعية روسية.

في دمشق، يقرأ المعنيون الغارات التي تلت زيارة وزير الخارجية الصيني، على أنها رسائل إسرائيلية الشكل، أميركية المضمون. وإن كانت تلك الغارات تتصل بالأهداف الإسرائيلية المباشرة في سياق مواجهتها المفتوحة مع محور المقاومة وقواه، إلا أنها لا تنفصل في عمقها عن المساعي الأميركية لمنع أي تغييرات في المشهد العام للمنطقة، والذي رسمته واشنطن وحلفاؤها في الإقليم على مدى أكثر من عشر سنوات خلَت.

ومع وصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، والتي اعتبرت الصين وروسيا تهديدين استراتيجيين للولايات المتحدة، تغيّرت لهجة بكين في التعاطي مع واشنطن، واعتبر الرئيس الصيني أن "زمن التنمّر على الصين ولَّى بلا رجعة". لاحقًا، أعلن الأميركيون انسحابهم غير المشروط من أفغانستان، مخلّفين وراءهم الفوضى والقلق لدول الجوار وعلى رأسهم الصين.

هذا التحوّل في التعاطي الصيني في المواجه المفتوحة مع الولايات المتحدة، ألزم الصين بأن تُظهر نفسها على المستوى السياسي العالمي، معتمدة على قدرات إقتصادية هائلة وقدرة عسكرية دفاعية فعّالة. هذا بالضبط ما يُقلق الأميركيين، الذين يُجمعون إلى الآن، كجمهوريين وديمقراطيين، على دعم قانون قيصر الذي يفرض عقوبات شديدة على سوريا. يعتقد هؤلاء أن قيصر يمكنه أن "يغيّر سلوك" الدولة السورية، خصوصًا فيما يتعلق بسياساتها الخارجية وخارطة تحالفاتها.

الصين يمكن أن تضعف من تأثير عقوبات قيصر، بحسب جوشوا لانديس، رئيس قسم الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، الذي يعتبر أن "الصين هي ورشة العالم، لذا يمكنها توفير معظم السلع التي تحتاجها سوريا. كما أن الصين قوية بما يكفي لتجاهل العقوبات الأميركية"، لافتًا إلى أنه "في الوقت الذي تحظر فيه الولايات المتحدة الشركات الأميركية بشكل متزايد من التعامل مع الشركات الصينية، فإن لدى الصين حافزًا أكبر لمعاقبة الولايات المتحدة من خلال كسر العقوبات المفروضة على دول مثل إيران وسوريا".

المتتبّع لخطّ رحلة وزير الخارجية الصيني، والتي شملت نظرائه في روسيا والسعودية وتركيا، قبل أن تحطّ طائرته في دمشق، ويجري منها اتصالًا بنظيره الإيراني، يلمس إصرارًا صينيًا على ضرورة تأمين منطقة غرب آسيا، من أفغانستان إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. هذا الأمر يحتّم انتشال سوريا من قلب البقعة الملتهبة التي أوجدتها فيها الولايات المتحدة الأميركية، لتتحول الى قلب مشروع الحزام والطريق الذي سيغيّر شكل العالم.