الخميس 05 حزيران , 2025 04:21

توم بارّاك: سفير ترامب في المنطقة كلّها

توم بارّاك

فاجأ سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تركيا توم بارّاك - الذي يشغل أيضاً منصب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا – الجميع بصراحته خلال تصريحه لقناة NTV التركية، حينما قال بأن العديد من التحديات المستمرة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط تعود إلى مساعي القوى الغربية للتلاعب بها لتحقيق مصالحها الخاصة منذ الحرب العالمية الأولى. مستعرضاً في هذا السياق "وعد بلفور"، و"اتفاقية سايكس بيكو" التي رسمت حدوداً مصطنعة في منطقة مليئة بالقبائل والطوائف الدينية. مستخلصاً بأن "الصفقات والصراعات التاريخية في المنطقة نابعة من محاولات الغرب لتشكيل مستقبل الشرق، مدفوعةً إلى حد كبير بهدف السيطرة على موارد الوقود الأحفوري". زاعماً بأن "عصر التدخل الغربي" قد ولّى.

تصريح بارّاك هذا، وما تبعه من خطوات تبيّن مدى ثقة ترامب به، بالإضافة الى استعراض محطات حياته ومسيرته المهنية، كل ذلك يسلّط الضوء على نهج ترامب في الدبلوماسية، وماهية الصفات التي يختار على أساسها سفرائه ومبعوثيه الى الخارج: شخصي، وتعاملي، وغير تقليدي.

فمسيرة حياة باراك ذات حدود المتقلّبة بين الأعمال والسياسة والدبلوماسية. وبصفته مستثمرًا مليارديرًا يتمتع بعلاقات لافتة مع العائلات الملكية العربية والرؤساء الأمريكيين، وقد كان بمثابة جسر بين عالمين. ورغم أن واجه بعض التحديات القانونية الحساسة، إلا أن تبرئته فتحت الباب أمام فصل ثانٍ من مسيرته، ربما تكون أكثر هدوءًا لكنها بالتأكيد أكثر تأثيرا.

فما هي أبرز المحطات في مسيرة وحياة توم بارّاك؟

_ من مواليد الـ 28 من نيسان / أبريل 1947، في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، لعائلة لبنانية مهاجرة من قضاء زحلة. لذلك تلعب أصوله دورًا محوريًا في تشكيل فهمه للجغرافيا السياسية في منطقة غربي آسيا، وتعطيه القدرة على التواصل بشكل أفضل من غيره مع النخب العربية.

_التحق بجامعة جنوب كاليفورنيا (USC)، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1969. ثم حصل على شهادة في القانون من جامعة سان دييغو عام 1972.

_في بداية مسيرته المهنية، لم يُظهر كفاءة أكاديمية فحسب، بل أظهر أيضا فضولا عالميا دفعه نحو المشاريع الدولية. وعلى وجه الخصوص، أتاح له عمله في السعودية خلال سبعينيات القرن الماضي مع شركة فلور ومكتب المحاماة هربرت دبليو. كالمباخ (المحامي الشخصي للرئيس نيكسون) الاطلاع على سياسات النفط، وثقافة الأعمال العربية، والتقاطع الدقيق بين المصالح الاقتصادية الأمريكية ومنطقة غربي آسيا.

_في ثمانينيات القرن الماضي، انخرط بعمق في قطاعي العقارات والتمويل. فعمل مع مجموعة روبرت إم. باس وساعدها في إدارة ممتلكاتها الأوروبية.

_أما أهم محطة في مسيرته المهنية فكانت عندما أسس شركة كولوني كابيتال عام 1991، وهي شركة استثمار خاص متخصصة في الاستثمارات العقارية. وقد نمت هذه الشركة التي أصبح اسمها اليوم "مجموعة ديجيتال بريدج"، لتصبح واحدة من أكبر شركات الاستثمار العقاري في العالم، بأصول تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات.

_من أبرز عمليات الاستحواذ التي قادها عبر شركته:

1)أفلام ميراماكس: استحوذ إلى جانب هيئة قطر للاستثمار عليها من ديزني، عام 2010 (وهذا ما يبيّن علاقته الوثيقة بالعائلة القطرية المالكة).

2)مزرعة نيفرلاند لمايكل جاكسون.

3)فنادق ومنتجعات فيرمونت ورافلز، وعقارات فرنسية بارزة مثل محطة قطار باريس سان لازار.

_مكنته قدرته في الاستفادة من الأصول المتعثرة ومهاراته التفاوضية، أن يكون لاعباً عالمياً في مجال الأعمال. وقد بنى شبكة علاقات قوية في دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة الإمارات والسعودية، ووطّد علاقات أصبحت فيما بعد "مثيرة للجدل".

العلاقة مع دونالد ترامب

_تعود علاقته بدونالد ترامب إلى ثمانينيات القرن الماضي. كانت تجمعهما اهتمامات مشتركة في قطاعي العقارات والتمويل، وأصبحت بينهما صداقة شخصية. لعب باراك دورا محوريا في مساعدة ترامب على تجاوز الاضطرابات المالية في أوائل التسعينيات، حيث قدم له استشارات استراتيجية، بل ودعما ماليا في بعض الأحيان. ومع صعود نجم ترامب في السياسة، برز بارّاك كمستشار أساسي، وجامع تبرعات، ومبعوث غير رسمي.

_ترأس لجنة تنصيب ترامب الرئاسية عام 2017، وجمع أكثر من 100 مليون دولار - وهو مبلغ قياسي في ذلك الوقت. إلّا أن هذا الدور أثار لاحقاً تدقيقاً بشأن نفوذ أجنبي مزعوم، لا سيما من حكومات الشرق الأوسط. وكان باراك أيضا متحدثاً رئيسيا في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري لعام 2016، واعتُبر شخصا قادرا على تحسين صورة ترامب لدى النخب وأصحاب المصلحة الأجانب.

_تم تعيينه سفيراً في تركيا (رشحة ترامب في كانون الثاني / ديسمبر 2024 وبدأ مهامه في أيار / مايو 2025) ولاحقاً (في 23 أيار / مايو 2025) مبعوثا في سوريا بل وهناك احتمال أن يتولى مهاماً في لبنان أيضاً،

كل ذلك يشير الى السياسة الخارجية الفريدة في عهد ترامب، والتي غالبًا ما ركّزت على الولاء الشخصي، والقدرة على عقد الصفقات، والدبلوماسية غير التقليدية، بدلًا من الخبرة المؤسسية.

_ هو معروف بعلاقاته الوثيقة مع رئيس الإمارات محمد بن زايد، ومع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومع أفراد من الأسرة الحاكمة القطرية.

_يجيد اللغتين الفرنسية والعربية، ويتمتع بخبرة واسعة في عادات المنطقة، وقادر على العمل عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية.

المشاكل القانونية وأثرها

انقلب مساره المهني والحياتي عندما وجه إليه المدعون الفيدراليون في تموز / يوليو 2021 اتهامات بالعمل كعميل غير مسجل لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعرقلة سير العدالة، والإدلاء بتصريحات كاذبة. وزعمت التهم أنه استغل صلته بترامب لتعزيز مصالح الإمارات، بما في ذلك التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية. وأجريت له محاكمة وُصفت بالمثيرة عام 2022، وسجن ليومين ثم أفرج عنه بكفالة مالية قيمتها 250 مليون دولار ولاحقاً تم تبرئته من جميع التهم. وقد دافع عن نفسه وعن أفعاله باعتبارها أفعال رجل أعمال ذي علاقات شخصية طويلة الأمد وليست عمالة لأطراف أجنبية. ومع ذلك، فقد كلفته المحنة القانونية نفوذه وشوهت صورته.


مرفقات


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور