"الحركة تمتلك القيادات والإمكانيات الكثيرة، وإذا ما فقدت الحركة قائدًا من قادتها، يمكن أن تعوضه، إلا في حالة الدكتور المقادمة، فلا أعتقد أن الحركة في إمكانها أن تعوض، مثل شخصيته مهما ملكت من القدرات والطاقات". كانت هذه كلمات القائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي بحق القائد الشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة بعد شهرين على شهادته.
فنظرًا للمسؤوليات التي تحمّلها الشهيد المقادمة ونشاطه في المجالين السياسي والفكري كما في العمل العسكري في صفوف حركة حماس، كان الرجل "لا يعوّض"، بل ووصف أيضًا بـ "أحد أشهر أعلام حماس في فلسطين، وأهم أعمدة جهازها العسكري".
سيرة القائد
ولد الدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة عام 1950، من عائلة تعود جذورها الى مدينة "بيت دراس" في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. سكن في قطاع غزّة، ثمّ انتقل الى مصر لدراسة طب الأسنان. وهناك تعرّف وانضم الى الإخوان المسلمين.
عاد الى غزّة بعد تخرجّه ليكون من بين المقربين من مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، الشيخ الشهيد أحمد ياسين. فشكّل القائد المقادمة، الى جانب عدد من قادة الحركة، النواة الأولى للجهاز العسكري في قطاع غزة "مجد". وتولّى فيه مسؤولية إمداد المجاهدين بالسلاح.
على هذه الخلفية، اعتقل الاحتلال القائد مقادمة في العام 1984، وحكم عليه بالسجن 8 سنوات. ثمّ عام 1996 اعتقلته السلطة الفلسطينية بتهمة تأسيس جهاز عسكري سري في غزة. قبل فترة اعتقاله، تعرّضت كلّ قيادات حركة حماس لحملة اعتقالات، تبعها إبعادهم الى مرج الزهور في لبنان أواخر العام 1992.
فتوّلى القائد المقادمة خلال هذه الفترة مسؤولية قيادة الجهاز العسكري. وتُسجّل له الحركة بصمةً في تطوّر عملها، اذ تضمنت هذه الفترة أيضًا عمليات ردّ الحركة على اغتيال المهندس يحيى عيّاش والتي نفّذت ضدّ أهدف الاحتلال في القدس المحتلّة.
أمنيًا، أولى القائد المقادمة اهتمامًا كبيرًا بالاحتياطيات الأمنية. فاستخدام أساليب مختلفة في التنكر والتمويه مثل تغيير الملابس والسيارات التي كان يستقلها وكذلك تغيير الطرق التي يسلكها، حتى عُرف عنه أنه كان يقوم باستبدال السيارة في الرحلة الواحدة أكثر من مرة. كما كان قليل الظهور في الإعلام.
بناء الثقافة
شكّلت سنوات اعتقاله وخاصة في سجون الاحتلال الفرصة للتفرّغ أكثر في الجانب الثقافي وبناء الكوادر الواعية بالقضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال. فأسسّ "جامعة يوسف" داخل السجن ووضع برنامجها الثقافي، وكان يلقي وبعض من رفاقه المحاضرات بشكل دوري.
كذلك، ألّف عدة كتب ودراسات في الأمن، وهو داخل السجن وخارجه، منها: "معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين"، ودراسة حول الوضع السكاني في فلسطين المحتلّة تحت عنوان " الصراع السكاني في فلسطين ". وقد نشط في الفترة الأخيرة قبل استشهاده، بتقديم الدروس السياسية والفكرية والدينية لأبناء الحركة.
يعتبر القائد مقادمة من معارضي "اتفاق أوسلو"، اذ كان يرى أن "أيّ اتفاق سلام مع العدو الصهيوني سيؤدي في النهاية إلى قتل كل الفلسطينيين وإنهاء قضيتهم وأن المقاومة هي السبيل الوحيد للاستقلال والحصول على الدولة الفلسطينية".
الشهادة
وصف وزير الاحتلال جدعون عيزرا الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" الشهيد المقادمة بأنه "أحد أخطر الفلسطينيين على الأمن الاسرائيلي.. المقادمة ليس مجرد قيادي في تنظيم فلسطيني تتم تصفيته بل هو مدرسة فكرية كاملة غذت اندفاع الفلسطينيين نحو مواصلة القتال ضد إسرائيل".
في الثامن من شهر آذار / مارس عام 2003، اغتال الاحتلال القائد المقادمة من خلال إطلاق طائراته الحربية لـ 5 صواريخ تجاه سيارته في شارع "اللبابيدي" في مدينة غزّة. وقد استشهد الى جانبه 3 من مرافقيه وعدد من المواطنين المدنيين.
الرّد على الاغتيال
ردّت كتائب القسّام على جريمة الاحتلال، بعد 22 يومًا، اذ نفّذ أحد الاستشهاديين عمليته في "تل أبيب" والتي أدت الى مقتل 3 مستوطنين. وحاولت تنفيذ عملية استشهادية ثانية لكن المنفّذ استشهد قبل إتمام المهمة.
لم يتنهِ الرد بعملية، بل كان تطوّر المقاومة على المستوى الصاروخي هو الرّد الاستراتيجي على دم الشهيد المقادمة وكلّ الشهداء. ففي معركة "حجارة السجيل" عام 2012، أدخلت كتائب القسّام الى الخدمة الميدانية صاروخها الجديد آنذاك M75، وشكّل واحدة من المفاجآت. وقد حمل الصاروخ هذا الاسم تيمنًا بالشهيد، فحرف (M) يرمز للحرف الأول من كلمة مقادمة، وبمدى يبلغ الـ 75 كيلو متر.
الكاتب: غرفة التحرير