الإثنين 27 تشرين أول , 2025 09:57

بينت يصّوب على نتنياهو: هل تبدأ المعركة الانتخابية باكراً؟

Gil Cohen-Magen/ AFP

تبدو الساحة السياسية في كيان الاحتلال على أبواب مرحلة جديدة من التجاذبات والخلافات غير المسبوقة، تغذيها الانتخابات المزمع عقدها عام 2026، تتجاوز فيها الخلافات الحزبية التقليدية إلى أزمة بنيوية تهزّ عمق المنظومة الحاكمة. فبعد الحرب الصعبة التي لم تضع أوزارها بعد، وتآكل ثقة الجمهور بالقيادة، بدأت ملامح حركة معارضة أكثر تنظيماً تتكوّن حول فكرة الإطاحة برئيس الوزراء ببنيامين نتنياهو، الذي بات يمثل في نظر خصومه عنواناً لشلل سياسي يجرّ إسرائيل نحو العزلة الدولية والحسابات الخاطئة التي تضر بمؤسسات الكيان على اختلافها أهم القضاء والاقتصاد.

يمكن القول أن رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، هو الصوت الأبرز في هذه المرحلة، حيث قدّم نفسه بوصفه "البديل اليميني العاقل" القادر على إنقاذ الكيان من فوضى اليمين الشعبوي. في لقاء مغلق، كشف بينيت عن ملامح خطته الانتخابية المقبلة، مؤكداً أنّ الطريق إلى استعادة الحكم تمرّ عبر كسب جزء من ناخبي الليكود التقليديين، الذين ضاقوا ذرعاً بسياسات الحكومة الحالية. يرى بينيت أنّ هؤلاء من يمين الوسط التقليديين الذين يبحثون عن قيادة صارمة ولكن غير متطرفة كشخصيات اليمين.

في خطابه، أطلق بينيت سلسلة من الرسائل التي تجمع بين النقد السياسي والتشخيص الاستراتيجي. اتهم الحكومة الحالية بأنها جعلت "إسرائيل دولة تابعة"، بعدما سمحت -على حد تعبيره- بتغلغل الإدارة الأميركية في منظومة صنع القرار، بل وبإنشاء قاعدة عسكرية أميركية في كريات غات تُصدر منها الأوامر للجيش الإسرائيلي. هذا التصريح، وإن كان يحمل نفَساً انتخابياً واضحاً، يكشف عن مأزق حقيقي داخل "النخبة" الإسرائيلية التي تعيش صراعاً بين الرغبة في الحفاظ على التحالف الأميركي، والخشية من تحوّله إلى وصاية مباشرة.

انتقاد بينيت لا يقتصر على واشنطن، بل يمتد إلى القيادة الداخلية. فقد وصف حكومة نتنياهو بأنها "الأسوأ في تاريخ إسرائيل"، قائلاً إنها تقتات على الانقسام الداخلي، وتعيش على تغذية الكراهية بين مكوّنات المجتمع. فبدلاً من معالجة أزمات الاقتصاد والمعيشة والازدحام والغلاء، تنشغل الحكومة في إطلاق معارك يومية حول الهوية والدين، لإبقاء المجتمع في حالة استقطاب دائم. هذه اللغة تعبّر عن تآكل الثقة داخل المعسكر اليميني نفسه، حيث ترى شريحة واسعة أن استمرار نتنياهو وبن غفير وسموتريتش في الحكم يهدد بتقويض النظام من الداخل، عبر تحويل السياسة إلى أداة صراع شخصي لا إلى منظومة إدارة تنظر إلى مصالح الكيان كأولوية.

اللافت في انتقادات بينيت هو تشخيصه لفقدان الدعم الدولي. فقد أقرّ بأنّ "إسرائيل خسرت معظم العالم الغربي، وخسرت الديمقراطيين، ونصف الجمهوريين"، معتبراً أن الاعتماد الكامل على الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أمر غير مسؤول"، رغم شكره له على دوره في ملف الرهائن. في خلفية هذا الكلام إشارة واضحة إلى هشاشة موقع نتنياهو الخارجي، الذي لم يعد يملك شبكة أمان سياسية أو دبلوماسية كما في السابق، بعد أن فقد الدعم الأوروبي وأغضب واشنطن.

لكن بينيت لم يكتف بالنقد، بل طرح رؤية متكاملة لما يسميه "إعادة تأسيس النظام". أول قراراته، كما قال، ستكون تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر، وهي إشارة مباشرة إلى تحميل نتنياهو المسؤولية السياسية والأمنية عن الفشل. القرار الثاني، وضع آلية مؤسسية لصنع القرار خلال ولاية رئيس الوزراء، بما يعني إنهاء أسلوب القيادة الفردية الذي ميّز عهد نتنياهو. أما القرار الثالث فهو وضع دستور للكيان، يحدّد العلاقة بين الحكومة والكنيست والمحكمة العليا.

وفي أكثر مواقفه إثارة للجدل، دعا بينيت إلى إلزام المتدينين الحريديم بالخدمة العسكرية، مؤكداً أنّ "لا أساس دينياً لإعفاء مجموعة كاملة من الخدمة"، في ما يُعتبر تحدياً مباشراً لواحدة من أكثر القضايا حساسية في المشهد الداخلي. بهذا الموقف، يسعى بينيت إلى كسب جمهور اليمين العلماني، وإعادة رسم الخط الفاصل بين "الدولة الدينية والدولة المدنية".

جوهر ما يطرحه بينيت ليس مجرّد منافسة على السلطة، بل إعادة تعريف للهوية السياسية الإسرائيلية في مرحلة ما بعد نتنياهو. وبينما تتزايد الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة، ونفي نتنياهو هذا الأمر مراراً، إلا أن التجاذبات السياسية مستمرة وتأخذ منحى أكثر تطرفاً مع الوقت.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور