بحسب وثيقةٍ دبلوماسيةٍ سعوديةٍ مسرَّبة اطّلع عليها دانيال هيلتون، كاتب هذا المقال المنشور في موقع ميدل إيست آي، والذي ترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، فإنّ السعودية تخطّط للعب دورٍ أساسي في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، من خلال "المساعدة في نزع سلاح حركة حماس وتهميشها"، وذلك لأنّ حكّام المملكة يرون أنّ لحماس "تأثيراً سلبياً يتمثّل في عرقلة جهود السلام وتعميق الانقسامات".
وهذا ما يثبت أنّ إصرار السعودية على ما تروّج له تحت عنوان "حلّ الدولتين" – الذي لا يلبّي طموحات الشعب الفلسطيني – ليس إلا ذرّاً للرماد في العيون، إذ تعادي المملكة حركات المقاومة على اختلاف أيديولوجياتها، وتطمح إلى التطبيع مع الكيان المؤقّت بعد طيّ قضية "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر".
غير أنّ المفارقة تكمن في أنّ مسؤولي الكيان هم من يرفضون الطرح السعودي بشدّة، بل ويسخرون من السعودية، كما فعل سموتريتش مؤخّراً.
النص المترجم:
تكشف وثيقة داخلية صادرة عن وزارة الخارجية السعودية، اطّلعت عليها صحيفة ميدل إيست آي، أن المملكة تخطّط للعب دور قيادي في مرحلة ما بعد الحرب في غزة، من خلال المساعدة في نزع سلاح حركة حماس وتهميشها، وتقديم دعم مالي ولوجستي للسلطة الفلسطينية.
وجاء في الوثيقة أن المملكة تعتزم "دعم نشر قوة حفظ سلام دولية في قطاع غزة". وقد طُرحت السعودية كإحدى الدول المحتمل مساهمتها في هذه القوة، إلى جانب دول عربية وإسلامية أخرى.
وتهدف الوثيقة إلى "عرض رؤية المملكة لتعزيز الاستقرار في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية"، وذلك عبر "تهميش دور حركة حماس في الحكم"، وإصلاح السلطة الفلسطينية "بما يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني نحو دولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس".
وتعتبر السعودية أن لحماس "تأثيراً سلبياً يتمثل في عرقلة جهود السلام وتعميق الانقسامات"، ولذلك ينبغي تهميشها، وفقاً لما ورد في الوثيقة.
وتشير الوثيقة إلى أن تحقيق هذا الهدف سيكون عبر "نزع سلاح تدريجي" من خلال "اتفاقات دولية وإقليمية تضمن الحياد". كما تقترح أن يؤدي "نقل الحكم تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية" إلى تقليص دور حماس في القطاع، داعيةً إلى "ربط هذه الجهود بحلّ الدولتين".
وتؤكد الوثيقة أن هذه الخطة ستُنفذ بالتشاور مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، استناداً إلى توجيهات من منال بنت حسن رضوان، وهي مسؤولة بارزة في وزارة الخارجية السعودية تزداد أهميتها داخل الجهاز الدبلوماسي.

يُذكر أن السلطة الفلسطينية لم تكن لها أي سيطرة على غزة منذ عام 2007، حين أدت الخلافات بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية إلى اندلاع مواجهات بينها وبين حركة فتح، التي تهيمن على السلطة.
وبحسب الوثيقة، تسعى السعودية إلى تنفيذ إصلاحات مؤسسية داخل السلطة الفلسطينية لمكافحة الفساد وتحسين الكفاءة وضمان تمثيل أوسع لجميع الفصائل الفلسطينية. وجاء فيها: "إصلاح السلطة يُعد ركناً أساسياً لتحقيق الوحدة الوطنية وضمان حكم فعّال وشفاف".
كما تنصّ الوثيقة على أن السعودية ستقدّم دعماً مالياً وفنياً لمساعدة السلطة الفلسطينية في توفير الخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني، من دون أن تحدد المبلغ المخصص لذلك.
وتدعو الوثيقة أيضاً إلى حوار وطني فلسطيني "لدمج الفصائل تحت مظلة السلطة الفلسطينية، بما يعزّز التماسك الوطني"، مشيرةً إلى أن المملكة ستنظم "ورش عمل ومؤتمرات إقليمية" لدعم هذا الحوار.
ولا تشير الوثيقة إلى ما إذا كانت حركة حماس ستُشرك في هذه العملية، كما أنها لا تذكر إسرائيل إطلاقاً في أي موضع.
التحرك الدبلوماسي
تحمل الوثيقة تاريخ 29 أيلول/سبتمبر، أي بعد يوم واحد من خطاب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي دعا فيه إلى تحرك دولي فوري لوقف "الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة".
وخلال الصيف، دفعت السعودية وفرنسا باتجاه تسوية شاملة لغزة تنهي الإبادة، التي أودت بحياة أكثر من 68 ألف فلسطيني، وتنصّ على نشر قوة أمنية دولية في القطاع وإطلاق حوار فلسطيني–إسرائيلي.
لكن في نهاية المطاف، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاق وقف إطلاق النار الخاص به في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، بمساعدة عدد من الدول الشرق أوسطية، وقد تضمن الاتفاق عناصر عديدة من المقترح السعودي–الفرنسي.
وقد تضمّن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يؤكد ترامب أنه "سينهي الحرب على غزة"، صفقة لتبادل الأسرى وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية من القطاع.
وينص الاتفاق على أن تقوم حركة حماس بنزع سلاحها، وهو ما قالت الحركة إنّه لن يحدث إلا بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وعقد ترامب لقاءات مع زعماء عدد من الدول العربية والإسلامية الكبرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، لبحث مفاوضات وقف إطلاق النار.
وبحسب مصدر أمني مصري رفيع، طلب ترامب من جميع الدول الحاضرة – وهي الأردن، والإمارات العربية المتحدة، وإندونيسيا، وباكستان، وتركيا، والسعودية، وقطر، ومصر – المساهمة بقوات في قوة حفظ السلام الدولية المقترحة.
وبعد بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، دعا ترامب قادة العالم إلى قمة في شرم الشيخ لمناقشة مستقبل غزة. ولاحظ المراقبون غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد عن القمة.
وأفادت مصادر مصرية وسعودية وإماراتية لموقع ميدل إيست آي أن غياب الزعيمين عكس استياءهم من عدم منحهم الدور البارز الذي كانوا يتطلعون إليه في الاتفاق.
وبما أن السعودية والإمارات هما أغنى دول المنطقة، فمن المتوقع أن تتحملا الجزء الأكبر من تكاليف الإغاثة الإنسانية وإعادة إعمار غزة.
سموتريتش يرفض فكرة الدولة الفلسطينية
في المقابل، تسعى واشنطن لإقناع السعودية بأن تكون أحدث دولة عربية تطبع علاقاتها علناً مع إسرائيل، على غرار حلفائها الخليجيين الإمارات والبحرين اللتين فعلتا ذلك عام 2021.
وفي هذا السياق، صرّح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش يوم الخميس بأن على بلاده رفض أي صفقة من هذا النوع مع السعودية إذا كانت مشروطة بقيام دولة فلسطينية.
وقال سموتريتش خلال مؤتمر نظمه "معهد تسومت":
"إذا قالت لنا السعودية إن التطبيع سيكون مقابل دولة فلسطينية، فشكراً لكم، لا نريد. استمروا في ركوب جمالكم في صحراء السعودية، وسنواصل نحن تطوير اقتصادنا ومجتمعنا ودولتنا بكل ما نعرفه من قدرات".
الكاتب: غرفة التحرير