السبت 25 تشرين أول , 2025 12:18

الاحتلال الإسرائيلي يستثمر في أزمات دروز سوريا

يستغل الاحتلال الأزمات المعيشية في الجنوب السوري لتحقيق سيطرته

 منذ سقوط النظام السوري في عام 2024، لم تتوقف "إسرائيل" عن استغلال حالة الفوضى السياسية والأزمات المعيشية التي يعانيها سكان الجنوب السوري. فبعد أن فقدت الدولة السورية قدراتها الفعلية على إدارة مناطقها الحدودية بشكل كامل، بدأ كيان الاحتلال بتنفيذ مخططه التوسعي القديم الذي يستهدف تقسيم سوريا وضمان بقاءها دولة ضعيفة غير قادرة على المقاومة أو الدفاع عن أراضيها. في حين يختبئ الاحتلال وراء شعارات مموهة، مثل حماية الدروز والأقليات من الانتهاكات -للتغطية على هدفه الحقيقي-، لكنه في الواقع لم يتحرك سابقاً لحمايتهم، بل مارس ضدهم أشكالاً من التمييز والفصل العنصري، ممثلة في نهب الأراضي التابعة للدروز وفرض قوانين تمنح التفوق العرقي لليهود على السكان العرب لمناطق الجنوب السوري.

واقع الأقليات في الجنوب السوري

تعكس المعطيات الميدانية أن الدروز في القرى الحدودية السورية يعيشون واقعاً قاسياً نتيجة عدة عوامل منها تشتت هويتهم وعدم ثباتهم على مسار واحد ما يجعل الدولة تتجاهلهم وكذلك كيان الاحتلال إذ يتعامل معهم وفقاً لسياسة التمييز المنهجي. فقراتهم تعاني من نقص الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء، وتواجه تهديدات مستمرة بالهدم بسبب قوانين مثل "قانون كامنتس" الإسرائيلي، الذي يسمح بإزالة البيوت بذريعة البناء غير المرخص. إلى جانب ذلك، صادرت "إسرائيل" أراضيهم لصالح تطوير المستوطنات الإسرائيلية المجاورة، فيما يكرس "قانون القومية" المتبع في الكيان تفوق اليهود على العرب، ويثبت هذه السياسات بشكل قانوني.

الحياة اليومية لسكان القرى الأربعة في جبل الشيخ بسيطة جداً، إذ يعمل معظم السكان في الزراعة وتربية الماشية، بينما تتوفر المياه ساعة واحدة فقط كل خمس ساعات، والكهرباء محدودة، ويضطر الأهالي لتسخين الماء على النار للاستحمام. هذه الظروف الصعبة تجعل السكان أكثر هشاشة وقابلية للتأثر بـ "المساعدات" التي يقدمها الاحتلال، بما يخلق تبعية لديهم.

المساعدات كأداة للتغلغل السياسي

تستغل "إسرائيل" الأزمات المعيشية في هذه المناطق لإخضاع السكان للأمر الواقع، وتحقيق أهدافها السياسية. فحسب تقرير صحيفة "إسرائيل هيوم"، تنقل قوافل أسبوعية محملة بالقمح والسولار والمواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية الأساسية إلى القرى ذات الغالبية الدرزية، ويتم التنسيق عبر وحدة عسكرية خاصة أنشأها الجيش لهذا الغرض. هذه القوافل ليست مجرد مساعدات إنسانية، بل أداة استراتيجية لفرض النفوذ، وكسب ولاء بعض السكان المحليين، وإقناعهم بأن استمرار الوجود الإسرائيلي هو الحل لضمان حياتهم اليومية.

تعمل كتيبة "حيرف" على تأمين هذه القوافل، مع مشاركة الجنود الدروز الذين لديهم أقارب في المناطق المستهدفة. هذه المشاركة ليست عشوائية، بل صممت لإضفاء "مصداقية محلية" للمساعدات، وتحفيز الشباب المحلي على الانضمام إلى قوات جيش الاحتلال. وقد ارتفع عدد المتطوعين الدروز بشكل ملحوظ، من عدد محدود جداً إلى نحو 150 شاباً خلال الأشهر الأخيرة، ما يعكس نتيجة توظيف الأزمة المعيشية وفعاليتها لتكون أداة ضغط واستقطاب على هذا المجتمع.

السيطرة التوسعية على جبل الشيخ

"إسرائيل" لم تكتفِ بالمساعدات والإغراءات، بل وسعت سيطرتها على جبل الشيخ بشكل كبير. ففي الماضي كانت تسيطر على 7% فقط من الجبل، أما اليوم، فباتت تسيطر على الجبل بأكمله، مدعومة بتواجد عسكري دائم وتحركات مراقبة دقيقة لدمشق والمنطقة المحيطة. كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن "الجيش مستعد للبقاء في المنطقة لفترة غير محددة"، ما يعكس الطموح التوسعي للكيان وخططه طويلة الأمد للهيمنة على الجنوب السوري والمنطقة كلها، تحت شعارات الحماية الإنسانية المموهة.

الهدف الحقيقي: تقسيم سوريا وإضعافها

الهدف الفعلي وراء كل هذه السياسات ليس حماية الأقليات، بل تنفيذ مخطط قديم لإضعاف الدولة السورية ومنعها من العودة لتكون دولة قوية وموحدة. كل خطوة من خطوات الاحتلال، سواء كانت سيطرة عسكرية، مساعدات غذائية، تندرج ضمن استراتيجية أكبر لتقسيم سوريا، فرض النفوذ الإسرائيلي، وتأمين مناطق حدودية خاضعة له بشكل دائم.

يوضح استثمار الاحتلال الإسرائيلي للأزمات المعيشية في الجنوب السوري بجلاء خطته التوسعية الكبرى التي تتخفى وراء شعارات حماية الأقليات. الواقع على الأرض يظهر أن الدروز والعرب يعانون من سياسات الاحتلال أيضاً بما فيها التمييز المنهجي ونهب الأراضي والتهجير. لكن الاحتلال يقوم بممارسة استراتيجية "الإحكام من جانب والتراخي من جانب آخر" لكسب الولاء وفرض النفوذ وإسكات هذه الأقليات وجعلها راضخة وراضية بالأمر الواقع بينما هو يحقق طموحاته.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور