الثلاثاء 21 تشرين أول , 2025 03:48

نتنياهو بين ضباب المشهد السياسي في إسرائيل وتحديات البقاء في السلطة

نتنياهو والكنيست الإسرائيلي

لم ينقشع بعد غبار الحرب في قطاع غزة، إذ لا يزال القطاع يدفن شهداءه، ويحصي جرحاه ومفقوديه، فيما يتفقد الأهالي ما تبقّى من منازلهم المدمّرة بعد حرب العامين. وفي المقابل، يعيش الداخل الإسرائيلي نقاشاً محتدماً حول نتائج هذه الحرب ومدى تحقيقها للأهداف التي أعلنتها الحكومة، وسط انقسام بين من يرى في اتفاق وقف إطلاق النار خطوة ضرورية، ومن يعتبره إخفاقاً سياسياً وعسكرياً مدوّياً.

الجنرال المتقاعد إسحق بريك، المعروف في الأوساط الإسرائيلية بلقب "نبي الغضب"، كتب في صحيفة معاريف بعد التوصل إلى اتفاق الهدنة، أن الهدف الذي حدده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإسقاط حركة حماس كان غير قابل للتحقيق منذ البداية، مؤكداً أن الحركة لن تسلّم سلاحها ولن تُهزم بالكامل. ويرى بريك أن إسرائيل ستنسحب في نهاية المطاف من القطاع، مع الحفاظ على وجود محدود قرب الحدود فيما يسمى بـ"البيريمتر"، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو من دفع فعلياً نحو هذا الاتفاق وسيمارس الضغط لتنفيذه.

رغم الهدوء النسبي، تبرز في إسرائيل مخاوف من عودة الحرب في حال انشغل ترامب عن المنطقة أو وجد نتنياهو في التصعيد فرصة لتمديد عمر حكومته. ويرى بعض المعلقين أن ملف جثث الجنود المحتجزة في غزة قد يشكّل ذريعة لاستئناف التوتر، إلا أن الأجهزة الأمنية أوصت باستخدام القنوات الدبلوماسية لحلّ الأزمة.

في الوقت ذاته، يظهر نتنياهو استعداداً لكل الاحتمالات. فبعد زيارة ترامب للمنطقة، يسعى إلى ترتيب أوراقه الداخلية واستعادة تماسك ائتلافه. ويُنظر إلى محاولته تغيير اسم الحرب من "السيوف الحديدية" إلى "حرب النهوض" كمحاولة لتثبيت رواية الانتصار وتعزيز صورته قبيل الانتخابات المقبلة. ومع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، بدأ العد التنازلي للانتخابات، فيما يبقى السؤال مطروحاً: هل ستجري في موعدها المحدد أواخر تشرين الأول المقبل، أم أن إسرائيل مقبلة على انتخابات مبكرة؟

الجواب غير محسوم، إذ تتداخل العوامل السياسية والاقتصادية والائتلافية. فبحسب الصحافية دافنا ليئيل من القناة الثانية عشرة، فإن حزبي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير لن ينسحبا من الائتلاف في هذه المرحلة، لأن مصلحتهما الانتخابية تقتضي البقاء، رغم انتقادهما لنتنياهو من حين لآخر. في المقابل، يسعى الأخير لتمرير قوانين تعزز نفوذ السلطة التنفيذية وتحد من دور القضاء، كما يعمل على تجنّب تشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي كشفت هشاشة المنظومة الأمنية والعسكرية.

أما الأحزاب الحريدية التي انسحبت من الائتلاف سابقاً، فقد عادت إلى الواجهة عبر ملف إعفاء طلاب المعاهد الدينية من التجنيد، وهو قانون تعتبره أساسياً لبقائها في الحكومة. وقد أعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن، بوعاز بيسموت، عن إعداد وثيقة مبادئ لهذا القانون، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت محاولة لاسترضاء الحريديم أم لإثارة أزمة قد تقود إلى انتخابات جديدة يكون عنوانها "قانون التجنيد".

العامل الحاسم الآخر هو الموازنة العامة، التي يجب إقرارها قبل نهاية آذار المقبل، وإلا فسيُحل الكنيست تلقائياً. ويتوقع مراقبون أن تتحول الموازنة إلى ساحة مساومات وابتزاز سياسي، خصوصاً من الأحزاب الدينية واليمينية، مع احتمال تضخم موازنة الأمن في ظل تداعيات الحرب.

إلى جانب هذه الملفات، تلاحق نتنياهو قضايا فساد عدّة، أبرزها "الملف 1000" المتعلق بالهدايا. وتشير صحيفة يسرائيل هيوم إلى أن أي تطور في هذه القضايا قد يحدد مصير رئيس الحكومة، فيما نقلت هآرتس أن الرئيس الأميركي طلب من نظيره الإسرائيلي دراسة منحه عفواً رئاسياً، شرط اعترافه وتحمله المسؤولية واعتزاله الحياة السياسية.

اقتصادياً، تواجه إسرائيل أزمة حادة بعد حرب استنزاف طويلة، وسط توقعات بتراجع النمو وارتفاع كلفة المعيشة. ويحاول نتنياهو امتصاص الغضب الشعبي من خلال وعود بدعم الطبقات المتوسطة وزيادة الإنفاق الاجتماعي، لكن التصدع الداخلي يظل أكبر التحديات. فالمجتمع الإسرائيلي يعاني انقساماً متجذراً منذ أزمة "الانقلاب القضائي" قبل الحرب، وقد ازداد هذا الشرخ مع تصاعد الاتهامات للحكومة بالإخفاق في إدارة المعارك.

في ظل هذا المشهد المأزوم، يرفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من تشرين الأول، خشية تحميله المسؤولية، لكن أي ضغط شعبي متصاعد قد يغير المعادلة. أما المعارضة، التي تماهت مع سياسة الحكومة تجاه غزة، فلا تزال عاجزة عن تقديم بديل سياسي مقنع، ما يترك الساحة مفتوحة أمام نتنياهو للمناورة وتثبيت حكمه في مرحلة غامضة، تتأرجح فيها إسرائيل بين آثار حرب لم تنتهِ فعلياً، وواقع سياسي هشّ يزداد تفككاً كل يوم.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور