تأتي زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن في 7 تموز/يوليو 2025، في توقيت بالغ الحساسية داخلياً وخارجياً. فهي ليست مجرّد محطة دبلوماسية لبحث وقف إطلاق النار في غزة، بل خطوة محمّلة برسائل مزدوجة وأهداف معلنة وأخرى مبطّنة.
الزيارة تُقرأ من زاويتين: الأولى، سعي نتنياهو لكسب الوقت وتثبيت موقعه السياسي في ظل الفشل العسكري والتصدّع الداخلي في "إسرائيل"؛ والثانية، محاولة الالتفاف على مشروع المقاومة من خلال تقديم تسويات ظاهرية جوهرها إخراج المقاومة من أي معادلة.
في ظل هذه المناورة، يُعاد طرح أسئلة جوهرية: ما هي أهداف نتنياهو من الزيارة؟ وهل سيتم التوصل خلالها إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؟
أهداف نتنياهو من الزيارة متعددة وتشمل عدة جوانب:
أولاً: إنقاذ نفسه سياسياً في الداخل
نتنياهو في أضعف لحظاته السياسية:
-على مشارف السنة الثانية للحرب ما زال نتنياهو غير قادر على حسم المعركة في غزة.
-تصاعد الاحتجاجات ضده، حتى من داخل الجيش وأسر الجنود.
-تحقيقات جنائية مفتوحة وملفات فساد قد تعود للواجهة.
لذلك، الزيارة إلى أميركا هي محاولة للهروب إلى الخارج لتقديم نفسه مجدداً بأنه يستطيع أن يحمي أمن الكيان.
ثانياً: فرض شروطه على وقف إطلاق النار في غزة
من خلال واشنطن، يريد نتنياهو:
-إجهاض أي صفقة تهدئة لا تضمن إخراج حماس من المشهد.
-إقناع الإدارة الأميركية بإبقاء الضغط العسكري والاقتصادي على غزة.
-تصوير نفسه كعنصر لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مقبلة.
ثالثاً: استثمار العدوان على إيران
بعد العدوان المشترك الإسرائيلي –الأميركي على إيران يسعى نتنياهو إلى تثبيت "مكاسب سياسية" من العدوان، حتى إن لم تكن هناك نتائج عسكرية حاسمة.
التنسيق مع أميركا لإدارة أي تصعيد مقبل رابعاً:
وقد يحاول دفع الأميركيين إلى خطوات أكثر صدامية ضد طهران، لخلق بيئة إقليمية مشغولة تمنحه وقتاً إضافياً في غزة. كما يسعى نتنياهو إلى تحصيل "تفويض ضمني" من واشنطن تمنحه العمل "بحرية" أكبر في إيران وحتى لبنان.
خامساً: شراء الوقت
في الحقيقة، نتنياهو لا يريد حلاً لغزة، ولا إنهاء الحرب، ولا حتى صفقة.
ما يريده الآن هو: الوقت، والشرعية، والبقاء. وهذه الزيارة ستكون متنفساً أمام المعارضة المتصاعدة داخل الكيان.
التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار من الممكن أن تتم عرقلته على عكس ما يدعي ترامب نتيجة لعدة أمور.
سادساً: شرعنة ضربات استباقية إسرائيلية ضد اليمن
قد يطلب نتنياهو ضوءاً أخضر، أو دعماً سياسياً، لتبرير أي هجوم على مواقع يمنية. خاصة إذا تعثّرت التهدئة في غزة.
سابعاً: نسف الاتفاق الأميركي مع اليمن
الاتفاق الذي تفرد ترامب بأخذ قراره واستثنى حينها نتنياهو منه، وكان ذلك بفعل الضربات القاسية التي تعرضت لها حاملات الطائرات الأميركية في البحر الأحمر والخسائر الفادحة. وهذا الاتفاق من المعلوم أنه لم يناسب نتنياهو والآن فرصته لإقناع ترامب بالعزوف عنه وربط الجبهة اليمنية بإيران كذريعة للاستهداف.
الخلاف الداخلي
في ظل التناقض داخل "إسرائيل" هناك انقسام حاد بين المؤسستين السياسية والعسكرية. المؤسسة الأمنية بدأت تميل إلى الخروج من غزة دون نصر، مقابل ترتيب طويل الأمد. بينما نتنياهو يريد البقاء.
رهان على عامل الوقت واستنزاف المقاومة
الاحتلال يعتقد أن إطالة الحرب قد تؤدي إلى الضغط في غزة. لذلك، يلجأ الاحتلال إلى المراوغة عسكرياً للوصول إلى اتفاق بشروطه، وليس بشروط المقاومة.
الخشية مما بعد الحرب
وقف النار يعني بدء مرحلة سياسية جديدة: من سيحكم غزة؟ ماذا عن الأسرى؟ ماذا عن إعادة الإعمار؟ الاحتلال لا يملك إجابات جاهزة، لذلك يُفضّل إبقاء الوضع مشتعلاً على أن ينتقل إلى مأزق سياسي وأمني جديد.
توظيف الحرب كورقة استثمار
"إسرائيل" تستخدم استمرار الحرب كورقة ضغط على الولايات المتحدة (لتأمين الدعم السياسي والعسكري) الدائم.
أما بالنسبة لحماس يكون اتفاق وقف إطلاق النار مقبولاً فقط إذا تضمن
-وقفاً شاملاً ودائماً لإطلاق النار
-انسحاباً كاملاً لجيش الاحتلال من غزة
-اتفاق تبادل أسرى حقيقي
-فك الحصار وإعادة الإعمار بلا ابتزاز سياسي
وهذه الشروط من الواضح أن الكيان يراوغ من أجل عدم تحقيقها لأنها في حال تحققت فهذه صورة نصر خالصة لحماس وبالتأكيد هذا لن يناسب نتنياهو والمتطرفين في حكومته مثل سموتريتش.
السيناريو المتوقع
تهدئة مؤقتة كالتي حصلت عام 2024، دون إنهاء فعلي للمعركة، وبقاء احتمالات التصعيد قائمة.
لماذا هذا السيناريو هو المرجح؟
لأن الاحتلال رغم فشله في تحقيق أهدافه التي تمثلت في القضاء على حماس وإعادة الرهائن، لا يريد إعلان الهزيمة. ولا يريد أيضاً الانسحاب من غزة.
وبالنسبة لحركة حماس فلن تقبل باتفاق استسلامي، حيث تدرك أن أي تنازل الآن والقبول بوقف إطلاق النار بناءً على شروط الاحتلال يعني خسارة سياسية ولن يتحقق منها أي ما ذُكر في الشروط. كما ستُصرّ على انسحاب كامل ورفع الحصار وتبادل الأسرى – أو لا اتفاق.
أما الولايات المتحدة فتريد إغلاق الجبهة لذا ستضغط على الطرفين من أجل "التهدئة". لكن أي اتفاق وحتى لو تم سيكون هشاً وقابلاً للخرق في أي لحظة من قبل الاحتلال إن لم يكن وفقاً لشروط المقاومة.
الكاتب: غرفة التحرير