في أعقاب الحرب الإسرائيلية–الأميركية على إيران في حزيران 2025، تصاعدت مجدداً النقاشات حول موقع الشراكة الثلاثية التي تجمع طهران بكل من موسكو وبكين. فبالرغم من أن روسيا والصين اكتفتا بمواقف إدانة شكلية للهجمات، وحرصتا على تجنّب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن هذه العلاقة ما زالت تحتفظ بوزن استراتيجي كبير، سواء لإيران التي تسعى للخروج من عزلتها، أو لروسيا والصين اللتين تنظران إلى إيران كحليف مهم في إطار جبهة أوسع في مواجهة الهيمنة الغربية. ومن هنا، ينظر الإسرائيليون بقلق متزايد إلى هذا التحالف الذي، رغم محدودياته في بعض اللحظات، لا يزال يشكل تحدياً طويل الأمد.
على المستوى الإيراني، تباينت القراءات الداخلية لما أظهرته الحرب. فالأوساط البراغماتية في طهران أبدت استياءً من محدودية الدعم الروسي والصيني، واعتبرت ذلك دليلاً على هشاشة سياسة "النظر شرقاً" التي تبنّتها القيادة خلال العقد الأخير. هؤلاء رأوا أن موسكو وبكين قد تضحّيان بإيران في أي لحظة لصالح تحسين علاقاتهما مع واشنطن، خاصة أن الصين، على سبيل المثال، ما تزال شريكاً تجارياً أساسياً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن في المقابل، فإن التيار المحافظ داخل النظام الإيراني تبنى رؤية أكثر واقعية، إذ اعتبر أن إيران لم تطلب تدخلاً عسكرياً مباشراً من حلفائها، وأن غاية الشراكة مع روسيا والصين تكمن في بناء إطار طويل الأمد من الدعم السياسي والاقتصادي والتقني، لا في الحصول على مظلة عسكرية فورية. هذه المقاربة سمحت للقيادة الإيرانية بالاستمرار في الاعتماد على موسكو وبكين، من دون أن تنظر إلى موقفهما الأخير باعتباره خيانة أو تراجعاً جوهرياً.
في العمق، ما تزال إيران تدرك أن البديل عن هذه الشراكة يكاد يكون معدوماً. فالعلاقات مع أوروبا تدهورت إلى مستوى غير مسبوق مع لجوء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى تفعيل "آلية الزناد" لإعادة فرض العقوبات، وهو ما أغلق الباب أمام أي محاولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي على أسس مقبولة بالنسبة لطهران. أما الولايات المتحدة، فقد باتت في موقع العدو الاستراتيجي المباشر بعد مشاركتها في الحرب إلى جانب إسرائيل. من هنا، يصبح "الخيار الشرقي" ليس مجرد سياسة ظرفية، بل خياراً وجودياً لإيران، خصوصاً أنه يتيح لها موارد أساسية مثل تصدير النفط إلى الصين، والحصول على تقنيات عسكرية متقدمة من روسيا.
من زاوية روسية–صينية، لا تبدو طهران أقل أهمية. فروسيا التي تخوض حرب استنزاف في أوكرانيا منذ شباط 2022 ما تزال بحاجة إلى إيران، سواء عبر الطائرات المسيّرة التي استخدمتها بكثافة، أو عبر التنسيق السياسي الذي يمنحها حليفاً ثابتاً في الشرق الأوسط. كما أن إيران تمثل ورقة ضغط بيد موسكو في وجه واشنطن، خاصة مع قدرتها على التأثير في أمن الخليج ومضيق هرمز، وهما مسألتان تمسان مباشرة مصالح الطاقة الأوروبية والأميركية. من جانب الصين، ورغم الحذر الذي أبدته بكين في الحرب الأخيرة، إلا أنها تنظر إلى إيران بوصفها مصدراً أساسياً للنفط وممراً حيوياً لمبادرة "الحزام والطريق". إضافة إلى ذلك، فإن استقرار النظام الإيراني يشكل أولوية بالنسبة للصين، إذ إن أي انهيار داخلي في طهران قد يعرّض استثماراتها واتفاق التعاون الممتد 25 عاماً للخطر، بل قد يؤدي إلى فوضى إقليمية تنعكس حتى على حدودها الغربية.
صحيح أن الحرب الأخيرة أظهرت حدود الدعم الروسي–الصيني لإيران في الظروف الميدانية الحرجة، إلا أن ما تلاها كشف أن هذه الدول ليست بصدد التخلي عن شراكتها مع طهران. فقد استمرت اللقاءات الرسمية رفيعة المستوى بين المسؤولين الإيرانيين والروس، وتواصلت المناورات العسكرية المشتركة في بحر قزوين، كما ظهرت تسريبات حول نية موسكو تزويد إيران بمنظومات دفاع جوي متطورة من طراز S-400، مقابل اهتمام صيني بتسليم طائرات مقاتلة حديثة من طراز J-10 ورغم أن هذه الصفقات لم تُحسم بعد، إلا أنها تُظهر استعداداً استراتيجياً من موسكو وبكين لمواصلة تعميق العلاقة مع إيران، بما يتجاوز الإدانة السياسية.
من منظور استراتيجي أشمل، فإن هذه الشراكة الثلاثية تعكس تحولاً في بنية النظام الدولي. فإيران، التي كانت تُعامل لسنوات كدولة معزولة ومارقة من قبل الغرب، تجد نفسها اليوم جزءاً من محور عالمي يضم قوى كبرى مثل روسيا والصين، إضافة إلى قوى أخرى مثل كوريا الشمالية وفنزويلا. هذا الاندماج، حتى لو كان غير متكافئ، يوفّر لطهران حماية نسبية من الضغوط الأميركية، ويمنحها أوراق تفاوض إضافية في ملفاتها الإقليمية والدولية. وفي المقابل، تستفيد موسكو وبكين من إبقاء إيران قوية بما يكفي لإزعاج الغرب، لكن من دون أن تتحول إلى عبء مباشر عليهما.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن التحدي يكمن في أن هذه الشراكة، حتى لو لم تتحول إلى تحالف عسكري كامل، فإنها قادرة على تمكين إيران من ترميم قدراتها النووية والصاروخية والجوية. كما أنها توفر لها مظلة سياسية تمنع فرض عزلة مطلقة عليها في المحافل الدولية. لذلك، تحاول تل أبيب الدفع باتجاه استثمار النفوذ الروسي–الصيني لإجبار إيران على تقديم تنازلات في الملف النووي، لكنها تدرك أن كلاً من موسكو وبكين تعارض في الأساس امتلاك طهران سلاحاً نووياً، وبالتالي فإن موقفهما قد يقتصر على كبح جماح التصعيد لا أكثر.
في الخلاصة، أظهرت الحرب أن الشراكة بين إيران وروسيا والصين ليست تحالفاً مثالياً ولا ضمانة فورية ضد الضغوط العسكرية، لكنها مع ذلك تمثل شبكة أمان سياسية واقتصادية وأمنية لا غنى عنها لطهران. في المقابل، لا تستطيع موسكو ولا بكين التخلي عن إيران في هذه المرحلة، لأن استمرار هذه العلاقة يخدم مصالحهما في موازنة النفوذ الأميركي عالمياً وإقليمياً. وعليه، فإن هذه الشراكة، بما تحمله من توازنات دقيقة وتقاطعات مصالح، مرشحة للاستمرار والتعمق، لتتحول من منظور إيران إلى ركيزة أساسية في استراتيجيتها لمواجهة التهديدات الغربية والإسرائيلية، ولتُشكل في نظر تل أبيب أحد أبرز التحديات الاستراتيجية في العقد المقبل.