الخميس 04 أيلول , 2025 02:39

اتفاقيات أبراهام في مهب الريح: الضم يكشف لعبة واشنطن وتل أبيب

اتفاقيات أبراهام مرهونة بضم الضفة الغربية

منذ احتلاله فلسطين يمارس الكيان الإسرائيلي سياسة ممنهجة تقوم على الإلغاء والإقصاء بحق الفلسطينيين، عبر مصادرة آلاف الدونمات من أراضيهم، وهدم منازلهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم في السكن والعمل والتنقل. هذه السياسة لم تعد تُمارَس بشكل متقطع أو ظرفي، بل تحولت إلى منهج يومي يطال القرى والمدن الفلسطينية على امتداد الضفة الغربية، بما يعكس رؤية إسرائيلية واضحة لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي لصالح الاستيطان. وهذا ما تظهره عمليات التهجير القسري التي يتعرض لها الفلسطينيون على يد سلطات الاحتلال التي تحاول فرض واقع جديد يقوم على محو الهوية الفلسطينية من الأرض.

انتشار هذه الإجراءات التعسفية بشكل واسع، إضافة إلى المشاهد الكارثية التي شهدها العالم من غزة خلال الأشهر الماضية، دفع الرأي العام الدولي، بما في ذلك الدول التي تقيم علاقات أو تطبيعاً مع "إسرائيل"، إلى إعادة النظر في جدوى الاستمرار في الصمت. فالصور التي خرجت من غزة والممارسات اليومية في الضفة رسمت صورة متكاملة عن طبيعة المشروع الإسرائيلي القائم على الاستيطان والتوسع والعنف المتعمد، ما جعل حتى بعض العواصم العربية التي التزمت سابقاً بسياسة الانفتاح على تل أبيب، تُدرك أن هناك حدوداً يجب وضعها للتماديات الإسرائيلية.

التحذير الإماراتي

في هذا السياق، كشف موقع "اكسيوس" الأميركي في تقرير له أن الإمارات حذرت البيت الأبيض من أن أي خطوة إسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية ستؤدي إلى تقويض اتفاقيات أبراهام، بل وقد تُطيح بها بالكامل. الإمارات، التي كانت أول دولة عربية توقع الاتفاق في 2020 مقابل "تعهد إسرائيلي بعدم الضم"، ترى أن أي عودة لهذا المسار تعني خرقاً للاتفاق بحسب المسؤولين الإماراتيين. كذلك أكد مسؤول إماراتي للموقع أن "الاختيار أمام إسرائيل الآن هو بين الضم أو الاندماج الإقليمي"، مشدداً على أن تنفيذ هذه الخطط "سيلحق ضرراً بالغاً بالعلاقات الثنائية، ويقضي على أي تصور للتكامل الإقليمي".

ولكن تبقى الجدوى من هذا التحذير غير معلومة لكون مواصلة أبو ظبي التنسيق مع كيان الاحتلال حتى خلال حرب غزة، بل والمشاركة في نقاشات حول خطط ما بعد الحرب. كما أشار التقرير أيضاً إلى أن الإماراتيين تحدثوا بوضوح مع البيت الأبيض ومع حكومة نتنياهو خلال الأسابيع الماضية، وأكدوا أن أي ضم سيشكل "ناقوس موت لحل الدولتين"، بل وقد يفتح الباب أمام انهيار مسار التطبيع برمته.

هل يحظى مشروع الضم بمباركة أميركية؟

النقاش الأبرز يتمحور حول ما إذا كانت هذه الخطط تجري برضا أميركي أم لا. المؤشرات كلها تدل على أن واشنطن ليست مجرد مراقب محايد، بل شريك ضمني في مشروع الضم. وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أنه أبلغ نظيره الأميركي ماركو روبيو نية تل أبيب المضي في الضم "رداً على اعتزام عدد من الدول الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية". وبحسب المجريات يتضح أن إدارة ترامب لا تعارض عملياً هذه الخطوة، إذ سبق أن أغلق البيت الأبيض مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعمل على تقويض وكالة الأونروا، في إطار حملة منظمة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح "إسرائيل".

محلل الحزب الجمهوري أدولفو فرانسكو ذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أن "واشنطن لا تقف على الحياد، بل تنخرط في دعم واضح لإسرائيل". وأوضح أن "نتنياهو أقنع ترامب باستخدام ورقة الضم كورقة ضغط مزدوجة: من جهة على حركة حماس والقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى كرسالة إلى الدول الغربية مفادها ضرورة عقد صفقة شاملة بشأن غزة والضفة وتعزيز الأمن هناك". هذا الطرح يعكس أن الضم ليس مجرد مشروع إسرائيلي يناقش ويخطط له داخلياً، بل ورقة مدعومة أميركياً لتحقيق أهداف أوسع.

حتى وإن ظهر بعض التباين داخل الإدارة الأميركية فهذا لا يلغي حقيقة أن أميركا ستوظف إمكاناتها لتبقى في مصلحة الكيان. فبينما يرى بعض المسؤولين مثل المبعوث ستيف ويتكوف أن الضم "سيُعقّد قدرة واشنطن على حشد الدعم العربي لمرحلة ما بعد غزة ويقوّض فرص سلام سعودي-إسرائيلي"، يؤكد آخرون أن إدارة ترامب لن تضع عقبات أمام تل أبيب. بل إن مشاركة شخصيات أميركية بارزة مثل ماركو روبيو في فعاليات لمستوطنين في القدس الشرقية تؤشر إلى اصطفاف سياسي يشرعن المشروع الاستيطاني بدل ردعه.

في المحصلة، ضم الضفة الغربية وعمليات الاستيطان تعكس تواطؤاً أميركياً في المشروع وهذا ما سيضرب في العمق فكرة "اتفاقيات أبراهام" التي سوقت لها واشنطن وخصوصاً ترامب "كإرث دبلوماسي" ما سيفشل هذه الاتفاقيات بالتالي. لأنه لن يكون هناك خيارات متعددة فإما الانحياز للشعوب وحقوقها، أو الالتحاق بمشروع توسعي استيطاني لا حدود له.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور