لم يكُن قرار وقف الحرب على لبنان فجر الـ27 من شهر تشرين الثاني 2024، قراراً اختاره الكيان المؤقت نتيجة لإنجازاته التكتيكية وخياراته القائمة على إرادته ورضاه، بل على العكس، فحجم الخسائر التي تكبّدها الكيان على مدى حوالي الشهرين من الحرب التي شنّها الكيان دون ضوابط، بدأت بتفجير البيجرات حتى اغتيال قادة الرضوان ليليها اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتأتي بعدها موجة من الغارات العنيفة التي تخطّت الألف في يوم واحد، والتي ساهمت في نزوح الآلاف من اللبنانيين، وكانت لتتحول لانتصار كبير، إلّا أن ذلك لم يحدث، فالضربات التي كان من المفترض أن تكون قاضية، واجهها حزب الله بسرعة الترميم لقدراته وقادته، بصورة فاجأت العدو ليباشر بعدها بعملية استنزاف للكيان، باتت يوماً بعد يوم، تكبّده أثماناً سيكون لبعضها تأثير طويل المدى، انعكست بشكل واضح على التصور السياسي الإسرائيلي بشأن الأهداف التي يمكن تحقيقها على جبهة الشمال.
فبعد الرفض الإسرائيلي لأية تفاهمات بناءً على مرجعية القرار 1701 والحديث عن عدم صلاحيته للتطبيق، عادت الأمور مجدداً للقبول بنفس القرار، ممّا يعني تخفيضاً لسقف التوقعات وتحوّل في الأهداف من القضاء على حزب الله وإعادة سكان الشمال إلى إبعاد المقاومة عن الحدود إلى شمال الليطاني، في ظل صعوبات تعترض عملية إقناع مستوطني الشمال بالعودة.
وفي هذه الورقة المرفقة أدناه، عرض لأبرز الأسباب التي دفعت الكيان لوقف الحرب، بناءً على مجموعة من مسارات الاستنزاف ومتغيّرات الرأي العام الصهيوني، بالإضافة إلى التأثيرات الإقليمية والدولية، كما والتطورات الميدانية.
خلاصة:
- إن جرّ الكيان إلى حرب استنزاف طويلة، يمكن أن يكون هدفاً انتقامياً في جميع الجبهات، وسيؤدي إلى صعوبة في إعادة البناء والعودة إلى روتين الحياة الطبيعية، الأمر الذي سيشكل ضرراً استراتيجياً خطِر جداً بالنسبة إليه.
- ارتفاع عدد القتلى من الجنود والضباط.
- تصاعد عمليات المقاومة بوتيرة سريعة وقوية من مختلف الجبهات والتي أوقعت خسائر فادحة بالكيان وقد تجسّد الضغط الفعلي يوم الأحد في الأسبوع الأخير من الحرب وذلك من خلال قصف تل ابيب، بالإضافة إلى استهداف 6 دبابات ميركافا في مواجهة واحدة في شمع-البياضة. وبالتالي، هذا الضغط الميداني هو الذي دفع للتفاوض لإنهاء الحرب.
- عجز الكيان عن تحقيق إنجاز استراتيجي في المعارك البرية وصعوبة حفظ السيطرة على أي نقطة في الجنوب نتيجة التعزيزات العسكرية للمقاومة في ظل حفاظها على القدرة القتالية والصاروخية وبداية التأقلم مع الواقع الجديد، وبالتالي تأكّد الكيان كما والولايات من صعوبة المراهنة على استمرار القتال لتحسين النتائج، في ظل عجز سياسة الاغتيالات عن تحقيق أهدافها، ما دفع الكيان إلى الترويج بانتهاء العملية البرية على اعتبار أنها كانت عملية "محدودة" منذ البداية، وذلك بعد تأكد الكيان من حفاظ حزب الله على قوّته وجهوزيته. فعلى الرغم من تعمّد الاحتلال الإبقاء على قدر كبير من الغموض بشأن أهداف العملية البرية، فإنّ حوالي الشهرين من عملية واسعة تقودها خمس فرق من جيش الاحتلال لم تستطع تحقيق سوى اختراقات محدودة عكس ما كان مُتوقعاً عندما صرّح قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين قائلاً: "نحن مصمّمون على تدمير كل البنية التحتية، وإبعاد حزب الله من هنا، ومنعهم من شن أي هجوم ضدنا".
- امتناع عدد كبير من جنود الاحتياط (20%) عن الالتحاق بالخدمة خوفاً من تعرّضهم للاستهداف بعد فقدانهم الأمان حتى داخل معسكراتهم.
- الخسائر في هذه الحرب كانت أكثر من المتوقع وأكبر مما تحتمله قدرات الكيان على المدى البعيد.
- كان هناك ضغط حقيقي مجتمعي شعبي على الحكومة الصهيونية للتوصل إلى إنهاء الحرب، فالتكاليف البشرية والمادية والنفسية الهائلة أدّت إلى ردود فعل سلبية من الرأي العام الإسرائيلي الذي بدأ يتساءل عن جدوى استمرار التصعيد في الجبهتين الشمالية والجنوبية.
- اضطرار رئيس الوزراء نتنياهو إلى إنهاء العملية، بعد حوالي شهرين على اندلاعها لأن النصر الذي وعد به على حزب الله بدا بعيد المنال، فصعوبة حسم المواجهة عسكرياً وتحقيق أي صورة نصر عسكرية مقنعة، جعل الحل السياسي هو الخيار الأكثر واقعية.
- عودة أصوات المعارضة داخل الكيان بالضغط والمطالبة بإسقاط الحكومة نتيجة الخسائر التي بدأت تتصاعد في الأيام الأخيرة.
الأهداف (غايات للعدو)
- استغلال الإنجازات العسكرية وترجمتها كي تغدو نتائج على شكل ترتيبات، هذا سيسمح للكيان بإعادة تأهيل نفسه، بعد الأثمان الكبيرة التي دفعها خلال العام الماضي.
- خفض التوتر، والتخفيف من الرد الإيراني المؤجل، في ظل الضغط الأميركي لمنع توسع الحرب لتشمل دخول إيران.
- إعادة تنشيط القوات الإسرائيلية وتوحيد صفوفها، بعد حالة الإرهاق والاستنزاف والصدمات النفسية التي بدأت تتسلّل إلى جنود وضباط جيش الاحتلال.
- فصل جبهة غزة عن جبهة لبنان وعزل حركة "حماس".
- تجنّب صراع طويل الأمد يغرق الكيان في استنزاف عسكري، أمني واقتصادي.
- التركيز على التهديد الإيراني، وإعطاء قوات الاحتلال قسطًا من الراحة، وزيادة الضغط على حماس.
- العمل على اتفاق بضغط أمريكي لتحسين نتائج الحرب يتضمن مهلة لمدة شهرين يستفيد منها جيش الاحتلال في استهداف البنية التحتية للمقاومة جنوب الليطاني.
لتحميل الدراسة من هنا