تدخل منطقة الشرق الأوسط في تغيرات جيوستراتيجية مع سقوط النظام السوري وتصاعد النفوذ التركي، كما تشهد المنطقة حالة من الترقب مع وصول ترامب الى سدة الرئاسة الأمريكية والتسويات الحاصلة في ملفات حرب لبنان وغزة.
على الصعيد العسكري يغيب الحديث عن مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وكيان العدو، مع استبعاد احتمال نشوب حرب شاملة، حيث يعدّ أقل احتمالًا بشكل عام، نظرًا لخطورة العواقب العسكرية والاقتصادية على كلا الطرفين وعلى المنطقة والعالم. ومع ذلك، فقد يكون هذا الخيار مطروحًا في حال حدثت مستجدات دراماتيكية في المعطيات العسكرية والأمنية في المنطقة وبما تتخذه إدارة ترامب من قرارات تصعيدية. من جهته يعزز العدو الصهيوني من ترسانته العسكرية بعد الحديث عن شحٍّ بالذخائر في المستودعات، نتيجة استهلاكه الذخائر سواء في غزة ولبنان أو في سوريا واليمن، وقد أقرّت إدارة بايدن مؤخرًا مساعدات عسكرية جديدة للكيان قبل رحيلها. ومع بداية تطبيق بنود وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، تبقى الأمور في حالة من الترقب والحذر بانتظار نتائج الالتزام ببنود الاتفاق، وبما ينتهجه العدو من خطوات عدوانية.
أما المستجدات الاستراتيجية الحاصلة في المنطقة، كما هو معلوم، خسارة إيران وروسيا للدولة السورية وموقعها الجيوستراتيجي الموالي، فضلاً عن القاعدة الجوية والبحرية في حميميم وطرطوس. فالقواعد العسكرية الروسية، كانت تمثّل موطئ القدم الوحيد لروسيا في مياه بحر الأبيض المتوسط للحفاظ على مصالحها ومواجهة حلف الناتو (أولوية حلف الناتو NATO والاتحاد الاوروبي التصدي ما يعتبره التهديدات الروسية والحرب القائمة في أوكرانيا). من جانبها تواصل الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها العسكري القوي في المنطقة، لضمان حماية مصالحها وحلفائها، ومكافحة ما يسمى بـ"الإرهاب"، كما مواجهة إيران والحد من نفوذها. إذ أن الحضور الأميركي والغربي ما زال موجود بفاعلية في المنطقة، وإن تقلصت وحداته البحرية في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن أساطيله تظلّ حاضرة بفاعلية في البحر الأحمر وفي قواعده المنتشرة في المنطقة ضمن ما يسمى بالمنطقة الوسطى CENTCOM.
جنوب شرق آسيا وبحر اليابان
في الجانب الآخر من العالم، في جنوب شرق آسيا وبحر اليابان، ثمة تعزيزات حاصلة مقابل التهديدات الصينية المتنامية بشكل خاص. يأتي هذا التعزيز الغربي، مقابل هذه التهديدات التي وسعت بشكل متزايد، من نطاق عملياتها البحرية تدريجياً خارج شرق آسيا، بما في ذلك الوجود المستمر في خليج عدن. لكن في العموم، تدفع توقعات قادة البحرية إلى أن الولايات المتحدة قد تخوض حرباً مع الصينيين بحلول عام 2027، لذلك تحاول جاهدة الاستعداد وبناء القدرات وصولاً للجهوزية العسكرية المطلوبة. وفي الخلفيات، أن البحرية الامريكية عانت من تأخيرات طويلة الأمد في بناء برامج بناء السفن الجديدة، لأسباب عدة منها الميزانية المتوفرة، فضلاً عن مشاكل الصيانة في السفن القديمة التي تهدد جداول عمليات النشر، كما تسببت المشكلات الطويلة الأمد في تراكم السفن الداخلة والخارجة من أحواض بناء السفن. وكانت البحرية في طريقها لتحقيق معدل إكمال صيانة في الوقت المحدد بنسبة 67٪ عبر الأسطول في العام 2024. لكن في الوقت نفسه، تقضي السفن القابلة للنشر وقتًا إضافيًا في البحر، وفي حالة السفن على الساحل الغربي، تم سحبها من منطقة إلى أخرى. وقد أدت تراكمات العمل إلى جانب زيادة وتيرة العمليات البحرية إلى إثارة المخاوف بشأن عدد السفن الأمريكية الجاهزة للقتال واحتمال نشوب صراع مع البحرية الصينية المتنامية.
وفق المعطيات الموجودة حاليًا، تنشر البحرية الأمريكية في منطقة عمليات الأسطول السابع، حاملاتي طائرات مع مجموعاتها القتالية:
- حاملة الطائرات USS George Washington ببحر اليابان.
- حاملة الطائرات USS Carl Vinson قرب بحر الصين الجنوبي.
وبالإضافة إلى البحرية الأمريكية، هناك نشاط فاعل للبحرية الأوروبية في جنوب غرب آسيا وبحر اليابان، حيث تنشر فرنسا حاملة طائراتها Charles de Gaulle مع مجموعتها القتالية لتتواجد ضمن مهمة كليمنصو 25، كما تنشر بريطانيا حاملة طائراتها HMS Prince of Wales، فضلاً عن وجود قطع بحرية لدول حليفة للغرب أبرزها لأستراليا ولليابان.
البحر الأبيض المتوسط
البحرية الأمريكية
على الرغم من أهمية البحر الأبيض المتوسط (منطقة عمليات الأسطول السادس الأمريكي) إلا أن البحرية الأمريكية قلّصت نسبيًا من وجودها في الوقت الحالي، كما لم يتبين عن انتشار هام أو فعال في البحر الأبيض المتوسط، سوى عن وجود عدد من القطع، وغواصة تزور قاعدة جبل طارق البريطانية بعد وجودها في قبرص، ولا نستثني وجود أربع مدمرات متمركزة في قاعدة روتا البحرية بإسبانيا.
تعود أسباب تقلص نسبة وجود البحرية الامريكية في المتوسط إلى عدة عوامل استراتيجية وتكتيكية أبرزها:
- أولويات النشر الأمامي للقوة الذي تركز في جنوب شرق آسيا وبحر اليابان.
- اتفاق وقف إطلاق النار بين محور المقاومة وكيان العدو في لبنان وغزة.
- افتقار البحرية الأمريكية للسفن الحربية الكافية لتلبية الاحتياجات العسكرية.
- عودة العديد من السفن الحربية، لقضاء عطلة أعياد رأس السنة والميلاد.
حالياً لا وجود لحاملة طائرات أمريكية ولا لمجموعة الإنزال البرمائي تدخل سريع، في البحر الأبيض المتوسط، فلا يوجد سوى القطع البحرية التي تمّ الإشارة إليها:
- المدمرة الصاروخية الموجهUSS Oscar Austin (DDG 79)
- الغواصة USS Indiana (SSN-789)
- سفينة دعم الفيول USS Laramie (AO-203)
- القاعدة البحرية الاستكشافية USS Hershel "Woody" Williams
البحرية البريطانية
تنشر البحرية البريطانية في المتوسط: السفينة الدورية HMS Trent
التشكيل SNMG2
تعد SNMG2 واحدة من أربع قوات بحرية دائمة تابعة لحلف الناتو تحت قيادة NATO Allied Maritime Command (MARCOM) في Northwood، المملكة المتحدة. وهي مجموعة مهام متعددة الجنسيات متكاملة.
تقوم قطع بحرية من دول حلف شمال الأطلسي ضمن إطار (SNMG2)، (SNMCMG1)، (Irini) بدوريات منتظمة في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن المناورات المشتركة. ومن المخطط أن تشمل مجموعة SNMG-2 خلال فترة المهام سفنًا من كندا، وإسبانيا، وإيطاليا، بالإضافة إلى مشاركة طواقم من بلغاريا، وإنجلترا، وإسبانيا، وإيطاليا، ورومانيا، واليونان.
في 3/12/2024، انتقلت قيادة مجموعة المهام البحرية الدائمة التابعة لحلف شمال الأطلسي (SNMG-2) من كندا إلى تركيا في حفل تسليم، حيث سلمت القيادة الى الفرقاطة التركية"Kemalreis" .
ستتم مهمة قيادة SNMG-2 في الفترة الممتدّة من 3 كانون أول 2024 إلى 4 تموز 2025، وستشمل الأنشطة التالية: الحضور في المياه.
- إعداد الصورة التكتيكية البحرية.
- تنفيذ زيارات الموانئ لتعزيز الروابط المشتركة.
- إجراء تدريبات ومناورات مع الدول الحليفة.
- البقاء في حالة استعداد للتدخل في الأزمات.
المناورات التركية "الوطن الأزرق"
من المستجدات الحاصلة في هذه المرحلة، إجراء مناورات تركية كبيرة "الوطن الأزرق"، امتدت عبر ثلاث بحار: بحر إيجه، البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، وصلت ذروة هذه المناورات في 16 كانون الثاني، والتي أظهرت تركيا فيها قدراتها البحرية المتزايدة وطموحاتها الإقليمية، فيما كانت البحرية اليونانية تراقب بحذر هذه المناورات، حيث تعتبرها نوع من التهديد المتنامي، بالرغم وجودهما معاً في حلف الناتو.
تعكس مناورات "الوطن الأزرق"، القدرات البحرية المتوسعة لتركيا. وفقًا لوزارة الدفاع التركية، سيشارك في التمرين: 87 سفينة سطحية، 7 غواصات، 7 مركبات بحرية غير مأهولة، 31 طائرة، 17 مروحية و 28 طائرة مسيرة. يشارك فيها أكثر من 20,000 جندي وأفراد آخرون، بما في ذلك فرق متخصصة في الهجوم والدفاع تحت الماء، في هذه تدريبات متكاملة.
البحرية الروسية
بعد المستجدات التي حصلت في سوريا وخسارتها لقاعدة طرطوس، تسعى البحرية الروسية لإيجاد بديل لقاعدتها البحرية في ليبيا. ففي 18 كانون الأول 2024، أفادت "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين ليبيين وأمريكيين أن هناك انتقالًا لأنظمة الدفاع الروسية من سوريا إلى ليبيا، بما في ذلك بطاريات صواريخ S-300 وS-400 المضادة للطائرات.
كانت قاعدة حميميم وطرطوس مرفقاً عسكريًا وقاعدة جوية على الساحل السوري، تهدف لتسهيل عمليات روسيا في البحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لا سيما منطقة الساحل والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. حاليًا لدى البحرية الروسية ثلاث سفن شحن عسكرية تجوب المتوسط، إلى جانب سفينتي الإنزال الدبابات Ivan Green و.Alexander Otrakowski منذ بداية النزاع العسكري في أوكرانيا، تقوم بحرية الناتو بمتابعة السفن الروسية عن كثب في كل تحركاتها عبر البحر الأبيض المتوسط، و مؤخراً كانت البحرية الاسبانية من خلال الفرقاطة Victoria والفرقاطة Blas de Lezo، بالإضافة إلى سفينة (BAM) Tornado تراقب الأسطول الروسي أثناء مرافقتها للسفن التجارية وناقلات النفط خلال عبورها من المتوسط إلى المحيط الأطلسي.
البحر الأحمر
البحرية الأمريكية:
تواصل السفن الأميركية دورياتها في البحر الأحمر كجزء من عملية حارس الرخاء Operation Prosperity Guardian وهي جهود متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة لحماية السفن التجارية التي تتحرك عبر المنطقة.
دفعت البحرية الأمريكية بحاملة الطائرات هاري ترومان ومجموعتها القتالية إلى البحر الأحمر في مواجهة الحوثيين، حيث قامت في الفترة الماضية بالتصدي للصواريخ اليمنية، كما قامت بتوجيه ضربات جوية بمشاركة القوات البريطانية والإسرائيلية. والجدير بالذكر، أن البحرية الأمريكية خلال التصدي للصواريخ اليمنية، أسقطت طائرة لها بنيران الطراد الصاروخي الموجه USS Gettysburg (CG-64) وكادت تسقط طائرة اخرى. وينتشر حاليًا في بحر الأحمر، حاملة الطائرات هاري ترومان ومجموعتها القتالية، وهي على الشكل التالي:
حاملة الطائرات هاري ترومان USS Harry S. Truman Carrier Strike Group تحمل جناح الطائرات الجوي الأول (تسع أسراب طيران)
سرب المدمرات Destroyer Squadron (DESRON) 28المسؤول عن:
- الطراد الصاروخي الموجه USS Gettysburg (CG-64)
- المدمرة الصاروخية الموجه USS Stout (DDG-55)
- المدمرة الصاروخية الموجه USS Jason Dunham (DDG-109)
- المدمرة الصاروخية الموجه USS The Sullivans (DDG 68) تعمل بشكل مستقل في منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي
تشكيل ASPIDES
ضمن عملية ASPIDESالتابعة لحلف الناتو، ينتشر في البحر الأحمر القطع البحرية التالية:
- الفرقاطة اليونانية HS HYDRA
- سفينة الايطالية ITS CAIO DUILIO
- فرقاطة الفرنسية
- مقابل الصومال ضمن عملية اتالانتا ATLANTA، تنتشر السفينة الإسبانية ESPS SANTA MARIA.
بحر العرب والمحيط الهندي
ضمن مهمة كليمانصو25 في المحيط الهندي، تنتشر مجموعة حاملة الطائرات الفرنسية الضاربة FNS Charles de Gaulle بما فيها الفرقاطة FS Forbin والفرقاطة FS Alsace بالإضافة الى ناقلة الإمداد FNS Jacques Chevallier، وقد قامت هذه المجموعة مؤخرًا بزيارة للهند بهدف تعزيز التعاون بين الطرفين ومن ثم توجهت نحو سنغافورة.
من جهة أخرى تواجه البحرية البريطانية والأمريكية في المحيط الهندي، اعتراضات من قبل الحكومة الجديدة في موريشيوس بسبب قاعدة دييغوغارسيا الهامة. تتمحور الاعتراضات حول الايجار وطبيعة النشاط في الجزر وتكمن أهمية القاعدة بكونها ترتبط بنشاط عملياتي جوي وبحري يتعلق بإيران والمحيط الهندي وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط.
الخليج
تنشر البحرية الأمريكية بشكل دائم في الخليج زوارق الاستجابة السريعة من فئة Sentinel التابعة لخفر السواحل الأمريكية PATFORSWA بالإضافة الى وجود الفرقاطة البريطانية HMS Lancaster.
ذكرت البحرية الملكية البريطانية إن سفينة HMS Richmond ستقوم بدور "البديل" لسفينة HMS Diamond و HMS Lancaster عندما تحتاج أي من السفن إلى التوقف عن الدوريات من أجل إعادة التزود بالإمدادات أو الصيانة. وفعليًا، سيتم زيادة أعداد السفن المرافقة في منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاث سفن للحفاظ على وجود اثنتين في البحر.