تظهر الوثائق المسرّبة عن البيت الأبيض خطة مثيرة للجدل تحمل اسم "صندوق إعادة بناء غزة وتسريعها وتحويلها"، تهدف وفق المقترح إلى إعادة تطوير قطاع غزة على شكل سلسلة من المدن الضخمة عالية التقنية، في خطوة وُصفت من قبل خبراء حقوقيين وسياسيين بأنها تمثل مشروعاً للتطهير العرقي ونقل قسري للسكان. وتشير الوثائق إلى تهجير نحو مليوني فلسطيني من منازلهم، مع وضع القطاع تحت وصاية أميركية، بينما يُعرض على مالكي الأراضي تعويض رقمي لإعادة تطوير ممتلكاتهم خارج غزة، فيما يظل من يختار البقاء في وحدات سكنية صغيرة للغاية.
وقد قوبلت الخطة بسخط واسع، إذ اعتبرها محللون وخبراء حقوقيون بحسب مقال نشرته صحيفة "ذا غارديان" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، بأنها تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وأن الشركات والمؤسسات المشاركة قد تواجه مسؤولية قانونية على المدى الطويل. وقد رفضت حركة حماس هذه الخطة رفضاً قاطعاً، مؤكدة أن غزة جزء من الوطن الفلسطيني وليست للبيع.
النص المترجم:
تداولت أروقة البيت الأبيض خطة لتطوير ما يسمى "ريفييرا غزة" على شكل سلسلة من المدن الضخمة عالية التقنية، غير أن هذه الخطة وُصفت بأنها محاولة "جنونية" لتوفير غطاء لعملية تطهير عرقي واسعة النطاق بحق سكان قطاع غزة.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست يوم الأحد كتيبًا مسرّبًا حول الخطة، التي تتضمن التهجير القسري لمجمل سكان غزة البالغ عددهم نحو مليوني شخص، ووضع القطاع تحت وصاية أميركية لمدة لا تقل عن عقد كامل.
الخطة، التي حملت اسم "صندوق إعادة بناء غزة وتسريعها وتحويلها" أو اختصاراً قيل إنها صيغت من قبل بعض الإسرائيليين أنفسهم الذين أطلقوا وأداروا "المؤسسة الإنسانية لغزة" المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، مع مساهمة في التخطيط المالي من شركة "بوسطن غروب".
وفي أكثر بنودها إثارة للجدل، تقترح الخطة المؤلفة من 38 صفحة ما تسميه "إعادة التوطين المؤقتة لجميع سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص" وهو طرح يرقى إلى مستوى التطهير العرقي، وربما يشكل فعلاً إبادياً.
ويُشجَّع الفلسطينيون على "المغادرة الطوعية" إلى دول أخرى أو الانتقال إلى مناطق آمنة ومقيّدة خلال فترة إعادة الإعمار. أما مالكو الأراضي فسيُعرض عليهم "رمز رقمي" من قِبل الصندوق مقابل حقوق إعادة تطوير ممتلكاتهم، ليُستخدم في تمويل حياة جديدة لهم في مكان آخر.
أما من يختارون البقاء، فسيسكنون في وحدات لا تتجاوز مساحتها 323 قدماً مربعاً (نحو 30 متراً مربعاً)، وهي مساحة ضئيلة للغاية حتى مقارنةً بمنازل كثيرة في غزة خارج المخيمات.
ولم يتضح ما إذا كانت الخطة تعكس سياسة رسمية للولايات المتحدة، إذ لم يرد البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية الأميركية على طلب واشنطن بوست للتعليق. غير أن الكتيب المسرّب بدا متماشياً مع طموح دونالد ترامب المعلن سابقاً بـ "تطهير غزة" وإعادة تطويرها.
ومن بين المنتقدين للكتيب المسرّب فيليب غرانت، المدير التنفيذي لمنظمة "ترايل إنترناشيونال"، وهي مجموعة حقوقية مقرها سويسرا، حيث وصف الخطة بأنها "مخطط للترحيل الجماعي يُسوَّق على أنه تنمية".
وقال غرانت: "هذا مخطط للترحيل الجماعي يُسوَّق بواجهة التنمية. النتيجة؟ حالة نموذجية لجرائم دولية على نطاق لا يُتصوَّر: النقل القسري للسكان، والهندسة الديموغرافية، والعقاب الجماعي".
حتى في الإعلام الإسرائيلي، قوبل المقترح بالاستهجان، إذ وصفت صحيفة هآرتس ذات التوجه اليساري الخطة بأنها "مخطط ترامبوي للثراء السريع قائم على جرائم حرب والذكاء الاصطناعي والسياحة".
ويبدو أن الكتيب المفرط في الخيال قد صاغه أشخاص ليست لديهم معرفة ميدانية بغزة، ولا بسياسة الشرق الأوسط، ولا بالتحديات الواقعية لمحاولة إعادة بناء القطاع كمركز سياحي وتكنولوجي بمليارات الدولارات، وهو ما سيشكل بطبيعة الحال منافسة ل "إسرائيل".
وتصف الخطة نفسها بأنها لا تحتاج إلى تمويل أميركي، بل يُفترض أن يمولها مستثمرون بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار. وتشمل رؤيتها إنشاء مدينة نابضة بالحياة تقطعها مجرى مائي، وتحيط بها حتى ثماني مدن ضخمة عالية التقنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي ومزدانة بالخضرة، على غرار مشروع نيوم السعودي المتعثر.
وتتضمن الخطة أيضاً إنشاء "مجمع صناعي باسم إيلون ماسك" يقع – دون أي سخرية – على أنقاض منطقة إيريز الصناعية، التي أُنشئت باستثمارات إسرائيلية لاستغلال العمالة الفلسطينية الرخيصة، ثم أُغلقت ودُمّرت لاحقاً على يد القوات الإسرائيلية.
ويُظهر فحص الخريطة أن الخطة ستشمل كذلك مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في غزة، والتي تتركز عادة في أطراف القطاع قرب الحدود مع "إسرائيل"، لتحويلها إلى منطقة عازلة أمنية إسرائيلية.
ووفقاً للخطة، ستحتفظ إسرائيل بـ "حقوق شاملة" غامضة في غزة "لتلبية احتياجاتها الأمنية". ولن تكون هناك دولة فلسطينية، بل مجرد "كيان فلسطيني" يُضم إلى اتفاقيات أبراهام التي رعاها ترامب.
كما أن اللغة المستخدمة في الكتيب، وتسميات العديد من المشاريع، تبدو موجّهة أساساً لاسترضاء غرور دونالد ترامب، وإيلون ماسك، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي سُمّيت نسبةً إليه الحلقة الأمنية المحيطة بغزة.
وجاءت انتقادات مماثلة من إتش إيه هيليير، الزميل البارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، الذي اعتبر أن تفاصيل الخطة عبثية لدرجة أنها لا تستحق التعامل معها بجدية مباشرة.
وقال هيليير: "إنها جنون محض المهم ليس الخطة نفسها، بل ما تشير إليه: وهو أمر ليس جديداً الإصرار الإسرائيلي على ألا تكون هناك سيادة أو حق لتقرير المصير للفلسطينيين في غزة".
وأضاف: "لقد أوضحت الولايات المتحدة منذ فبراير حين ظهرت لأول مرة تفاصيل خطط لما سُمّي ريفييرا ترامب في غزة أنها لا ترى بأساً بفكرة التطهير العرقي في غزة أما "المغادرة الطوعية" فهي مجرد خدعة، إذ ليس أمام الفلسطينيين في غزة سوى خيارين: أن يُقتلوا بالرصاص أو يُموتوا جوعاً".
قالت كاثرين غالاغر، وهي محامية بارزة في مركز الحقوق الدستورية في نيويورك، إن: "أي شركة تصطف إلى جانب إسرائيل – ويبدو أيضاً ترامب – في خطة تهدف إلى النقل القسري للفلسطينيين من منازلهم في غزة، فإنها تفتح على نفسها باباً واسعاً للمسؤولية القانونية داخل بلدها وتحت مبدأ الولاية القضائية العالمية".
وكان المركز قد رفع مؤخراً دعوى ضد إدارة ترامب للحصول على سجلات تمويلها لما يُسمى "المؤسسة الإنسانية لغزة"، وهي الجهة الخاصة التي تتولى الإشراف على توزيع المساعدات في القطاع، والتي قُتل عند مواقعها مئات الفلسطينيين أثناء اصطفافهم للحصول على الطعام.
وجاء تسريب الكتيب بعد أيام من عقد ترامب اجتماعاً في البيت الأبيض لمناقشة ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، حضره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي قدّم للإدارة الأميركية وبعض أفراد أسرة ترامب رؤيته بشأن مستقبل غزة إضافة إلى صهر ترامب جاريد كوشنر.
كما رفض الخطةَ مسؤول بارز في حركة حماس، باسم نعيم، الذي قال: "غزة ليست للبيع غزة جزء من الوطن الفلسطيني الأكبر"
المصدر: The Guardian
الكاتب: Peter Beaumont and Alice Speri