يجزم هذا المقال الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، أن المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، تُعيد بناء قدراتها العسكرية استعدادًا للحرب المقبلة مع إسرائيل، تقريبا دون عوائق. وبالرغم من مزاعم هذا المقال أن حزب الله مني بخسائر فادحة منذ انخراطه في الحرب ضد الكيان المؤقت عام 2023، إلا أنه يقرّ بأن الصواريخ والطائرات المسيّرة والقذائف والتكتيكات، التي يعتزم حزب الله استخدامها لمواجهة كيان الاحتلال الإسرائيلي في الجولة المقبلة، ستكون أكثر تحدّياً.
النص المترجم:
في عام 2023، ارتكب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أكبر خطأ في حياته إذ أرسل مقاتليه إلى الحرب مع إسرائيل. دخل الحزب المعركة وهو يغمره الثقة: بأكثر من 150 ألف صاروخ، وصواريخ باليستية دقيقة، وآلاف المقاتلين المدربين جيدًا، وبنية تحتية بُنيت خلال عقدين.
لكن التفاؤل اللبناني اصطدم بواقع القوة الإسرائيلية. فقد دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي معظم قدرات حزب الله من خلال تفوقه التكنولوجي، وابتكاراته الاستخبارية، وقوته النارية الهائلة. ومع ذلك، وكما هي الحال دائمًا في الشرق الأوسط، فإن ما لا يقتل العدو يجعله أقوى — والجولة التالية تكون دائمًا قاب قوسين أو أدنى.
إعادة بناء جيش جريح
يعيد حزب الله اليوم بناء قدراته بوتيرة عالية، مع القليل من العوائق. ويبدو أن هيكله الجديد سيطرح تحديات مختلفة لإسرائيل — خصوصًا في 3 مجالات: الصواريخ والقذائف، الطائرات المسيّرة، والبنية التحتية الداعمة لها.
لطالما اعتمد الحزب في قوته النارية على شبكة مدفعية واسعة — صواريخ باليستية دقيقة مخبأة داخل المنازل، ومنصات إطلاق منتشرة في جنوب لبنان. وقد درس جيش الاحتلال هذا النظام جيدًا ووجد له حلولًا فعالة. فمعظم الصواريخ الباليستية — وهي من طراز فاتح-110 الإيراني — لم تؤثر على العمق الإسرائيلي، إذ جرى اعتراض الكثير منها، فيما دمّرت الطائرات الإسرائيلية منصات الإطلاق قبل أن تُستخدم.
الصواريخ الثقيلة مثل فجر-5 وغراد تسببت بدمار كبير عند إصابتها للأهداف، لكن حزب الله واجه صعوبة في تنفيذ رشقات كثيفة. ووفق بيانات الجيش الإسرائيلي، لم يُطلق الحزب أكثر من 230 صاروخًا في يوم واحد وذلك مرة واحدة فقط، في أواخر آب / أغسطس 2024.
والسبب في ذلك أن الصواريخ المخزّنة ليست صواريخ جاهزة للإطلاق. فقد واجه الحزب مشكلات لوجستية حادة: صعوبة نقل الذخائر، ونشر ما يكفي من المنصات في الوقت المناسب، والتعامل مع القادة الميدانيين الجرحى الذين كانوا يتلقون العلاج في مستشفيات بيروت.
استغل الجيش الإسرائيلي هذه الثغرات، فدمّر مئات المنصات دفعة واحدة. ففي عملية "حصاد التمور" بتاريخ 21 أيلول / سبتمبر، تم تدمير 400 منصة إطلاق خلال ساعات. وحتى حين نجح الحزب في تركيز نيرانه، جرى اعتراض معظم الصواريخ بواسطة بطاريات القبة الحديدية، التي أدّت أداءً استثنائيًا.
أسلحة رخيصة، فتاكة، وصعبة الاعتراض
من بين أخطر الأسلحة التي استخدمها حزب الله كان صاروخ "بركان" البدائي — وهو في جوهره برميل متفجر مزود بمحرك صاروخي صغير. مداه القصير جعل اعتراضه صعبًا، وأحيانًا لم تتمكن القبة الحديدية من الرد في الوقت المناسب. كما شكّلت صواريخ "ألماس" المضادة للدروع الموجّهة بصريًا خطرًا كبيرًا، إذ يمكن إطلاقها من مواقع مخفية تمامًا، ويستطيع المشغّل توجيهها عبر كاميرا مدمجة لتصيب أهدافًا بدقة — من قواعد عسكرية إلى مركبات ومنازل.
ورغم أن نظام الحماية النشط الإسرائيلي "تروفي" قادر على اعتراض مثل هذه الصواريخ، إلا أنه يحمي المركبة المثبّت عليها فقط، ولا يمكن تركيبه على كل منزل قرب الحدود أو على كل جرّار في الجليل.
لذلك، قد يتجه حزب الله إلى مزيج من الصواريخ "الذكية" والقذائف "الغبية"، أي ترسانة أصغر لكن أكثر فاعلية لتجاوز الدفاعات الإسرائيلية.
الطائرات المسيّرة: من القوة الجوية إلى الانتحارية
أنشأ حزب الله خلال عقود وحدة جوية متطورة بتمويل إيراني بمليارات الدولارات، ضمّت صواريخ كروز بعيدة المدى من طراز DR-3 وطائرات مسيّرة هجومية متقدمة مثل شاهد-129 وكرّار النفاثة، القادرة على إسقاط قنابل موجهة أو اعتراض طائرات أخرى. لكن سلاح الجو الإسرائيلي دمّر معظم هذه الأسطول النخبوي قبل أن يُحدث أثرًا ملموسًا.
التهديد الحقيقي جاء من الطائرات المسيّرة الانتحارية البسيطة — قنابل طائرة تُطلق جماعيًا من لبنان نحو إسرائيل. رخيصة وفعّالة، مثل أبابيل-T وصماد-2 وشاهد-101 و107 الصغيرة والمراوغة، تسببت في إصابات وأضرار مادية.
هذه المسيّرات تُستخدم لمرة واحدة فقط، لكنها شبه مجانية: ثمن طائرة شاهد-129 الواحدة يعادل كلفة 300 من هذه الطائرات الصغيرة. يمكن إطلاقها من أي مكان تقريبًا، حتى دون بنية تحتية معقدة. وقد بدأ الحزب بالفعل بتحويل إنتاجه نحو هذه النماذج منخفضة الكلفة.
وفي حزيران / يونيو، دمّرت الغارات الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى 5 مصانع لتصنيع المسيّرات، ومع ذلك يواصل الحزب إعادة بناء قدراته على نطاق واسع، رغم خسارته نحو 70% من مخزونه الجوي.
ملامح ساحة المعركة المقبلة
الخطر الأكبر الآن هو في النتائج العملية لهذه التغييرات. فصواريخ ألماس يمكن إطلاقها من مواقع مخفية — حتى من حفر أرضية — ما يجعل القضاء على طواقم الإطلاق أصعب بكثير. وسيتطلب الأمر عددًا أقل من المقاتلين لإحداث تهديد جدي، ومع ارتفاع كلفة هذه الصواريخ، فإن التوفير في الأفراد قد يعوّض ذلك.
وبالمثل، فإن إطلاق الطائرات المسيّرة الانتحارية لا يحتاج إلى مدارج أو منشآت معقدة. فطائرة شاهد-101 يمكن أن توضع داخل صندوق بحجم خزانة تلفاز — سهلة الإخفاء، رخيصة التخزين، وقادر على الوصول إلى أهداف تبعد مئات الكيلومترات. لم يعد حزب الله بحاجة إلى أنفاق وبنى تحتية ضخمة تكلّف الملايين وتجذب اهتمام الاستخبارات الإسرائيلية.
وهنا مكمن الخطر: كلما كانت الأسلحة أبسط، أصبحت أصعب في الاعتراض. فترسانة حزب الله الجديدة تحتاج إلى عدد أقل من الأفراد، وأموال أقل، وبنية تحتية محدودة — لكنها تمثّل تحديًا أكبر من أي وقت مضى.
ما بعد الحرب الثالثة
انتهى صراع 2023–2024 — الذي يعتبر فعليًا الحرب اللبنانية الثالثة — بانتصار عسكري استثنائي لإسرائيل، إذ قاتل جيشها بعزيمة وابتكار ونجاح غير مسبوق. لكن استراتيجيًا، لم يتغير الكثير. فالعدو الجريح يعيد بناء قوته، دون رادع يُذكر داخل لبنان، بينما تكتفي إسرائيل بالضرب فقط عند رصد قدرات جديدة.
إلا أن إعادة بناء حزب الله هذه المرة قد تكون أسرع وأرخص وأكثر خطورة. والجولة المقبلة — متى ما اندلعت — قد تُختبر إسرائيل بالقوة نفسها، وربما أكثر من الجولة السابقة.
المصدر: يديعوت أحرونوت
الكاتب: غرفة التحرير