السبت 04 تشرين أول , 2025 12:34

حماس وورقة ترامب: رد ذكي وعقلاني يراعي مصلحة غزة والمقاومة

ورقة ترامب للسلام في غزة

زلزال أصاب الجبهة الداخلية للعدو بعد بيان حركة حماس الذي وافقت فيه على ورقة ترامب "للسلام" في غزة، وفق الإعلام العبري الذي أشار الى صدمة في الأوساط الإسرائيلية من محتوى البيان الذي أوكل الحديث عن إدارة غزة واليوم التالي الى وفاق وطني فلسطيني، ولم يوافق على إدارة أجنبية لغزة ( طوني بلير)، مع تأكيد اليمين اليهودي المتطرف أنه غير راض بأن يتخلى عن فكرة ضم الضفة الغربية ( يهودا والسامرا) التي قال ترامب انه تلقى وعدا من نتنياهو فيها، وزاد من هذا الامتعاض نشر ترامب بيان حماس على حسابه الخاص، والتفاخر بأنه إنجاز كبير. أما في المقلب الفلسطيني، ففي غزة فرحة واحتفالات بوقف إطلاق النار، مع أسئلة تراود الكثيرين ومنها; هل تخلّت حماس عن المقاومة؟ هل تنازلت عن حقوق الشعب الفلسطيني؟ هل تلاشت إنجازات 7 أكتوبر وطوفان الأقصى؟ لكن ثمة رأي حصيف يؤكد أن بيان حماس كان ذكياً ومنطقياً، وقد رمى الكرة بملعب نتنياهو والإسرائيليين. فماذا يتضمن بيان حماس، ولماذا وافقت؟

أ) الجوانب الإيجابية في البيان

١. اقتصر البيان بذكاء على القبول المشروط لاقتراح ترامب "للسلام"، وهو أمر لا ينفصل عن الوضع المأساوي في غزة. ويمكن اعتبار هذا البيان إجراءً لتجنب تفاقم الأزمة في غزة، وهو يزيح إلى حد ما الصورة النمطية للمقاومة كتيار غير مرن وأيديولوجي وغير عقلاني، ويقدم عنها صورة عقلانية وقابلة للتفاعل في الأوساط والأذهان العامة.

٢. جعل البيان وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مرهونًا بتوفير الظروف الميدانية وكذلك بالمفاوضات، مما جعل وقف إطلاق النار بمثابة تمهيد للمفاوضات، والمفاوضات تمهيدًا وشرطًا مسبقًا لتحرير الأسرى. كما أن البيان لم يذكر ما أكد عليه ترامب صراحة بشأن الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء والأموات خلال ٧٢ ساعة، واقتصر فقط على الإشارة إلى الإفراج المشروط بتحقيق الشروط المطلوبة، وهو ما يرمي الكرة فعليًا من الناحية الفنية في ملعب الطرف الآخر.

٣. يؤكد البيان على حق السيادة العربية والفلسطينية على غزة؛ وإن كان يؤكد على فكرة "المؤسسة الفلسطينية المستقلة" بدلاً من فكرة الدولة. في هذا النهج، لا توجد أي إشارة إلى الموافقة على إنشاء آلية رقابة دولية - عربية لحكم قطاع غزة، وفي المقابل تم التأكيد على المؤسسة الفلسطينية المستقلة.

٤. يؤكد البيان على عدم شرعية الهجرة القسرية لسكان غزة، وكذلك على احتلال النظام، وهو ما يعكس السياسات والمبادئ الأساسية لحماس.

٥. يؤكد البيان على الضرورة الملحة لرفع الحصار عن غزة والحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية.

٦. يركز البيان بذكاء على الوفاق الوطني الفلسطيني لا سيما في اليوم التالي لإدارة غزة، ويجعل قضية غزة إلى حد ما قضية وطنية لجميع الفلسطينيين وليس موقفًا داخليًا خاصًا بالجماعة. يمكن اعتبار هذا الجزء من البيان محاولة بارعة لجعل أهمية غزة ومستقبلها شأناً لجميع الفلسطينيين، مما قد يُفسر على أنه تمهيد لإضفاء الطابع الشامل على إجراءات وسياسات حماس بوصفها سياسة واستراتيجية عربية - فلسطينية.

٧. رغم رغبة "إسرائيل" في إقصاء حماس من غزة، يؤكد البيان على الوجود النشط لحماس كجزء من الإطار الفلسطيني الشامل العام. هذا التأكيد يظهر أن نهج حماس في مفاوضات السلام لا يعني التراجع أو قبول الهزيمة منها، وأن حماس لا تزال التيار الأقوى داخل غزة والتي ترغب في استمرار وجودها النشط في مستقبل هذه المنطقة.

٨. لا يتطرق البيان إلى موافقة حماس على الانسحاب الإسرائيلي التدريجي دون انسحاب كامل لقوات الاحتلال من غزة، مما قد يطرح بشكل ما الانسحاب الكامل وليس التدريجي لإسرائيل من قطاع غزة كشرط مسبق للإفراج عن الأسرى والإجراءات الأخرى التي تريدها حماس في هذا البيان.

٩. لا يحتوي البيان على أي إشارة إلى نزع سلاح حماس وإزالة التسليح عن غزة - كما يريد ترامب - وهو ما يؤكد ضمناً على أصالة السلاح لضمان السلام في الطريق المقبل، أو على الأقل يترك النقاش حول هذا الموضوع صامتًا. قد يكون هذا متوافقًا مع التجربة المعاشة للفلسطينيين في عدم التزام النظام الصهيوني بالاتفاقيات السابقة ويجعل ذلك مبررًا.

ب) الجوانب التي تستحق التأمل في البيان

١. قد يثير قرار الجناح السياسي لحماس المقيم في الدوحة، في غياب الفرع العسكري النشط في غزة الذي استُشهد معظم أفراده إلى حد كبير، فكرة سيادة التحفظ على الثورية في الأذهان.

٢. قد يؤدي المرونة في المواقف ورد قادة حماس السياسيين على فكرة السلام الأمريكية بعد الهجوم على مقرات حماس الآمنة في الدوحة، إلى تعزيز فكرة "السلام في ظل القوة".

٣. ربما يعود عدم تقديم البيان لكلام صريح بشأن نزع السلاح إلى الديناميكيات الداخلية لحماس، ويطرح هذا التصور أن نزع السلاح في الميدان قد يكون في الأساس خارج إرادة وقدرة الجناح السياسي المقيم في قطر، وهو ما قد يدل على وجود فجوة بين الميدان والدبلوماسية داخل حماس.

٤. قد يؤدي التمسك والثقة غير المدعومين بالحقوق الدولية والإجراءات الدولية، دون الانتباه إلى دور القوى في قراءة القانون الدولي، إلى استمرار الغموض حول مستقبل غزة.

خلاصات واستنتاجات

إجمالاً، يحتوي البيان على نقاط إيجابية وبعض النقاط أو العواقب النظرية والمفاهيمية السلبية، التي تمكن بذكاء من أن لا يكون عائقًا في طريق فكرة سلام ترامب، وفي نفس الوقت لا يعني التراجع عن المبادئ الأساسية للمقاومة الإسلامية الفلسطينية، وبمعنى ما، يرمي الكرة في الملعب الأمريكي ليضع النظام الصهيوني تحت ضغط ترامب؛ وهو أمر يواجه صعوبات كبيرة في طريقه، كما أن ترامب أظهر عدم جدارته بالثقة في السياسة العملية، وتصرف إلى حد كبير بطريقة متقطعة وغير مستقرة ومنحازة في مواقفه السياسية؛ وبالتالي فإن سياسة القبول المشروط لحماس بكل نقاط الغموض أو العواقب المنطقية السلبية لها، هي أمر عقلاني ويمكن الدفاع عنه.

ومع ذلك، فإن تسرع ترامب في الرد على بيان حماس قد يكون أيضًا مؤشرًا على أهدافه الفريدة؛ فمواضيع مثل سعيه للحصول على جائزة نوبل للسلام، يمكن أن تكون أحد دوافع هذا الرد. بالطبع، مجرد اختزال هذا التسارع في جائزة نوبل للسلام لا يقدم صورة دقيقة عن طبيعة هذا الإجراء، ويجب البحث عن الرد في طبقات تحليلية أعمق.


الكاتب:

محمد محمودي كيا

كاتب وباحث سياسي من إيران.
عضو الهيئة الأكاديمية لمعهد الإمام الخميني (رض) والثورة الإسلامية.




روزنامة المحور