الواقع أنّ الكيان المؤقت يدخل في حرب استنزافية لم يعد فيها الخيار العسكري معيارًاً لكبح العمليات الفدائية أو حلاً لتهدئة أرضية الضفة، مع كل عملية أو اشتباك تزداد توصيات معهد دراسات الأمن القومي في الكيان المؤقت بضرورة القيام بعملية عسكرية كبيرة هدفها إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وذلك لمنع دخول الكيان بحرب استنزافية، ومنع توسع المقاومة في الضفة ولتحقيق أهداف سياسية، لكن سبق وأثبتت التجارب المفعول العكسي لمثل هذه العمليات، خاصة مع تقلص هامش حرية القرار والجهوزية مع التصعيد السياسي الداخلي للدخول بعملية عسكرية موسعة في هذا التوقيت.
وما تم تصنيفه سابقًاً على أنه موجة عمليات، اتضح بأنه دوائر عمليات ذات بنى تحتية تتسع بفعل سياسات الكيان، وتكتسب جرأة وقوة مع كل حملة، ومع اقتراب حزمة تحديات شهر أيلول: معركة الأسرى واقتحامات رأس السنة العبرية فإن الأوضاع ذاهبة نحو المزيد من التصعيد والتخبط في آن. وفي آخر هذه الأحداث، إصابة جندي إسرائيلي بجروح "متوسطة الخطورة"، في عملية إطلاق نار استهدفت دورية للقوات الإسرائيلية، قرب قرية الزبيدات الواقعة في محافظة أريحا في الضفة الغربية. وفي اليوم التالي وقعت اشتباكات بين مقاومين فلسطينيين، وقوات خاصة إسرائيلية خلال اقتحامها مخيم جنين.
على المستوى الداخلي الأمني لكيان الاحتلال، يبدو أن أفق التسوية مسدود، والأطراف الداخلية في الكيان داخل معركة سجالات واتهامات متبادلة، نتنياهو متخوف من استخدام "قانون التعذّر" للإطاحة به لذا قدّم تنازلات لجذب غانتس للحوار، أما المعارضة فإنها غير واثقة بأصل الحوار، بينما يصطدم الطرفان بمعسكر بن غفير-سموترتش-ليفين الذي لن يتخلى بدوره عن مخطط تغيير تركيبة القضاة والمضي بقانون "إلغاء المعقولية". وكان وزير أمن الاحتلال يؤاف غالانت قد صرّح أن ""مواطني إسرائيل والجيش الإسرائيلي بحاجة إلى التماسك والوحدة. وأدعو زملائي في الكنيست إلى التوصل إلى تسوية (حول التعديلات القضائية) وبسرعة، من أجل دولة إسرائيل وأمن إسرائيل". في حين جددت المحكمة العليا رفضها طلب الحكومة الإسرائيلية تأجيل النظر في التماسات ضد قانون تقليص "حجة المعقولية"، بهيئة قضائية تشمل جميع قضاة المحكمة الـ15، والمقررة في 12 أيلول الجاري. وقالت المحكمة إنه "بالنظر إلى التشكيلة الموسعة التي تم تحديدها، وبالنظر إلى القيود التي يفرضها جدول المحكمة، فإنه لا يمكن الموافقة على طلب تأجيل الجلسة المقررة في 12 أيلول". كما قرر قضاة المحكمة تمديد الموعد النهائي لتقديم ردّ الحكومة على الالتماسات حتى الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة في 8 أيلول الجاري.
أما عن خطة هرتسوغ، فقد تطرق رئيس كيان الاحتلال إلى مقترح التسوية بين الإئتلاف والمعارضة حول "التعديلات القضائية". وقال هرتسوغ، أمام أعضاء الجالية اليهودية في النمسا، إن "على القيادة (الإسرائيلية) أن تستغل فرصة نادرة من أجل أن تمد يدها والتوصل إلى توافقات". وأضاف: "منذ تسعة أشهر نتواجد في أزمة عميقة تؤثر بشكل هائل على حياتنا وأمننا واقتصادنا ومجتمعنا، وعلى سلوكنا الإنساني. كفى، لقد سئمنا هذا الوضع". ورأى أن هناك "ثمة حاجة للاجتماع من أجل التوصل إلى تفاهمات واسعة، وهذا ممكن. هذا لا يتعلق بجدول زمني للمحكمة أو الكنيست، وإنما يتعلق بالواقع، والواقع يلزم ببذل جهد هائل من أجل التوصل إلى توافقات".
وحسب تفاصيل رشحت حول خطة التسوية التي تبلورت، في الأسابيع الأخيرة، بين مندوبين عن نتنياهو، وطاقم هرتسوغ، تدعو الخطة إلى تجميد "الإصلاح القضائي" لمدة سنة ونصف السنة، والتعهد بتخفيف قانون تقليص "حجة المعقولية"، وإجراء تغييرات طفيفة فقط في لجنة تعيين القضاة، من دون تغيير تركيبتها.
وفي السياق، دعا نتنياهو، رئيس "معسكر الدولة" بني غانتس، إلى التوصل إلى اتفاق معه بشأن "الثورة القضائية". وقال نتنياهو: "لدينا العديد من الخلافات، ولكن لدينا أيضا الكثير من القواسم المشتركة. اليوم، يتوقع معظم الناس منا أن نفعل شيئا من أجل هدف مشترك. يريدنا أن نتوصل إلى اتفاقات. لكن من أجل التوصل إلى اتفاقات، عليك أن تفعل شيئًا واحدًا بسيطًا - نضع جانبًا كل الشروط المسبقة، وجميع العقبات، ونذهب إلى الغرفة ونتحدث... لهذا السبب أدعو فريقكم إلى الجلوس مع فريقنا، والقيام بما يتوقعه معظم "شعب إسرائيل": الجلوس والتوصل إلى اتفاقات". ورفض غانتس، دعوة نتنياهو، قائلا إنه "لا يثق به، وليس هناك من يُتحدث معه".
الكاتب: غرفة التحرير