على الرغم من زعم مسؤولين في جيش الاحتلال لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنّ "احتمالية اندلاع حرب مع لبنان ارتفعت هذه الفترة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2006"، الا أن هذه "الضجّة" التي أثارها الجيش بقيت في سياق "الزوبعة الإعلامية" فيما لم تلقَ صدى إيجابيًا لدى مختلف المسؤولين الذين ينظرون الى المعركة مع حزب الله على أنها ليست كأي حرب. كما لا يمكن فصل هذه "الضجّة" عن الأزمة الداخلية المتسرّبة الى فروع الجيش ووصول مسألة الامتناع عن الخدمة في الفترة الأخيرة الى الصفوف النظامية وليس فقط الاحتياط.
يبدو أن المستوى العسكري أثار استعدادًا لمواجهة حزب الله لإعطاء صورة للرأي العام الدولي واليهودي بأنّ الاحتجاجات والأزمة الداخلية لم تمس بعد بشكل جدي بكفاءة الجيش وقدرته على خوض الحرب، هذا من جهة. أمّا من جهة ثانية، فإنّ مستويات الاحتلال تعرّضت لانتقادات كبيرة بسبب تآكل الردع على الجبهة الشمالية خاصة، وعدم دفعها نحو "ضربة حاسمة" جراء ما يعتبره الاحتلال "استفزازات" للحزب عند الحدود من إقامة الخيمتين الى جانب بعض الأحداث الشعبية كالمسيرات ورفع الأعلام وغيرها...
ففي هذا السياق، اعتبر المحلل في صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، رون بن يشاي، أنّ "الجيش الإسرائيلي أخطأ عندما لم يفعل الرد بالسرعة المناسبة على إقامة الخيام". كما ادعى الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم"، مائير بن شبات، أنّ "الطريقة التي ردت بها إسرائيل
حتى الآن على استفزازات حزب الله شجعته على الاستمرار فيها، بل وحتى تصعيدها، في الوضع الحالي". وقد شبّه الكاتب الوضع الحالي بما كان عليه خلال حرب تموز 2006 لناحية إمكانية الحزب بأسر جنود إسرائيليين مرّة أخرى.
مقابل هذه "الضجة" المفتعلة وانتقادات بعض الكتّاب والمحللين فإنّ المستوى السياسي – على الرغم من تصريحات نتنياهو حول الاستعداد للحرب – لا يزال يتعامل مع الجبهة الشمالية بالقنوات الديبلوماسية، حسب موقع "والاه" العبري. وأنّ التصريحات ضد حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله هو " لصرف الانتباه عن التعديلات القانونية"، حسب المراسل العسكري لإذاعة الجيش دورون كدوش.
أمّا الواقع الفعلي في كيان الاحتلال حول الجبهة الشمالية، فيُقرأ في طيات تعليقات بعض المسؤولين، اذ قال مسؤولون أمنيون لإذاعة الجيش "لن نتخذ أي إجراء ضد الخيام في الشمال، فهي لا تشكل تهديدًا أمنيًا، ولن ننجر لأي إجراء لسنا معنيين به".
ونقلت قناة "كان العبرية" ملخّص المناقشات التي جرت بين مستويات الاحتلال مفاده أنّ "إسرائيل لا ترغب في الانجرار إلى الصراع"، وزعمت أنّ "دعم إجراء مفاوضات من خلال وسيط مع لبنان" بشأن الخيمتين عند الحدود.
بدوره، نقل أيضًا موقع "والاه" عن مسؤولين أمنيين شاركوا في المشاورات بين المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، قولهم إنه "يجب الفصل بين استفزازات حزب الله عند الحدود وبين أي هجمات فعلية"، وخلص الموقع الى تحليل مفاده أنّ "الاجتماع يؤكد أن "لا مصلحة للركض نحو مواجهة مع الحزب".
وكان الثلاثون من شهر تموز / يوليو 2023، قد شهد اجتماعات ومباحثات بين مسؤولي الاحتلال حول التعامل مع الجبهة الشمالية في ظل إصرار المقاومة على نصب الخيمتين في قرية "الغجر" اللبنانية. اذ "عقد نتنياهو جلسة مشاورات أمنية وتقييم للوضع فيما يتعلق بالساحة الشمالية، بمشاركة وزير الجيش، ووزير الشؤون الإستراتيجية، ورئيس الأركان، ورؤساء الموساد، ورئيس الشاباك، ورئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئيس شعبة العمليات، ورئيس الشعبة السياسية -الأمنية بوزارة الجيش، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء. وعقب اللقاءات، تحدّث الإعلام العبري أنّ نتنياهو وافق على التوصيات وأساليب العمل التي اقترحها الجيش الإسرائيلي والنظام الأمني.
أمّا السيد نصر الله فكان قد ذكّر الاحتلال خلال كلمته يوم العاشر من شهر محرّم الهجري (الواقع في 29/7/2023) المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمتهم نتنياهو بضرورة أن ينتبهوا من أيّ حماقة، "وانتبهوا من أيّ خيارات خاطئة، المقاومة في لبنان لن تتهاون ولن تتخلّى عن مسؤولياتها لا في الحماية ولا في الردع ولا في التحرير، ولن تحني رقبتها لهذا الكيان المهزوم المتزلزل، وستكون جاهزة لأيّ خيار ولمواجهة أيّ خطأ أو أيّة حماقة، لن تسكت عنها هذه المقاومة الأبيّة العزيزة الشريفة في لبنان".
وفي كلمة أخرى بمناسبة الذكرى الـ 17 على انتصار تموز شدّد السيد نصر الله أنّ "الإسرائيلي لم يجرؤ على القيام بخطوة ميدانية تجاه الخيمة لماذا؟ لأنه ببساطة يعرف أن هذا لا يسكت عنه بكل بساطة"، مؤكدًا على استعدادات المقاومة الجديّة للذهاب نحو الحرب، فـ "الشباب يعرفون ولديهم توجيههم ويعرفوا ما الذي يجب القيام به إذا تم التعرض للخيمة".
الكاتب: غرفة التحرير