الأربعاء 29 تشرين أول , 2025 03:47

مشاريع اليمين المتطرف تقود الكيان إلى الانتحار

نتنياهو وسموترتش أزمة الفشل المتكرر

لا شيء يعبّر عن مأزق "إسرائيل" الداخلي أكثر من سلسلة المشاريع المتعاقبة التي تُعلنها حكومة نتنياهو تجاه غزة والضفة الغربية. حيث يسوق كل مرة لمشاريع تُسوَّق تحت عنوان "حلول إبداعية"، لكنها في الحقيقة أدوات للهروب من الحقيقة الكبرى أن هذا الكيان بات يدار بعقلية متطرفة فقدت القدرة على التمييز بين الوهم والواقع.

جرب الاحتلال تكراراً خصوصاً في فترة الحرب على غزة مشاريع مثل "التهجير الطوعي"، أو إنشاء مؤسسات مشبوهة كـ "مؤسسة غزة الإنسانية" التي زعم الاحتلال أنها ستوزع المساعدات في قطاع غزة ولكن ظهر أن هدفها هو القضاء على الفلسطينيين في الطوابير، أو فكرة دعم "الميليشيات المحلّية" كعصابة أبو شباب التي دعمها الاحتلال لتنشط ضد حماس لكن فعلياً لم يحقق وجودها المطلوب، وهكذا يعيد الكيان في كل مرة إنتاج الفشل بأشكال جديدة.

عقلية الهروب

كل هذه الأفكار تصدر عن عقل سياسي إسرائيلي لا يؤمن بالمراجعة ولا يتعلم من التجارب، بل يعتبر كل فشل دليلاً على أنه لم يذهب بعيداً بما يكفي في القسوة أو الغطرسة. إنها ذهنية اليمين الديني المتطرف -المريضة- التي تجذّرت أكثر من أي وقت مضى في مؤسسات القرار الإسرائيلي منذ عودة نتنياهو إلى الحكم.

هذا التيار الذي يتقدمه سموتريتش وبن غفير لا ينظر إلى غزة كملف سياسي، بل كساحة اختبار لقدرته على فرض القوة. لذلك لم تكن مشاريع "التهجير القسري" ولا "الإدارة العشائرية لقطاع غزة" سوى انعكاس لفكرة أعمق أن "الفلسطيني يجب أن يُعاد تشكيله وفق مقاييس الاحتلال، وأن البنية الاجتماعية يمكن هندستها سياسياً بما يخدم بقاء إسرائيل". وكشفت هذه الأفكار عن ضعف الكيان على عدة أصعدة؛ الثقة المفرطة والاستخفاف بالطرف المقابل -هذه العقلية هي التي حققت نجاح 7 أكتوبر- لأنها دائماً ما كانت تستهين بالقدرات إلى أن تفاجأت، والعجز عن فهم طبيعة الفلسطينيين أو أي مجتمع مقاوم آخر، وعدم إدراك حدود القوة الإسرائيلية الواقعية.

استراتيجية الفشل

هل من الممكن أن يصبح الفشل نفسه سياسة؟ في كل مرة تسقط فيها هذه المشاريع الذي يخطط لها اليمين المتطرف، لا يُفتح أي تحقيق، ولا يُسأل أي وزير إسرائيلي، وكأن هناك حصانة على هذا الفريق علماً أنه المسؤول عن أخذ الكيان نحو الانتحار. ثم يبدأ التحضير لمشروع آخر يكرّر الدائرة نفسها.

ما يغذّي هذا النمط يكمن في تحالف نتنياهو مع اليمين الديني المتشدد الذي يرى في الاحتلال "وعداً مقدساً" لا يخضع لأي منطق ومهمتهم هو فقط تحقيق "نبوءاتهم" مهما كانت الكلفة.

في العقود الماضية، كانت "إسرائيل" تحاول على الأقل أن توازن بين تطلعاتها الأيديولوجية ومتطلبات البقاء الدولي كي لا تدخل في العزلة. أما اليوم، فباتت تتصرّف وفق الأسطورة الصهيونية. وهذا ما يظهره سموتريتش، الذي يتحدث باستمرار عن ضمّ الضفة الغربية تحت ذريعة "الفريضة التوراتية".

تسير "إسرائيل" اليوم في مسار انتحاري ستكون النتيجة الحتمية له الانهيار من الداخل، الانقسام الاجتماعي، تآكل الشرعية، والعزلة الخارجية، نتنياهو، الذي يعيش على حافة الأزمات، ويجد فيها وسيلته للبقاء سيكون السبب في سقوط الكيان ذاته. ويقول ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق ميخائيل ميلشتاين، في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، إن "الذين قادوا تصور ما قبل 7 أكتوبر أو الرؤية الأمنية والسياسية التي أدت إلى "المفاجأة الدامية" هم أنفسهم الذين يقودون الآن حملة الضمّ الجديدة، ويدركون حجم الأضرار التي تلحق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والعالم، لكنهم يبررونها باعتبارها مطبّات طفيفة في طريق الخلاص".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور