قمة شنغهاي للتعاون هي الاجتماع الأعلى مستوى لمنظمة شنغهاي، وتُعقد سنوياً في إحدى الدول الأعضاء. منذ تأسيس المنظمة عام 2001، تحولت هذه القمة إلى منصة تجمع عشرة أعضاء كاملين – أبرزهم الصين، روسيا، الهند، باكستان، وإيران – إلى جانب دول مراقبة وشركاء حوار. والهدف هو تنسيق المواقف الأمنية والاقتصادية والثقافية، وتقديم نموذج للتعاون الإقليمي بعيداً عن الهيمنة الغربية. وبمرور السنوات، أصبحت القمة محطة يترقبها العالم لأنها تكشف كيف تعيد الدول الصاعدة صياغة قواعد التعددية في النظام الدولي.
وتزامنت القمة التي انطلقت في 31 آب/أغسطس من هذا العام مع عرض عسكري ضخم في بكين بمناسبة الذكرى الـ 80 لانتصار الصين على اليابان تبعها خطاب للرئيس الصيني شي جي بينغ، حيث وصفها نائب رئيس قسم الأبحاث بجامعة الأعمال والاقتصاد الدولي جون غونغ بأنها كانت "قوية ومعبرة، وبعثت برسالة واضحة للغرب مفادها أن الصين تمتلك القوة الكافية للدفاع عن نفسها". واعتبرت الصحافية والمحللة السياسية ديما وانغ "أن رسائل بكين كانت واضحة في هذا العرض العسكري الضخم، حيث أظهرت القوة الكبيرة التي تمتلكها وقدرتها على الدفاع عن مصالحها".
ما الرسائل الأبرز التي وجّهتها قمة شنغهاي هذا العام؟
القمة الأخيرة في تيانجين حملت رسائل استراتيجية عميقة. أولى هذه الرسائل تمثّلت في تمتين العلاقات بين الدول الأعضاء، عبر إبراز روح الشراكة والتعاون لصالح رؤية جماعية متعددة الأطراف. الرسالة الثانية ركّزت على تعزيز التعاون الاقتصادي، وهو ما ظهر بوضوح في أرقام التبادل التجاري القياسية، وتطوير الممرات اللوجستية التي تربط آسيا الوسطى بالصين وبالأسواق العالمية. أما الرسالة الثالثة، فجاءت عبر إبراز القوة في العرض العسكري الذي رافق القمة، حيث أرادت بكين أن تؤكد امتلاكها أدوات الردع إلى جانب دعوتها للحوار، في معادلة تُظهر التوازن بين القوة الصلبة والانفتاح الدبلوماسي.
من أبرز ما ميّز قمة شنغهاي هذا العام أيضاً هو الحضور الإيراني اللافت، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الإيراني مسعود بزشكيان في جلسة حملت أبعاداً استراتيجية واضحة. أكّد شي أن التعاون بين الصين ودول غرب آسيا لا يقتصر على تبادل المصالح الاقتصادية، بل يشكّل أيضاً تحدياً عملياً لفكرة الأحادية القطبية التي لطالما مثلتها الولايات المتحدة. بكلمات أخرى، بكين رأت في الشراكة مع طهران رافعة لإعادة صياغة ميزان القوى الدولي، عبر بناء تحالفات إقليمية ترفض الانصياع لهيمنة قطب واحد. أما من جانب إيران، فقد اعتُبرت القمة فرصة تاريخية لتثبيت حضورها في منصة دولية وازنة، وللتأكيد على أنها جزء من مشروع التعددية الناشئ الذي يتجاوز العقوبات والحصار.
دلالة مشاركة إيران بعد الحرب الأميركية–الإسرائيلية
مشاركة إيران في القمة جاءت بعد أشهر قليلة من الحرب الأميركية–الإسرائيلية ضدها في حزيران/يونيو 2025، ما منحها وزناً إضافياً. حيث شكل حضور الرئيس الإيراني بين قادة المنظمة عامل قوة مضاعف، إذ أظهر أن طهران لم تُعزل أو تضعف كما أراد خصومها، بل على العكس، ثبّتت اقتدارها الإقليمي ورسّخت صورتها كدولة مؤثرة في غرب آسيا. الأهم أن مشاركتها جاءت برسالة مزدوجة: فهي دولة منفتحة تسعى للتعاون والسلام وكذلك التطور عبر المنصات المتعددة الأطراف، مقابل الولايات المتحدة التي ترفع شعار السلام في خطبها لكنها تمارس العكس ميدانياً. بهذا المعنى، مثّلت القمة فرصة لإيران لإعادة صياغة صورتها على المسرح الدولي كقوة لها حضورها، لا كطرف محاصر.
تنامي التعاون بين أعضاء المنظمة
الأرقام الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية تكشف حجم التقدم. فقد بلغ حجم المبادلات التجارية بين الصين ودول المنظمة 2.11 تريليون يوان خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، بزيادة 3% عن العام السابق، وهو رقم قياسي. كما ارتفع حجم التجارة مع الأعضاء والمراقبين وشركاء الحوار إلى 890 مليار دولار عام 2024. هذه المؤشرات تكشف عن تشكّل فضاء اقتصادي متكامل، يتعزز عبر موانئ مثل تيانجين ومراكز مثل هورغوس، التي اختصرت الوقت والمسافة بين أسواق آسيا الوسطى والصين.
وفي تعليق حول احتفال النصر في بكين، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "أُرسل تحياتي الدافئة إلى فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، بينما أنتم تتآمرون ضد الولايات المتحدة الأمريكية". ويشير هذا التصريح إلى أن الإدارة الأميركية تتابع عن كثب فعاليات قمة شنغهاي للتعاون، وتشعر بقلق من نمو النفوذ المشترك للدول الأعضاء. فالتعاون الاقتصادي المتزايد، والعروض العسكرية الرمزية، والشراكات الإقليمية التي أبرزتها القمة، تمثل خطوات عملية نحو بناء نظام دولي متعدد الأقطاب يحد من الهيمنة الأميركية التقليدية. ويتيح للدول الصاعدة حماية مصالحها وتحقيق التنمية بعيداً عن تأثير الرأسمالية الأميركية.
الكاتب: غرفة التحرير