الأربعاء 30 تموز , 2025 03:52

المشروع الأميركي لتفريغ لبنان من أوراق قوته

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام مع المبعوث الأميركي توم باراك

تعقد الحكومة اللبنانية يوم الثلاثاء المقبل جلسة حساسة على وقع تصاعد الضغوط الغربية، ولا سيما الأميركية، لحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية. في الجوهر، يتخذ هذا الضغط طابعاً واضحاً: ضرورة "تقليص نفوذ حزب الله العسكري"، خصوصاً بعد اتساع رقعة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر. يعود هذا الطرح إلى الواجهة بغطاء مزدوج: "تحييد لبنان عن الحرب" من جهة، و"إعادة الاعتبار لسيادة الدولة" من جهة ثانية. لكن خلف هذا العنوان البراق، تقف معادلات إقليمية وأمنية لا يمكن القفز فوقها.

 الضغوط الأميركية تعود بقوة

تشير معطيات متقاطعة إلى أن واشنطن أعادت تفعيل أدواتها في بيروت بالتوازي مع تصعيد الضغوط الدبلوماسية. تقارير صحافية ودبلوماسية تتحدث عن رسائل مباشرة نقلها موفدون أميركيون وأوروبيون إلى مسؤولين لبنانيين، مضمونها: إما يتصرف لبنان تجاه حزب الله، أو لن يُمنع الانفجار الكبير. في خلفية هذه الرسائل، يظهر هدف واضح: منع الحزب من الاستمرار في استنزاف الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال، بالتوازي مع تكثيف العدوان على غزة، ورفع وتيرة التصعيد في الضفة الغربية في سياق المشروع الاستيطاني.

اللافت أن هذا الضغط الأميركي يتزامن مع عودة التنسيق العلني مع الرياض وباريس، ما يعزز فرضية أن لبنان يدخل مجدداً في لحظة تدويل خطيرة، ما يجري اليوم هو محاولة لفرض أجندة خارجية تُراد من لبنان أن يتبنّاها تحت الضغط السياسي والاقتصادي والإعلامي. خطورة اللحظة تكمن في أن بعض القوى اللبنانية تفتح الباب أمام تدخلات دولية، سواء عبر مجلس الأمن أو بمبادرات غربية مشتركة، لتحويل قضية المقاومة من شأن وطني إلى بند على طاولة التفاوض الدولية. هذا التدويل لا يأتي لحماية لبنان، بل لفرض ترتيبات أمنية تتجاهل التوازنات الداخلية، وتقيّد قدرة البلد على الدفاع عن نفسه، وتُلزم مؤسساته الرسمية بمواقف لا تعبّر عن إجماع اللبنانيين، بل عن ميزان قوى دولي يميل لمصلحة "إسرائيل".

حزب الله يعيد التموضع

في المقابل، لا تظهر المؤشرات أن حزب الله في وارد التراجع أو تقديم أي تنازل. على العكس، تؤكد المعلومات الميدانية أنه يعمل على إعادة بناء خطوطه الدفاعية واللوجستية، وتوسيع انتشاره بطريقة مدروسة في الجنوب والبقاع. وهو دائماً في أتم استعداده لأي مباغتة إسرائيلية أو عدوان مفاجئ على لبنان.

كما أن اللهجة السياسية لدى قياداته، تحديداً في خطابات الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الأخيرة، تؤكد أن الحزب يقرأ المرحلة باعتبارها لحظة اختبار كبرى لتوازن الردع الإقليمي، وأن أي تراجع في هذه اللحظة قد يُقرأ كضعف استراتيجي أمام مطامع كيان الاحتلال وأهداف وغايات أميركا.

جلسة الحكومة وتوازن القوى الهش

في هذا السياق، تأتي جلسة الحكومة اللبنانية يوم الثلاثاء. ظاهراً، يناقش الوزراء سبل ضبط الفوضى الإعلامية والسياسية، لكن البند الأخطر يتمثل في مشروع حصر قرار الحرب والسلم بمؤسسات الدولة، وهو عنوان لطالما استخدم في الضغط على سلاح المقاومة.

رغم انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية في بداية العام، تُظهر الضغوط الأميركية والأوروبية المستمرة أن بعض العواصم الغربية تتجاهل وجود سلطة تنفيذية مكتملة الصلاحيات، وتتعامل مع الدولة اللبنانية كأنها في حالة فراغ، خصوصاً فيما يتعلق بملف المقاومة. وهذا التجاهل ليس تفصيلاً إجرائياً، بل يعكس نية استكمال الضغط على حزب الله عبر أدوات داخلية، مع الالتفاف على المؤسسات الرسمية متى تعذّر إخضاعها.

في ضوء ما تقدّم، يتّضح أن ما تمارسه الولايات المتحدة اليوم ليس مجرد تدخل سياسي، بل هو عدوان واضح يتجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويستهدف صلب القرار السيادي اللبناني. واشنطن لا تتوانى عن توظيف أدواتها الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية، لإعادة تشكيل الواقع اللبناني بما يخدم أمن "إسرائيل" أولاً وأخيراً. الضغط لإزالة سلاح المقاومة لا يعبّر عن حرص على استقرار لبنان، بل عن محاولة لنزع آخر ورقة قوة بيده. وإذا ما تمّ الانصياع لهذه الضغوط، فإن مصير البلاد سيُدفع نحو المجهول، في ظلّ غياب أي ضمانات فعلية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور