الجمعة 22 آب , 2025 03:11

إخفاق الحسابات: فشل الرؤية السعودية – الأميركية في نزع سلاح المقاومة

يزيد بن فرحان وتوم براك

تطرح قضية سلاح المقاومة في لبنان إشكالية معقّدة تتقاطع فيها الحسابات الداخلية بالتوازنات الإقليمية والدولية. فقد سعت كلّ من السعودية والولايات المتحدة إلى توظيف نتائج الحرب الأخيرة والواقع المتحوّل في سوريا وغزة لتقليص دور حزب الله وإضعاف شرعيته، معتمدة على تقديرات اعتبرت أنّ الحزب فقد قوته العسكرية والردعية، وأنّ بيئته الحاضنة باتت ميّالة للابتعاد عن خيار المواجهة. غير أنّ الوقائع على الأرض سرعان ما بيّنت أنّ هذه التقديرات افتقدت إلى الدقة، بل وأدّت نتائجها إلى عكس ما خُطّط له. فالجمهور الشيعي تشبّث أكثر بخيار المقاومة، والقوى السياسية التقليدية عادت لتربط موضوع السلاح بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، فيما أثبتت التجربة أن الضغوط الخارجية لم تفضِ إلا إلى تعزيز موقع حزب الله في المعادلة اللبنانية والإقليمية.

يقدّم المقال قراءة تحليلية لقرار الحكومة اللبنانية بشأن سلاح المقاومة، من خلال تتبّع المواقف السعودية والأميركية، وكيف أخطأ الطرفان في تقدير الواقع اللبناني والإقليمي.

يتضح أولاً أنّ الرهان على ضعف حزب الله بعد الحرب الأخيرة كان خاطئاً. فقد اعتبرت واشنطن والرياض أنّ الحزب خسر جزءاً كبيراً من قوته العسكرية والردعية وفقد معظم قياداته، إلا أن خطاب الشيخ نعيم قاسم وتصريحات قيادة الحزب أظهرت تمسكاً واضحاً بخيار المقاومة، واستعداداً لخوض أي مواجهة، ما دلّ على أن تقدير خسارة الحزب كان سطحياً. كذلك، توقّع الأميركيون والسعوديون أن يتراجع جمهور الحزب تحت ضغط الخسائر البشرية والاقتصادية، لكن البيئة الشيعية ازدادت تمسكاً بالسلاح بعدما رأت أن الاستهداف الخارجي يطاولها مباشرة.

ثانياً، راهن الطرفان على وجود هوّة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله. غير أن موقف بري بعد قرار الحكومة حول حصر السلاح، وقرار وزراء حركة أمل الانسحاب من الجلسات، كشف تمسكه بخيار المقاومة، ما شكّل صدمة لواشنطن والرياض اللتين ظنّتا أن بري سيسعى لتسوية تضعف الحزب.

ثالثاً، الجمهور الشيعي كان في صلب سوء التقدير. فقد بُنيت الحسابات على أنّ الناس، المنهكة من الحرب وإعادة الإعمار، ستضغط على الحزب للتراجع. لكن النتيجة جاءت عكسية: التصعيد الخارجي عزّز التلاحم الداخلي، وفشل الرهان على الشخصيات الشيعية المحسوبة على السفارات في التأثير على القاعدة الشعبية.

رابعاً، المتغيرات الإقليمية فاقمت سوء التقدير. سقوط نظام الأسد وصعود الجولاني للحكم في سوريا أعطى انطباعاً للسعوديين والأميركيين بأن حزب الله فقد حليفه الأساسي، وأن لبنان بات مكشوفاً، لكن ذلك لم يضعف الحزب بل زاد تمسكه بخياراته. كما أن تجربة غزة الأخيرة، رغم ما أحرزه الإسرائيلي من منجزات تكتيكية، أثبتت للمقاومة خطورة التخلي عن سلاح الردع.

خامساً، الحافزية الهجومية الإسرائيلية بعد الحرب شجّعت الرياض وواشنطن على المضي في مشروع نزع السلاح. لكن الاعتداءات الإسرائيلية لم تُضعف موقف حزب الله، بل رفعت منسوب التمسك الشعبي بالمقاومة خشية عودة الاحتلال إلى الجنوب.

سادساً، أحداث السويداء كانت ورقة ضغط أخرى. أرادت واشنطن وتل أبيب والرياض الإيحاء بأن السيناريو قد يتكرر في لبنان، وأن التقسيم أو الحرب الأهلية واردة. لكن بدلاً من ذلك، دفعت التجربة شرائح لبنانية عديدة، بينها شخصيات مسيحية ودروز، إلى التشبث بخيار المقاومة باعتباره الضامن في مواجهة العدوان أو الإرهاب.

سابعاً، على مستوى الطوائف الأخرى، لم تتحقق رهانات واشنطن والرياض أيضاً. بعض القوى المسيحية عدّلت مواقفها لتربط موضوع السلاح بوقف العدوان الإسرائيلي. البيئة السنية لم تنجرف خلف محاولات التحريض، وبقيت متأثرة بخطاب الحريري الداعي إلى السلم الأهلي. أما الدروز، فقد عزّزت تجربة السويداء قناعتهم بضرورة وجود ضامن داخلي يحميهم، ما زاد تمسّكهم بالمقاومة.

في الخلاصة، يبيّن المقال أنّ الخلل الأساسي في الحسابات الأميركية والسعودية يعود إلى ضعف المعرفة الدقيقة بواقع البيئة اللبنانية، وإلى الاندفاعية السعودية التي اتخذتها واشنطن كأداة اختبار. فبدلاً من أن تؤدي السياسات إلى إضعاف حزب الله، جاءت النتائج معاكسة: المقاومة ازدادت تمسكاً بسلاحها، والبيئة الحاضنة التفّت حولها، فيما ضاقت الخيارات أمام واشنطن والرياض. وعليه، فإن التجربة انتهت إلى فشل ذريع في تحقيق أهدافها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور