منذ بدء عمليات تبادل الأسرى ما بين المقاومة الفلسطينية والكيان المؤقت، خلال معركة طوفان الأقصى وما بعد اعلان وقف إطلاق النار، كان لمشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين دليل واضح على أن بناء فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم كتائب القسام وسرايا القدس، هو بناء متماسك يستطيع الصمود أمام كل التحديات، وبأن الهمجية الإسرائيلية المدعومة بالأسلحة الأمريكية لم تستطع القضاء على روح المقاومة فضلاً عن إمكانياتها.
وهذا ما يفسر الهيستيريا الإسرائيلية التي ظهرت، خاصةً مع تنفيذ عمليتي التبادل الثانية والثالثة في إطار المرحلة الأولى من صفقة وقف إطلاق النار، لتؤكد شعور قادة الكيان السياسيين والعسكريين وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو بالضيق، من مشاهد تأكيد الفشل العسكري الإسرائيلي التي تظهرها عمليات التبادل وانعكاساتها على الرأي العام الإسرائيلي.
وفي نفس الوقت، أظهرت مشاهد عمليات التبادل أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تربح الحرب الإعلامية والنفسية، رغم محاولات إسرائيل ومن يتبعها من وسائل إعلام عربية وأجنبية، التركيز على الدمار الكبير الذي لحق بقطاع غزة كعنوان لانتصار إسرائيل عسكريا.
لكن استطلاعات الرأس ومن مصادر إسرائيلية، تكشف بأن المحاولات الإعلامية الإسرائيلية باءت بالفشل، وهذا ما أظهره استطلاع رأي حديث نشرته صحيفة هآرتس، والذي جاء فيه:
_إلى أي مدى تحقق إسرائيل أهداف الحرب وفقًا لعودة الفلسطينيين إلى شمال غزة؟
1)تم تحقيق الأهداف بالكامل: 4% فقط
2)لم تتحقق الأهداف بالكامل: 57%
3)لم تتحقق الأهداف على الإطلاق: 32%
4)لا أعرف: 7%
مشاهد عمليات التبادل وأبعادها
وعليه استفادت المقاومة بشكل استراتيجي من مشاهد تبادل الأسرى كوسيلة لتأكيد انتصارها العسكري على إسرائيل، ولكي تؤكد من جهة أخرى الاحتضان الشعبي الكبير الذي تتمتع فيه في القطاع، وبأن كل سيناريوهات "اليوم التالي" التي تدور في مخيلات البعض من دول عربية وغربية تصطف وراء أوهام نتنياهو وسموتريتش واليمين المتطرف ستكون سراباً.
وتشير عمليات التبادل الى العديد من النقاط أهمها:
_قدرة المقاومة على فرض شروطها القاسية على الاحتلال: فمقابل بضعة جنود إسرائيليين، استطاعت المقاومة تحرير مئات الأسرى يتضمنهم الكثير من أصحاب المؤبدات أو من تصفهم إسرائيل بأسرى "ملطخة أيديهم بالدماء". بينما كان أحد أبرز أهداف كيان الاحتلال من حربه الهمجية هي إطلاق سراح هؤلاء الأسرى دون قيد أو شرط من المقاومة بل بعد استسلامها.
_ توجيه ضربة معنوية ونفسية قاسية لكل الكيان: فقد تعمّدت المقاومة من خلال الفعاليات التي نظمتها فوق الركام وبالقرب من منزل الشهيد القائد يحيى السنوار، أو من خلال تسليم الأسرى في منطقة شمالي قطاع غزة بعكس ما هو مقدّر من قبل الاحتلال، توجيه ضربة قاسية لكل ما روّج له الكيان في السابق من تدمير للمقاومة وخاصة حركة حماس خلال هذه الحرب.
بالمقابل أظهرت لقطات الأسرى الفلسطينيين العائدين إلى ديارهم - حيث استقبلهم حشود هتاف كأبطال – بشكل يتناقض بشكل صارخ مع عودة الجنود الإسرائيليين الخافتة والمصابة بالصدمة.
وفي السياق نفسه، استطاعت هذه العمليات خلق شرخ واضح داخل الكيان، بحيث أثار التبادل جدلاً كبيراً في جميع الأوساط السياسية والإعلامية. بحيث نظر لها العديد من الإسرائيليين باعتبارها استسلاماً لفصائل المقاومة. وواجهت حكومة نتنياهو ردود فعل عنيفة من المعارضين السياسيين وعناصر داخل ائتلافه، حيث زعم المنتقدون أن مثل هذه التبادلات تحفز المزيد من احتجاز الرهائن.
_ تقويض ردع جيش الاحتلال الإسرائيلي: كان للتبادل تأثيره المباشر أيضاً على قدرات الردع الإسرائيلية. فمن خلال تأمين إطلاق سراح مئات الأسرى، أثبتت المقاومة الفلسطينية بأن سياسة عمليات الأسر هي الوحيدة القادرة على تحرير الأسرى.
الكاتب: غرفة التحرير