"في يوم ما، نظمت أمريكا انقلاب "28 مرداد" (19 آب / أغسطس 1953 الانقلاب على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق) بإرسال عميل فقط إلى إيران حاملاً معه حقيبة أموال، لكنها اليوم لا تمتلك إمكانية التباهي بالقوة هذه في أي بلد، ولهذا لجأت إلى حرب مركّبة باهظة التكلفة لكنها أخفقت أيضاً في هذا المسار".
هذا ما قاله قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي خلال لقائه مع أهالي محافظة سيستان وبلوشستان ومحافظة خراسان الجنوبية، والذي يبيّن بوضوح بأن الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل ما تمتلكه من قدرات، ورغم كل ما استخدمته من أساليب ووسائل بميزانيات ضخمة، ومن استغلال لوفاة الشابة مهسا أميني من أجل إثارة القلاقل القومية وغيرها، قد عجزت عن تحقيق أهدافها في الحرب التركيبية التي شنتها ضد الجمهورية الإسلامية العام الماضي، وهذا ما يعترف به أعداء إيران أيضاً. وهو ما انعكس بإنهاء أدوار الكثير من المنظمات التي تُوصف بالمعارضة، التي عملت لصالح المعسكر الأمريكي والغربي في محاولة إثارة الفوضى في إيران، أو تعرضت لتخفيض ميزانياتها التشغيلية بشكل كبير أو لتحجيم دورها كمنظمة منافقي خلق.
وهناك العديد من العوامل التي مكّنت إيران من اسقاط الحرب التركيبية ومنع حصول نسخة جديدة منها هذا العام، وأهم هذه العوامل: الجهدين الأمني والاستخباراتي المتفوقين، القيادة الحكيمة والحازمة، الدعم الشعبي الصلب للنظام الإسلامي مقابل تشرذم منظمات المعسكر المعادي، ونجاح الاتفاق الأمني العراقي الإيراني.
إنجازات كبيرة للأجهزة الاستخباراتية والأمنية
منذ اللحظات الأولى للحرب التركيبية العام الماضي، تمكنت الأجهزة الاستخباراتية في الجمهورية الإسلامية من كشف وتعطيل الكثير من المخططات والأساليب، التي عمد المعسكر الأمريكي الى استخدامها. حتى باتت الأساليب والطرق والأدوات التي استخدمتها هذه الأجهزة الاستخباراتية، مطلوبة للاستيراد من قبل دول أخرى، وهو ما كشفه وزير الاستخبارات - إطلاعات السيد إسماعيل الخطيب مؤخراً حينما قال: " أساليبنا الاستخباراتية مثل طائراتنا بدون طيار لها زبائن كثر في العالم"، مضيفاً "لقد حققنا نجاحات على مستوى التكنولوجيا، سواء في الأجهزة أو البرمجيات، وكذلك في المعلومات والأساليب التشغيلية".
فكان لافتاً تمكّن وزارة الاستخبارات وجهاز الاستخبارات التابع لحرس الثورة الإسلامية، من كشف خفايا الحرب التركيبية منذ الأيام الأولى، ورصد الشبكات الإرهابية أو المضلّلة لإثارة التوترات الأمنية، وملاحقة أفراد ومشغّلي هذه الشبكات، والتمكن من القاء القبض عليهم بسرعة قياسية، مع تأمين كل الأدلّة التي تمكّن القضاء من محاكمتهم، خاصةً أولئك الذين ارتكبوا جرائم قتل واعتداء على رجال الأمن والمدنيين وعلماء الدين.
ولا تقف الإنجازات الأمنية الاستخباراتية عند هذا الحد، فمنذ أيام، تم الكشف عن أن الأفراد التابعين لوزارة الاستخبارات قد تمكنوا من اعتقال قادة التجمعات المناهضة لإيران، الذين كانوا يعملون ضد الجمهورية الإسلامية في دول مختلفة، من خلال عملية معقدة ودقيقة (منهم من كان ينشط في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية وعاصمة المملكة المتحدة لندن).
وآخر الإنجازات التي تحققت، هي اكتشاف ومصادرة أكبر شحنة من الأسلحة والمعدات البيضاء، التي تستخدم في أعمال الشغب، والتي تحتوي على الهراوات وبنادق الصعق الكهربائي وجميع أنواع الأسلحة النارية في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد. بالتزامن مع اكتشاف وتفكيك العديد من الشبكات التابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي أو للتنظيمات التكفيرية، والتي كانت تخطط لتنفيذ عشرات العمليات الإرهابية (خصوصاً تنفيذ تفجيرات خلال إحياء مراسم العزاء الحسينية في شهر محرم وخلال مسيرات الأربعين).
القيادة الحكيمة والحازمة والشعب الواعي
مما لا شك فيه، أن لقائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي دوراً أساسياً في إسقاط الحرب التركيبية، من خلال متابعته الدقيقة لكل جبهات هذه الحرب، ومن خلال إرشاداته لأجهزة ومؤسسات الجمهورية الإسلامية المختلفة.
وقد شهد العام الماضي العديد من الخطابات، التي كانت تبيّن وتوضح كيفية إدارة الإمام الخامنئي للمواجهة في هذه الحرب، بأسلوب جمع ما بين الحكمة في معالجة الشق الداخلي للحرب (تبيين الحقائق والكشف عن معطيات وجود المؤامرة الخارجية، والتعامل مع الأفراد والمجموعات المضلّلة بإجراءات تخفيفية لأقصى الدرجات، حتى أن بعض المخالفين منهم كان يتم إطلاق سراحه فوراً)، والحزم في مواجهة الشبكات العميلة التابعة للمعسكر الغربي الأمريكي وتفكيكها وتقديمها الى القضاء.
وقد مهّد هذا الدور الكبير للإمام الخامنئي بأن يقوم الشعب في إيران بأداء دوره الحاسم في اسقاط هذه الحرب، من خلال وعيه وبصيرته مما يحصل، وهو الذي ظهر من خلال التحركات المليونية الداعمة للنظام الإسلامي، والرافضة للمؤامرة الأمريكية والغربية، والتي حصلت في مناسبات عديدة أبرزها ذكرى انتصار الثورة الإسلامية شباط / فبراير الماضي، وآخرها بالمشاركة المليونية في إحياء مراسم الأربعين. وهذا ما اعترف به أحدث التقارير الإعلامية الوارد من الكيان المؤقت، الذي اعترف بأن النظام الإسلامي في إيران سيبقى صامداً، وستفشل كل المحاولات والمؤامرات، لأن الغالبية الشعبية فيه هي مع النظام الإسلامي.
المعارضة المقسّمة
بالمقابل، فشل المشروع الغربي المعادي للجمهورية الإسلامية، باعتراف كبرى وسائل الإعلام الناطقة عنه، مثل قناة بي بي سي الناطقة بالفارسية، التي كشفت في أحد تقاريرها بأن صفوف ما يسمى بالمعارضة الايرانية مُقسّمة، ولا يوجد لها حضور عملياتي على الأرض كما أنها تفتقر للجدية في نشاطاتها، ناهيك عن الخلافات الغارقة فيها. مؤكدةً بأن مشروع ذكرى وفاة مهسا أميني بات في طيّ النسيان.
وفي السياق نفسه، أشارت الممثّلة "نازنين بنيادي" - أحد أبرز الوجوه الإعلامية "المعارضة" التي استخدمت في هذه الحرب - في مقالٍ نشره موقع "إيران واير" الى هذا الموضوع عندما قالت: "في نهاية المطاف، أثبتت المعارضة بأنّها أكثر تصدّعاً من النظام. طالما أن النظام موحّد ونحن منقسمون، فسيبقى في السلطة".
نجاح الاتفاق الأمني العراقي الإيراني
أما آخر العوامل التي تحققت، فيعود الى إثبات الحكومة العراقية جديتها، في عدم تحول العراق الى ساحة انطلاق للعمليات الإرهابية ضد ايران، من خلال تنفيذ بنود الاتفاق الأمني بين البلدين. فقد أثمرت الضغوط التي مارستها حكومة الرئيس محمد شياع السوداني على حكومة إقليم كردستان، في طرد الجماعات المسلحة الإرهابية المتمركزة بالقرب من الحدود العراقية مع ايران. لذلك أدّى نجاح حكومة بغداد بشكل غير مباشر، بتوجيه صفعة شديدة للمعسكر الغربي الذي كان يطمح الى استخدام هذه الجماعات المسلحة الإرهابية لتنفيذ عمليات جديدة في الداخل الإيراني.
اليقظة واجبة ليس في إيران وحدها بل في كل ساحات محور المقاومة
أمام هذه الإنجاز الذي حققته الجمهورية الإسلامية في إيران، لا بد من الحفاظ على اليقظة والحذر، لأن المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، سيبقى يحاول بشتى الوسائل توجيه الضربات واشعال الحروب بمختلف أنواعها، ليس في إيران فقط، بل في العديد من دول منطقة غرب آسيا لا سيما تلك التابعة لمحور المقاومة.
وهذا ما كشفه الإمام الخامنئي في خطابه الأخير أيضاً، عندما قال: "عندما نقول إن العدو في طور الضعف هذا لا يعني أنه غير قادر على المكر وحياكة المؤامرات وتوجيه الضربات، ولذلك علينا جميعاً أفرادَ الشعب والمسؤولين أن نكون يقظين وحذرين". وفي قسم آخر من الخطاب شدّد على أن المخططات الأمريكية لا تقتصر على إيران فقط، قائلاً: "لدى أمريكا اليوم المخططات في المنطقة للعراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وحتى لدول الخليج الفارسي أيضاً مع أنهم أصدقاؤها القدامى والتقليديون". وأضاف الإمام الخامنئي في سياق تبيينه للمخطط الأمريكي بأنه "تفيد معلوماتنا الاستخباراتية أن الحكومة الأمريكية أسست خلية من أجل صنع الأزمات في الدول بما في ذلك إيران، وتتمثل مَهمتها في إيجاد وإثارة النقاط التي يعتقدون أنها يمكن أن تسبب أزمة". وبالنسبة لإيران "تُعدّ الاختلافات القومية والطائفية وقضيتا نوع الجنس والمرأة - من وجهة نظرهم - من النقاط الصانعة للأزمات في إيران، فيرومون إلى توجيه ضربة إلى بلدنا العزيز بإثارتها لكن هذا حلم إبليس بالجنة!".