في هذا التوقيت الحساس من أزمة الكيان المؤقت، يحصل أنّ جيش الاحتلال يحاول بلورة خطة أركانية بالإضافة إلى سلسلة تعيينات جديدة تندرج في إطار الخطوات الاستدراكية للأزمة التي يعاني منها الجيش. إذ عقد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي، اجتماعًا جمع أعضاء منتدى هيئة الأركان العامة مع مسؤولين كبار آخرين في قاعدة غاليلوت العسكرية، لتلخيص مرحلة بلورة الخطة متعدد السنوات. ورغم سياسة "إطفاء الحريق" التي يعتمدها رئيس أركان الاحتلال، إلا أنّ الحرائق التي تفتعلها حكومة نتنياهو لا تزال تتوسع، مع تهديد 1340 ضابط احتياط من مديرية العمليات للاستخبارات العسكرية بالتوقف عن الخدمة.
أوضح موقع "كيبا" أن الورشة ناقشت القضايا الرئيسة المتعلقة ببناء قوة الجيش الإسرائيلي، وعمله في السنوات المقبلة. ومن بين المسائل التي طُرحت خلال الاجتماع الأمني: "الرد على التهديد الإيراني، التحدي متعدد الساحات، تهديد الصواريخ الدقيقة، حماية الحدود، وتعاظم القوة في الفضاء استخدام التكنولوجية المتطورة في ميدان المعركة". وأضاف الموقع أن نتائج الورشة والأفكار التي طرحت فيها ستخضع في الأسابيع المقبلة إلى معالجة، وذلك قبيل يوم التلخيص، الذي يُتوقع أن يجري في نهاية الشهر الحالي، وفيه سيلخص رئيس الأركان هليفي الاتجاهات الرئيسة للخطة متعددة السنوات "ارتقاء"، والتي ستُعرض على المستوى السياسي ويُتوقع أن يبدأ تنفيذها في بداية العام 2024.
وفي سياق متصل ذكر ديوان رئيس الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، أنه يقوم في الأسابيع الأخيرة بعقد محادثات مع قادة الائتلاف والمعارضة، بهدف التوصل إلى اتفاقات واسعة، مشيرًا إلى أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حتى الآن. ونقل موقع "واللا" الإلكتروني عن مسؤولين مطلعين أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس، أجريا في الأيام الأخيرة "محادثات مكثفة" حول مقترح التسوية بخصوص استمرار التشريعات القضائية. ولفت المسؤولون إلى أن المحادثات بين مقربين من نتنياهو وهرتسوغ، وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا"، فيما أبدى الائتلاف استعداده للتوصل إلى تسويات لم يتفق عليها حتى الآن، مثل إجراء تغييرات طفيفة فقط على لجنة اختيار القضاة والذي سيتم تطبيقه اعتبارًا من جلسة الكنيست القادمة، علمًا أن التسوية التي يدعو لها هرتسوغ تدعو إلى تجميد التشريع القضائي لـ 18 شهرًا، وتخفيف قانون تقليص "حجة المعقولية". ودون تغيير في تركيبة لجنة اختيار القضاة وتعقيبًا، نفى "الليكود" عقد أي مفاوضات أو التوصل إلى تسوية مع المعارضة بهذا الصدد.
الواقع أنّ أي محاولات للتسوية مع المعارضة سيصطدم بسموترش وبن غفير وبالتالي تهديد الائتلاف. أما المضيّ بالتشريعات، سيُعمّق الأزمة الداخلية إلى حد يصعب معه إعادة ترميم التداعيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالتالي فإن الأزمة بين خيارين أفضلهما الانفجار والآخر كارثي. وفي السياق، اعترف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، في مقابلة مع القناة 12، أن الاحتجاجات على التعديلات القضائية منعت تحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية وقال هنغبي: الاحتجاج كان العامل الأكثر فعالية في إيقاف الخطط الأساس للإصلاحات، هذه حقيقة". أضاف هنغبي: "تفاجأت من قوة الرد على التشريع القضائي، وشعرت بسعادة كبيرة عندما فهمت أن التوقعات القائمة للمحتجين ببساطة لن تتحقق... وهذه التوقعات هي السير نحو الديكتاتورية". ولدى سؤاله هل هذا بسبب الاحتجاج"، أجاب هنغبي "بشكل قاطع". ووصفت القناة الإسرائيلية كلام هنغبي بأنه "استثنائي".
أما عن حجم فقدان السيطرة على الميدان، فقد تدخلت شرطة الاحتلال بمستوى من العنف يعكس حجم الانفلات الأمني، إذ أفاد موقع واينت أن الشرطة الإسرائيلية تقوم بفحص التوثيقات من الاضطرابات التي وقعت في تل أبيب السبت الفائت، وشوهد فيها متظاهرون إريتيريون يحملون أسلحة نارية وهوية أحدهم وهو يحمل مسدسًا لكنه لم يستدع بعد إلى التحقيق. والواقع أنّ عدم الإشارة للمحتجين المناهضين لحكومة أريتيريا بـ "المتسللين"، سببه أنه مصطلح سياسي عنصري تستخدمه حكومة العدوّ بوصف اللاجئين الإريتريين المعارضين للحكومة.
الواضح أنّ الاحتجاجات التي تشهدها "تل أبيب" نتيجة لأزمات داخلية متراكمة ليست جديدة في المشهد الداخلي، إلا أنّها كانت بعيدة عن الإعلام. وقد أصبحت اليوم مكشوفة، وهي مادة جديدة لتسجيل النقاط في الأزمة الداخلية للكيان. لكن الملفت في الاحتجاجات الجديدة، أنّ هؤلاء كسروا الأعراف وأصبحوا أكثر جرأة، بمظاهر مسلحة، وأعمال حرق وسرقة وتخريب، الأمر الذي كسر هالة الانضباط المعروفة في الكيان. وما نشرُ التوثيقات لتسلّح اللاجئين المحتجين، إلا لتغطية المسلك العنيف غير المسبوق الذي انتهجته شرطة الاحتلال.
الكاتب: غرفة التحرير