على الرغم من الأثمان المرتفعة التي يعرف نتنياهو أنه سيدفعها، أقر ائتلافه اليميني بندًا واحدًا مما يقارب 140 بندًا ضمن خطة شاملة للحد من سلطة المحكمة العليا فيما يتعلق بالإجراءات الحكومية والتشريعية. وهو ما قرئ في واشنطن على أنه إضعاف للسلطة القضائية من شأنه أن يؤدي إلى تقويض الديموقراطية. والآن ماذا على الولايات المتحدة أن تفعل؟ على ما يبدو من الاقتراحات المقدمة من أبرز السياسيين والصحفيين أنّ هؤلاء لا ييتكرون شيئًا جديدًا لشدة هوسهم بالعقوبات، لكن الابتكار الجديد في الطرح الموجود في هذا المقال هو تخفيف لهذه الكلمة وطرح مصطلح "حرمانهم من العطايا الجيدة"، واللف والدوران في مضمونٍ مخفّف لفكرة أنّ "العقوبات" يمكن أن تكون على الصديق والحليف ليعود إلى رشده، وبالتالي على واشنطن أن تتغافل عن مبادئها وتهتم فقط بالنتائج.
نشرت فورين أفيرز مقالًا عن الطريقة الصحيحة لاستخدام النفوذ الأمريكي مع نتنياهو. فتحدث الكاتب ناتان ساكس عن الاتجاهات الموجودة في أروقة السياسة الأمريكية حيث يعتقد البعض أن عل واشنطن أن تقطع علاقاتها الوثيقة مع الكيان، بما في ذلك إعادة النظر في المساعدات العسكرية لإسرائيل. وآخرون يعتقدون أن ثمة دافع قوي داخل إدارة بايدن لإيجاد طريقة للمضي قدمًا معها. وهو الأمر الذي يرى الكاتب أنه يتوافق مع أهداف هذه الإدارة الأوسع تجاه ما يسمى الشرق الأوسط. وهي أهداف ليست خاصة بالديموقراطية في المنطقة على وجه الخصوص، بل قائمة على المخاوف بشأن الموقف الأمريكي المستقبلي هناك، والتي تشكلها المنافسة الأمريكية مع روسيا والصين.
يورد الكاتب في مقاله ثلاثة مصالح مشروعة في ثلاث مجالات مختلفة على الولايات المتحدة متابعتها على الرغم مما تحمله من تناقض. تشمل دعم الديموقراطية من خلال الضغط على نتنياهو خاصة أن واشنطن لاعب أساسي في السياسة الداخلية الإسرائيلية ويعتمد عليها مئات الآلاف من المتظاهرين ضد حكومة نتنياهو. وثانيًا لدى الولايات المتحدة مصلحة في "تعزيز الكرامة والحرية الحقيقية للفلسطينيين" كما يقول الكاتب، وهو مسار يتم إغلاقه حاليًا بسبب ضم إسرائيل المتزايد والفعلي للضفة الغربية. وأخيرا، من مصلحة الولايات المتحدة تعزيز "شرق أوسط" مستقر ومتكامل، الأمر الذي يتطلب العمل مع الحكومة الإسرائيلية والدول العربية، لا سيما بالنظر إلى احتمال التوصل إلى اتفاق للتطبيع الإسرائيلي السعودي.
يرى الكاتب أن على الولايات المتحدة أولًا الاستمرار بـ "شعوذة الفعل" الذي أقدم عليه نتنياهو، واستدعائه وتأكيد معارضة واشنطن للإصلاح القضائي الإسرائيلي، بالإضافة إلى استخدام جميع أدوات النفوذ حتى لو كان "احتضان شريك صعب"، إذ لا يجب على واشنطن أن تقلق بشأن الأفعال بقدر ما ينبغي أن تلتفت للنتائج التي يمكن أن تنجم عنها. أما الخطوة الثانية فهي التلويح لنتنياهو بحرمانه من العطايا الأمريكية، علمًا أنه يحاول درء الغضب الأمريكي من التوسع الاستيطاني مع استرضاء شركائه في الائتلاف بترخيص للقيام بأعمال عدوانية في الضفة الغربية والحرم القدسي. فقد مرر أحدث تشريع بشأن السلطة القضائية لإسعاد شركائه في الائتلاف، بينما حاول التقليل من أهمية الطبيعة التحويلية للإصلاح في مقابلات باللغة الإنجليزية من خلال وصفه بأنه مجرد إعادة توازن للفصل بين السلطات بين الحكومة.
حتى مع انهيار العقد المدني في إسرائيل، يحلم نتنياهو بجوهرة تاج السياسة الإقليمية: اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والذي سيكون بمثابة تغيير جذري نحو "إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي"، ولا سيما استبعاد الفلسطينيين بالطبع. ومن شأن مثل هذه الصفقة أن تشكل إنجازًا يحدد إرث نتنياهو. ومع ذلك، يقول الكاتب، فإن حذره السيئ السمعة، وحتى الجبن في هذه الأمور، يمكن أن يعيق الطريق. ومع ذلك، إذا نجح في ذلك، فستحصل إسرائيل على شيء لطالما كانت تتوق إليه: قبول معظم الدول العربية الكبرى. وتتوقع تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية والتجارية، وغطاء دبلوماسي للدول الإسلامية غير العربية لإقامة علاقات مع إسرائيل، وأبرزها إندونيسيا، موطن أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم. وإلى ذلك يورد الكاتب ما أثاره توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، بأن إسرائيل ستحتاج إلى الالتزام بوقف التوسع الاستيطاني ونقل الأراضي في الضفة الغربية من السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
في المقابل تطالب السعودية بأن يسمح لها أي اتفاق بتطوير برنامج نووي مدني (والذي، على الرغم من طبيعته المدنية الآن، يمكن أن يخاطر بالانتشار النووي العسكري في المستقبل) والوصول إلى أسلحة أمريكية متقدمة. ويقول الكاتب إنه بالنسبة للسعودية، إذا تضمن الاتفاق عناصر رمزية على الجبهة الفلسطينية، بالإضافة إلى تغيير ذا مغزى في الضفة الغربية، فقد يظهر للعالم أن التطبيع مع إسرائيل ليس خيانة للقضية الفلسطينية. ويمكن أن يعزز المطالبة السعودية بالقيادة في العالم العربي.
المصدر: فورين أفيرز
الكاتب: غرفة التحرير