مع مراكمة محور المقاومة لقدراته العسكرية، يتبين تعاظم التهديد الخارجي أمام مسار آخر عكسي تنحدر فيه قوة الجيش وأداء جهازه التنفيذي. ذلك أن الخلافات الداخلية قد وصلت إلى مستوى من تخبط القرار السياسي داخل المؤسسة العسكرية، من المتوقع أن يصل ذروته الشهرَ القادم بعد انعقاد المحكمة العليا لبحث قانون تقليص "حجة المعقولية". في هذا الوقت أيضًا سيحين الموعد الذي سيكون فيه لزامًا على الطيارين بالعودة إلى الطيران. لكن يبدو أن أغلبهم لا ينوون الالتحاق، ويبدو أن الحريق يزداد بمرور الوقت. إذ أفادت القناة 13 أن أزمة عدم الالتحاق في خدمة الاحتياط تتغلغل أيضًا إلى صفوف الخدمة الدائمة في جيش الاحتلال.
معركة وحدة الساحات حديث الساعة
وكما أنّ مناقشة كفاءة جيش الاحتلال لا زالت سارية في الجلسات السرية التي تعقدها اللجنة الفرعية التابعة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست. فإن "التهديد الوجودي" بسبب حرب متعددة الساحات على الكيان المؤقت ما انفكّت حديث الساعة. إذ حذَّر اللواء في الاحتياط، غيورا آيلاند، من أن "إسرائيل" ستجد صعوبة في الحرب متعددة الساحات ولن تصمد.
وقال آيلاند، في مقابلة مع إذاعة 103FM، إن "الفجوة الأكبر التي كانت لمصلحة إسرائيل مقابل حلفاء إيران، كانت السلاح الدقيق، لكنهم نجحوا في حل هذه المشكلة. لذلك هم يشعرون أن موقفهم الاستراتيجي جيد، ومع قدرتهم على الربط بين الساحات، يمكنهم تدمير دولة إسرائيل. هم يؤمنون بذلك – وهذا لا يعني أن هذه خطة عملية يتم تنفيذها غدا... من وجهة نظرهم، يمكن تنفيذ ذلك خلال سنوات عديدة". ووصف آيلاند، هذا التهديد على "إسرائيل" بأنه "تهديد وجودي". وأضاف أنه "في حال حدث هذا السيناريو، سنواجه تحديًا بحجم حرب يوم الغفران، على الرغم من الاختلاف بطبيعته. هذه المعطيات مقلقة جدا، وهي يجب أن تُقلق". فيما حذّر اللواء في الاحتياط إسحاق بريك (مفوض شكاوى الجنود سابقًا)، إن "سلاح الجو الإسرائيلي سيتحول إلى هدف استراتيجي للعدو. 3500 صاروخ سيسقطون على إسرائيل كل يوم، بالإضافة إلى آلاف الطائرات من دون طيار، وسيكون سلاح الجو هو الهدف الرئيس، حيث ستسقط الصواريخ الثقيلة والدقيقة على المدارج، أو بالقرب منها وستشلهم". وأضاف بريك: "يوجد في سلاح الجو طيارون ممتازون وطائرات جديدة، لكنهم لم يجهزوا قواعدهم للإقلاع في المعركة المقبلة".
تكرار السيناريو ذاته في معالجة العمليات
رغم إثبات فشله، تكرر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية السيناريو ذاته في معالجة مسلسل العمليات، بعد مقتل مستوطنين إسرائيليين وإصابة اثنين بجروح بالغة في عمليتي إطلاق نار في الضفة. إذ يتم استخدام أدوات الدعاية الإعلامية لتهدئة الجمهور، عبر إظهار الوحدات الخاصة، كما حصل أخيرًا في عملية الحوارة، حيث استقدمت كتائب إضافية في عملية الخليل، في محاولة لإظهار القوة والسيطرة. حيث أجرى وزير أمن الاحتلال، يوآف غالانت، تقييما للوضع وقال: "أصدرت تعليماتي للجيش الإسرائيلي والشاباك بزيادة جهودهما في العمليات الدفاعية للطرق والمستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، والقيام بكل ما هو ضروري لاعتراض المنفذ واعتقاله". إلا أن التقديرات تشير إلى أن قرار تعزيز الكتائب سيزيد ثقل الاستنزاف العملياتي للجيش خاصة مع اتساع رقعة الاحتجاج لدى المستوطنين.
إلقاء اللوم على استهتار المستوطنين
كان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي سابقًا، اللواء احتياط غادي شامني، قال في مقابلة مع إذاعة 103FM، إن "هناك مشاعر انتقام قوية جدًا في حوارة، وهذا واضح تماما، لكن لا حاجة لمشاعر من أجل تنفيذ هجمات ضد إسرائيليين. حوارة أصبحت رمزا للفلسطينيين، وما الذي أنتج هذا الرمز؟ إنها المسلكية الحقيرة من أولئك المشاغبين(المستوطنين) الذين أحرقوا بيوتا (فلسطينية)، والتصريحات الغبية من سموتريتش غير الاعتباطية. لقد أصبحت (حوارة) رمز مقاومة، ونضال، وأسف لحدوث هذا".
وأضاف اللواء احتياط شامني: "من ناحية الجيش الإسرائيلي، يقومون بما ينبغي القيام به. المشكلة هي أن الجيش يعمل في بيئة حكومية معادية تُصعّب عليه العمل كثيرا. كل الهجمات على مسؤولي الجيش الإسرائيلي، وعلى قائد المنطقة الوسطى، فضلا عن تشجيع المجانين الذين يخرجون ويزيدون الاحتكاك. توجد هنا حكومة فيها جهات تؤجج النيران علنا". وتوقّع شامني "استمرار التصعيد على الأرض، وما نراه الآن هو مجرد برومو (مقدمة)".
الواقع أن هذا الخطاب الجديد بدأ يبرز على المستوى الرسمي، وهو إلقاء اللوم على استهتار المستوطنين بحياتهم عند دخول المدن الفلسطينية. لكنه ليس إلا محاولة لتبرر العجز الأمني.
الكاتب: غرفة التحرير