جنين في مواجهة "الحرب النظيفة"

سرايا القدس

أجرى الكيان المؤقت بعملية "البيت والحديقة" في جنين، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في الثالث من تموز الجاري. وإذ يهدف كيان الاحتلال في الدرجة الأولى إلى محاولة ترميم الردع المهشّم، تبرز مجموعة من المؤشرات لها دلالاتها الخاصة لجهة الآليات والتكتيكات المستخدمة. وتدفع هذه المؤشرات إلى القول بأنه يعتمد اليوم في جنين ما يمكن أن يطلَق عليه بـ "الحرب النظيفة" كاستراتيجية يعمل على تثبيتها منذ ما بعد معركة سيف القدس، حيث لجأ إليها سابقًا في كل من معركة "وحدة الساحات" و "ثأر الأحرار".

وفي حين تشترك المعارك الثلاث بتجنب الخسائر المدنية في الجانب الفلسطيني، تشهد الأخيرة على دخول عناصر جديدة إلى ميدان الاشتباك؛ هي بمثابة مؤشر على تطوير العدو للاستراتيجية المستحدثة. وعليه، تبرز الحاجة إلى معرفة وفهم سياسات العدوان الحالية بما يساهم في أن يبنى على الشيء مقتضاه.

المنشأ والمفهوم

إنّ تسمية "الحرب النظيفة" أشبه ما يكون بمصطلح تبييض أو غسيل الأموال؛ فالعملية جريمة بحد ذاتها لكن تعتمد الإيحاء بعكس ذلك باستخدام لفظ يخفف من قذارة العمل وبشاعته. وكذلك تبقى الحرب عنيفة وكارثية النتائج مهما كان السعي للتضليل عن القصد والأهداف. هكذا، سعت الشبكات الفضائية ومؤسسات الإعلام الخاضعة في غالبيتها للهيمنة الأميركية إلى التسويق للمصطلح لدى الرأي العام أيام الحرب الأميركية على العراق، 1991م، وكذلك الشركات المنتجة لما يسمى بالقنابل الذكية والصواريخ الموجهة، في العقد الاخير من القرن المنصرم.. ويقصد بـ "الحرب النظيفة" تلك التي تصيب الأهداف المحددة بدقة، ويتفادى خلالها اصابة المدنيين والمنشآت غير المستهدفة. فتستخدم استراتيجية التصويب العسكري الدقيق بالاستفادة من الأسلحة الذكية مع تجنب الاحتكاك العسكري المباشر على الطريقة التقليدية المعروفة، والقيام بعمليات سريعة وناجعة عبر ضرب عمق الطرف المستهدَف مع تجنب أكثر ما يمكن من الخسائر البشرية في صفوف القوة المهاجمة. بهذا المعنى، تعود التسمية نسبة إلى أقل التكاليف على الجهة المهاجِمة وأقل الآثار والتداعيات.

إجراءات عملية جنين

-السعي إلى خفض الكلفة البشرية على العدو وعلى المدنيين في الجهة المستهدَفة بما يتفادى معه استثارة الشارع العربي والإقليمي والدولي كما حصل في معركة سيف القدس، وتاليًا يمنع الضغط التصاعدي على الكيان المؤقت.

-التفرقة بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، بمعنى أنها تستبيح كل شيء إلا الإضرار بالمدنيين والإبقاء على حياتهم. وهي بذلك تفصل بين المقاومة والبيئة الحاضنة لها، وبين المقاومة والقاعدة التي تنتمي إليها.

-الاعتماد على عمليات الاعتقال الأمنية والاستخباراتية كبديل عن القتل المباشر.

-التهجير غير المباشر من باب تحذير المواطنين والدعوة إلى إخلاء منازلهم، بما يسمح بمحاصرة الفصائل المقاومة الموجودة في المخيم ويسهل حركة القوات الإسرائيلية في الاستهداف.

-القيام بعملية واسعة من الانتشار العسكري بحجم هائل وتعزيز للقدرات عسكرية لكن بما يحول دون الاحتكاك المباشر؛ نشر لوائين من 2000 جندي واعتماد القوة الجوية من طائرات الأباتشي والمسيرات لكن مع تنفيذ عمليات نقطوية محدودة دون الالتحام وتوسعة خط الجبهة.  

-اعتماد الضربة الخاطفة السريعة في بداية العدوان بما يجمد فاعلية الرد العسكري المقابل ومن ثم اعتماد ضرب المواقع العسكرية للمقاومين بصورة انتقائية.

-تعزيز دور الحرب النفسية من التهويل وخلق الذعر والهلع عبر الضربات الجوية والزج بالأعداد الكبيرة من القوات والآليات.

-الاستفراد بالجهات المستهدفة حصرًا عبر تجنّب إعطاء ذرائع تدخل ودعم من الفصائل غير المستهدَفة وممارسة ضغط الوسائط من جهة أخرى.

يسعى الكيان المؤقت إلى محاولة تغيير توازنات معادلات الردع القائمة بما يمنع صعود قوى المقاومة في الضفة ويعيد ترميم الردع الإسرائيلي المهشّم، لا سيما بعد بدء المقاومة الفلسطينية في جنين بتكتيك تفجير الآليات الإسرائيلية. يهدف جيش الاحتلال إلى إرباك الحركة لدى أطراف الصراع وتوليد حالة من الجمود في ردود الأفعال لدى كل من فصائل المقاومة الفلسطينية، ومحور المقاومة والرأي العام. وتاليًا، تسمح العملية إنجاز الغايات المستهدفة بإعادة تشكيل المشهد السياسي في الداخل وقلب الصورة دون السماح لقوى المقاومة في ترجمة المكاسب الميدانية إلى مكاسب سياسية لصالحها. ويبقى العنصر الأخطر في هذه الحرب هو ما تسعى إليه من كسر حلقات وحدة محور المقاومة ووحدة الساحات، والانتقال تباعًا من الاستفراد بمنطقة إلى منطقة أخرى، ومن فصيل إلى آخر. وهو الأمر الذي تفشل في تحقيقه.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور