الجمعة 21 تشرين ثاني , 2025 04:10

جولة نتنياهو في الجنوب السوري: تثبيتٌ للاحتلال وانكشافٌ كامل لسلطة الشرع الجولاني

نتنياهو وزامير خلال الجولة

جال رئيس وزراء الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي، برفقة عدد من الوزراء في حكومته ومن المسؤولين العسكريين والأمنيين، المنطقة العازلة المحتلّة في جنوبي سوريا، وهو ما لاقى تنديدات من نظام أحمد الشرع الجولاني التي اعتبرتها معارضة لقرارات مجلس الأمن الدولي، مطالبةً الأمم المتحدة بوقف انتهاكات إسرائيل المتكررة!

لكن كان الحريّ بهذا النظام أن يقوم برد فعل عسكري ميداني على الاعتداءات الإسرائيلية، وهو الذي سبق أن استخدم مسلحيه في تنفيذ الجرائم والمجازر بحق المدنيين في الساحل وبحق المدنيين في السويداء، والذي لم يخف يوماً إمكانية استخدامه للعدوان على لبنان وضد المقاومة، حتى أنه لم يستنكر تصريحات المبعوث الأمريكي توم برّاك بعد زيارة الشرع الجولاني الى واشنطن والتي قال فيها بأن "شهدنا في المكتب البيضاوي التزام الرئيس الشرع تجاه الرئيس ترامب بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش، والذي يُمثل إطارًا تاريخيًا يُمثل انتقال سوريا من مصدر للإرهاب إلى شريك في مكافحة الإرهاب - التزامًا بإعادة الإعمار والتعاون والمساهمة في استقرار المنطقة بأكملها.. ستساعدنا دمشق الآن بنشاط في مواجهة وتفكيك فلول داعش، والحرس الثوري الإيراني، وحماس، وحزب الله، وغيرها من الشبكات الإرهابية، وستكون شريكا ملتزمًا في الجهود العالمية الرامية إلى إرساء السلام". إذاً فالإدارة الأمريكية "الراعي الإستراتيجي لإسرائيل"، ترى لسلطة الشرع الجولاني المؤقتة مهمة ووظيفة محدّدة فقط، وهي مواجهة حركات المقاومة في المنطقة وليس أن تكون دولة ذات سيادة

تفاصيل جولة نتنياهو

وبالعودة الى جولة نتنياهو فإن هناك العديد من النقاط التي لا بد من الإشارة اليها:

_ تصريح رئيس وزراء الاحتلال بأن وجود القوات الإسرائيلية في "المنطقة العازلة" بسوريا "بالغ الأهمية"، مما يعني أن هذا الواقع لن يتم التخلي عنه في القريب المنظور، ويناسبه أكثر من أي اتفاق أمني قد تعده به السلطات السورية المؤقتة.

_أكد نتنياهو في فيديو نشره مكتبه وهو يخاطب عناصر الاحتلال هناك، بأنهم (أي حكومة الاحتلال) يولون "أهمية بالغة لقدرتنا هنا سواء الدفاعية أو الهجومية، هذه مهمة يمكن أن تتطور في أي لحظة، لكننا نعتمد عليكم". وعليه قد نشهد في الأشهر القادمة خطوات توسعية بريّة جديدة للجيش الإسرائيلي، سواء باتجاه لبنان أو حتى باتجاه الحدود العراقية السورية.

_ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو أجرى الجولة الميدانية بمشاركة وزيري الحرب يسرائيل كاتس والخارجية جدعون ساعر، إضافة إلى رئيس أركان الجيش إيال زامير ورئيس الشاباك دافيد زيني والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية يحيئيل مايكل ليتر.

_ كشفت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر لم تسمها، أن جولة نتنياهو في سوريا جاءت على خلفية تعثر مفاوضات توقيع اتفاقية أمنية بين إسرائيل وسوريا. وأضافت المصادر أن إسرائيل رفضت طلب السوريين بانسحابها من جميع النقاط التي احتلها الجيش الإسرائيلي في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد. وتؤكد المصادر أن الكيان سينسحب من بعض هذه النقاط فقط مقابل اتفاقية سلام شاملة مع سوريا، وليس اتفاقية أمنية، وهو أمر لا يلوح في الأفق حاليا.

أبعد من استعراض ميداني أو رسالة داخلية

في ضوء ما تقدّم، تبدو جولة بنيامين نتنياهو في المنطقة العازلة المحتلّة جنوبي سوريا أبعد بكثير من مجرد استعراض ميداني أو رسالة داخلية لجمهوره اليميني. فهي تأتي في سياق سعيٍ إسرائيليّ حثيث لتثبيت وقائع جديدة على الأرض، وتكريس مناطق نفوذ تتحول مع الوقت إلى خطوط تماس دائمة، بما ينسجم مع رؤية قادة الاحتلال حول بقاء الانتشار العسكري في سوريا كـ"ضرورة استراتيجية" لا يمكن التراجع عنها. وفي المقابل، تكشف ردود فعل سلطة الشرع الجولاني عن عجزٍ بنيوي في موقعها ووظيفتها، إذ لا تتجاوز حدود البيانات والإدانة الشكلية، بينما تتغاضى عن الاعتداءات المتكررة، وتتجاهل الدور الذي رسمته لها واشنطن كأداة في مواجهة قوى المقاومة لا كسلطة ذات قرار وطني مستقل.

إنّ هذا المشهد المركّب يؤشر إلى أن الساحة السورية ـــ في ظل الوضع الراهن ـــ مرشحة لمزيد من الانكشاف والتقلبات، خصوصاً مع حديث نتنياهو الصريح حول إمكان تطوّر المهمة العسكرية "في أي لحظة"، ومع مشاركة وزراء الحرب والخارجية وكبار القادة الأمنيين في الجولة، بما يعكس مستوى التنسيق بين المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب، واستعدادهم لخطوات أوسع قد تمتد نحو الحدود اللبنانية أو العراقية – السورية. كما أن التسريبات حول تعثّر المفاوضات الأمنية بين إسرائيل والسلطات السورية المؤقتة، ورفض تل أبيب الانسحاب الكامل من نقاط احتلالها، تشير بوضوح إلى أن أي حديث عن تسويات أو اتفاقيات هو أقرب إلى الوهم منه إلى الواقــع.

وعليه، فإنّ المرحلة المقبلة ستشهد على الأرجح تصعيداً مدروساً يهدف إلى تثبيت الهيمنة الإسرائيلية ومنع تشكّل معادلات ردع جديدة، في وقت يتعمّق فيه الفراغ الحقيقي في الموقع السوري الرسمي، وتتزايد الضغوط الأميركية لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية بما يخدم أمن الاحتلال. إنّ خطورة هذا المسار تكمن في محاولات تحويل الجنوب السوري إلى مجال أمنـي مفتوح أمام إسرائيل، وإلى منصة ضغط على قوى المقاومة في المنطقة، ما يستدعي استشعاراً إقليمياً أوسع لمواجهة هذه التحولات قبل أن تتحول إلى أمر واقع يصعب قلبه أو الحدّ من تداعياته.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور