السبت 08 تشرين ثاني , 2025 12:37

ميدل إيست آي: الإمارات دفعت السودان إلى حافة الهاوية وعليها إنهاء الحرب

محمد بن زايد وحميدتي

يشرح هذا المقال الذي نشره موقع "Middle East Eye" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، عن دور الإمارات الأساسي، في الحرب السودانية ومآسيها، وكيف دفعت سياساتها البلاد إلى حافة الانهيار. فحاكم الإمارات محمد بن زايد، بالرغم من علاقاته المتشعبة مع أطراف عدة في السودان، اختار دعم ميليشيا قوات الدعم السريع (RSF) بشكل واسع، ليوسّع من بؤرة الحرب هناك، وليحوّل دارفور إلى قاعدة نفوذ اقتصادي وعسكري بيده. ويضيف المقال بأن هذا الدعم ليس صدفة، بل يعكس نهجًا إماراتيًا ثابتًا يقوم على بناء النفوذ عبر شبكات مالية ولوجستية تمتد من البحر الأحمر إلى إفريقيا. ويوضح بأن الإمارات، لا تسعى إلى "الاستقرار" بل إلى "الميزة"، وتتعامل ببراغماتية مصلحية تجعلها تحافظ على علاقات مع أطراف متناقضة في النزاعات (كما في اليمن وليبيا والسودان). وأن "الانتصار" بالنسبة لها ليس السيطرة المباشرة، بل امتلاك حق النقض على أي تسوية تمس مصالحها، وضمان مرور التجارة والطاقة بعيدًا عن نفوذ من وصفهم بالـ "إسلاميين".

النص المترجم:

من خلال مضاعفة دعمها لقوات الدعم السريع، وسّعت أبوظبي نطاق الحرب الأهلية الدامية، وعليها اليوم أن توظّف هذا التورّط نفسه للضغط نحو خفض التصعيد.

سقوط مدينة الفاشر لم يُعد رسم خريطة غرب السودان فحسب، بل كشف حقيقة كانت واضحة لمن تابعوا السياسة الخارجية الإماراتية عن قرب: عندما تُواجَه القيادة الإماراتية، فإنها لا تتراجع.

فعلى الرغم من عامين من الانتقادات والتغطية الإعلامية السلبية حول تورّطها العلني والسري في السودان، ضاعفت أبوظبي انخراطها. فوكيلها الأساسي، قوات الدعم السريع (RSF)، باتت تسيطر على القلب اللوجستي لإقليم دارفور، وهو مركز نفوذ يمكن تحويله إلى مصدر ربح من تجارة الذهب، وحمايته عبر طرق عابرة للحدود، واستثماره كورقة ضغط على الجيران.

وليس ذلك نتيجة صدفة ميدانية، بل يعكس نهج الحكم في أبوظبي القائم على الحزم، والرد على أي إهانة محتملة، والسعي التراكمي لبناء النفوذ على المدى الطويل.

فـ"البراغماتية" بالمعنى التقني ليست الهدف الأهم؛ النتيجة هي الغلبة. فخلال 15 عامًا من سياسة محمد بن زايد، أثبتت الإمارات أن المسألة ليست في "الانتصار" في عاصمة ما، بل في حرمان الخصوم من تحقيق نصر حاسم، وتأمين الممرات والأسواق، والصمود إلى أن تتغير دورة الأخبار. اليمن وليبيا شاهدتان على ذلك.

ولهذا السبب، غالبًا ما يكون الوصف الشائع بأن الإمارات "تسعى إلى الاستقرار" مضللاً؛ فهي في الحقيقة، على طريقة ميكيافيلية خالصة، تسعى إلى المصلحة والهيمنة.

تتحرك أبوظبي بأسلوب صفقاتي لا يعتذر عن نفسه، وتحت قيادة تتخذ القرارات بمنطق شخصي شديد التركيز. فالرئيس محمد بن زايد، مهندس هذا النهج، يتعامل كاستراتيجي يرى الردع والسمعة وجهين لعملة واحدة: التراجع يعني فتح الباب للافتراس، بينما التصعيد يعيد رسم قواعد اللعبة.

ومنذ الربيع العربي، ظلّ محمد بن زايد ثابتًا على قاعدته: اربط القوى المحلية بشبكة التمويل واللوجستيات الإماراتية، كافئ المطيعين، عاقب الخونة، واحتفظ دائمًا بعدة حلفاء كي لا تفقد مقعدك على الطاولة.

كلفة السمعة

تستند هذه المنهجية إلى ما يُعرف بـ"الاعتماد المتبادل المسلّح" Weaponised Interdependence فخلال العقد الماضي، بنت الإمارات شبكة من الموانئ والمناطق الحرة والمطارات ومراكز التجارة والخدمات المالية تمتد من البحر الأحمر إلى الساحل الإفريقي، وعمقًا في المتوسط — محور متعدد الوسائط يخدم الانفصاليين والمتعاملين معها.

وتقترن هذه البنية التحتية بشبكة من الشركات المرتبطة بالدولة والمركبات الخاصة التي تتيح نقل الأموال والأشخاص والمواد بسرعة وسرّية. فحين تدعم أبوظبي شريكًا، لا تقدم له المال أو العتاد فقط، بل تفتح له بوابات إلى منظومة مترابطة تتمحور حول عقد إماراتية. وما دامت هذه البوابات مفتوحة، فالوقت يعمل لصالح أبوظبي.

ويُظهر السودان هذا النموذج بوضوح تام:

استثمرت الإمارات في عدة طبقات من السلطة، وانخرطت مع شخصيات مدنية يمكن أن تتصدر عملية إعادة بناء تكنوقراطية في الخرطوم، وحافظت على صلات مع الجيش السوداني (SAF) لأن أي تسوية لا يمكن أن تتجاهل ضباطه، والأهم، تحالفت مع قوات الدعم السريع التي حولت شبكتها في دارفور إلى اقتصاد حرب.

وهذا الخيار الأخير هو الأكثر كلفة من حيث السمعة، لأسباب واضحة: فممارسات الدعم السريع التي توصف بالإبادة الجماعية أثارت إدانات واسعة. لكن العناصر نفسها التي تجعلها سمًّا أخلاقيًا تجعلها أداة نافعة لأبوظبي: فهي تسيطر على الممرات، وتجني الأرباح من التجارة العابرة والذهب، وتحافظ على مواقع ثابتة في الغرب حتى لو بقي الوسط موضع صراع.

وبالنسبة للراعي الخارجي، الرهان ليس على نصر نظيف، بل على البقاء الطويل.

لا الانتقادات الأميركية والبريطانية، ولا تحذيرات الأوروبيين من العقوبات أو تشويه السمعة في الأسواق العالمية، غيّرت هذا المسار.

فعندما يتصاعد الضغط، ترد أبوظبي بالنفي، وتوسيع الاتصالات الدبلوماسية، وترسيخ الحقائق الميدانية كي لا تفقد أوراقها. إنها عقلية تحدٍّ لا مساومة، نابعة من ثقة عميقة ببنيتها الاقتصادية والسياسية.

إبقاء الخيارات مفتوحة

لا توجد عاصمة إقليمية تملك مزيج الإمارات الحالي من السيولة، والبنية اللوجستية، والوصول الدبلوماسي. وهذه الثقة تفسّر سمة أخرى من أسلوبها: الإبقاء على الخيارات مفتوحة في كلا طرفي النزاع.

في اليمن، دعمت أبوظبي الانفصاليين الجنوبيين، لكنها احتفظت بعلاقات مع قوى شمالية مناهضة للحوثيين.

في ليبيا، ساندت الجنرال خليفة حفتر في الشرق، لكنها أبقت خطوطًا مفتوحة مع شبكات اقتصادية في الغرب.

وفي السودان، يمكنها التحدث إلى عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء المدني الأسبق، وإلى محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد الدعم السريع، مع إبقاء قنواتها مفتوحة مع البرهان ودوائره. فحين يُغلق باب، يبقى آخر مواربًا.

لكن لهذا النهج ثمنٌ متزايد. فـ"الإنكار" — وهو الزيت الذي يُبقي هذه الآلة تدور — يتآكل مع كل تسجيل لطائرة مُسيّرة أو بيان شحن أو صورة أقمار صناعية.

وقد التقط الجيران هذا التحوّل:

قطر وعُمان باتتا تسوّقان نفسيهما كوسطاء، بينما السعودية، الحذرة من الانجراف خلف حليفتها، تبنّت دور الوسيط في ملف السودان مع الحفاظ على التنسيق الأمني معها.

ومع تغيّر الصورة العامة، تصبح الإمارات في موقع الراعي لا الوسيط، ما يعني أن نفوذها قد يتحول من أصل قابل للاستخدام إلى عبء يصعب تسويقه.

"الفوز" بمعايير أبوظبي

لفهم سبب استبعاد تراجع الإمارات عن هذا المسار، يجب فهم معنى "الفوز" لديها. فليس المقصود رفع العلم فوق قصر الخرطوم، بل امتلاك حق النقض على أي نتيجة تمسّ مصالحها: تأمين ممرات البحر الأحمر، حماية تدفقات الطاقة والبيانات، منع الحركات الإسلامية التي تراها تهديدًا وجوديًا من التمركز، وحماية الإيرادات المشروعة وغير المشروعة العابرة عبر أسواق دبي.

وبهذا المنظور، فإن معقلًا للدعم السريع في دارفور يمكن استخدامه كورقة تفاوض نحو تسوية فيدرالية أو تجميد للصراع يبدو توازنًا مقبولًا — خصوصًا إذا جرى تغليفه بواجهة مدنية في أماكن أخرى.

اختبار الفاشر

يمكن قراءة سقوط الفاشر بطريقة مختلفة: اختبار لقدرة نموذج أبوظبي على التحول من التصعيد إلى الاستقرار.

فإن أرادت الإمارات أن تُظهر أن عمقها الاستراتيجي قادر على تحقيق مكاسب إقليمية لا شخصية فحسب، فالسودان هو المسرح المناسب. فالشبكة نفسها التي تمكّن من تمويل الوكلاء يمكنها أن تفرض وقف إطلاق نار إذا أرادت أبوظبي ذلك.

إغلاق خطوط الإمداد ليس عملاً بطوليًا، لكنه حاسم: أوقف الجسر الجوي وخطوط النقل البرية، اخنق تجارة ذهب دارفور، واضغط على الدعم السريع والجيش السوداني للقبول بهدنة تحت مراقبة دولية.

استخدم القنوات الموثوقة مع مصر لتأمين مخرج يحمي وادي النيل ويُبعد التيارات الإسلامية التي تخشاها القاهرة، وتعاون مع الرياض لضمان أن الوساطة السعودية تمتلك آليات تنفيذ حقيقية لا بيانات شكلية.

ثم أبرز مركزًا مدنيًا فاعلًا لا كواجهة، بل كعصب لمرحلة انتقالية تفكك اقتصادات الحرب لدى الطرفين.

هذا التحول لا يتطلب من أبوظبي أن تتخلى عن رؤيتها للعالم، بل أن تسخّرها في اتجاه مختلف.

فإذا كان الدافع الأساس هو الفوز، فيمكن تعريف "الفوز" في السودان على أنه تجنّب الأسوأ وإثبات أن النفوذ الإماراتي ضروري لتسوية مقبولة دوليًا. وهذا يعني القبول بالتنازل عن بعض النفوذ مقابل الشرعية، ورفض بعض العملاء، وتأجيل بعض الأرباح. لكنه يعني أيضًا إظهار أن الإمارات قادرة على أن تكون قوة استقرار حقيقية في المنطقة.

لقد أثبت العقد الأخير أن أبوظبي صاحبة نفسٍ طويل واستراتيجية واعية وغموض محسوب. وقد مكّنتها هذه الصفات من بناء "محور" من العلاقات مع فاعلين غير دوليين يمكنه الصمود أطول من الحكومات نفسها. لكنها في الوقت نفسه وضعتها تحت ضوء عالمي ساطع لم يعد يتيح الغطاء الذي كانت تتمتع به في إفريقيا.

وفي السودان، أوصلها الإصرار على التصعيد إلى حصن ميليشياوي وحرب متسعة النطاق.

لكن تحويل هذا الإصرار نفسه إلى دافعٍ نحو خفض التصعيد سيكون البرهان الحقيقي على القوة — ليس تراجعًا، بل اختيارًا لتحويل التورط إلى استقرار.

وهذا هو الانتصار الذي سيخدم مصالح الإمارات على المدى الطويل.


المصدر: Middle East Eye

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور