قانون قيصر، أو "قانون حماية المدنيين"، بات عنوان المرحلة في السنة الماضية وعنواناً للمراحل القادمة في لبنان. فهو يحكم القانون اليوم العلاقة الإقتصادية وسبل التعاون ما بين سوريا ولبنان، وقد تسبب بحصار ليس فقط الشعب السوري، ولكنه تسبب في الوقت نفسه بحصار اللبنانيين وحصار الليرة اللبنانية التي هبط سعرها إلى حد أفقدها قيمتها الشرائية. فـ"قيصر" ليس سيفاً مسلطاً على سوريا وحكومتها، بل هو سيف مسلط على رقاب اللبنانيين.
نٌسبت تسمية القانون إلى "مصور عسكري سوري فار" بحسب الإدعاء لم يكشف عن هويته، ظهر خلال جلسة الإستماع في الكونغرس، مرتدياً سترة رياضية ذات غطاء رأس أكبر من قياسه، ويعرض مجموعة من الصور لأشخاص تم تعذيبهم، واتهمت سوريا وحلفاءها عبر الشهادة بقصف المنشآت المدنية والمستشفيات والتعليم، لكن يعلم الأميركيون أن هذه المنشآت توقفت عن العمل نهائياً بعد سيطرة الإرهابيين عليها واستخدمت كمقرات لهم. فالشهادة من أصلها كذبة!
قدّم قيصر الشهادة أول مرة في العام 2014، وفي المرة الثانية في العام 2020. وبحسب ما نشر، قال قيصر: "إن القانون أصبح بارقة أمل في ظل غياب أي حل عسكري أو سياسي"، ويهدف إلى توجيه رسالة قوية لكل من يدعم الأسد، وبالتأكيد هم حزب الله وإيران وروسيا والصين، بأن المحاسبة والعدالة آتيتان.
وتم تفعيل القانون في 31 تموز/ يوليو 2019، مدته عشر سنوات، ويهدف الى فرض عقوبات جديدة على حلفاء سوريا في مجالات الطاقة والهندسة والأعمال والنقل الجوي. كما تفرض العقوبات على أي رجل أعمال يتعامل مع الحكومة السورية أو يوفر التمويل لها. وتضمن بيان العقوبات قطع الغيار لطائرات شركة الطيران السورية أو من يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو تلك التي تعمل على صناعة الطاقة في سوريا، وبالطبع طُبقت العقوبات على المصرف المركزي السوري.
والمضحك أنّه بموجب القانون يمكن للرئيس الأميركي أن يلغي أو يضيف أي اسم على أساس كل حالة على حدة.
حجم الكذب الذي جاء في شهادة الشاهد لم يضر الطيران السوري فحسب، بل أضر بالعاملين في مجال الطيران، بسبب تبعات القانون على المدنيين قبل غيرهم، وعلى اللبنانيين كما السوريين، ولم يتضرر في واقع الأمر سوى المزارع والفلاح اللبناني، وبالتالي المواطن الفقير وذوي الدخل المحدود والموظف الذي يقبض راتبه أو أجرته بالليرة اللبنانية، لأن قانون قيصر أثر على عمليات نقل المنتجات الزراعية عبر الحدود السورية، هذا أولاً.
لم يدم طويلاً، وكانت هناك استثناءات من أجل اتمام عملية تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية إلى الخليج، ولكن تم توريط المصدرين بعمليات تهريب للمخدرات إلى السعودية بالذات. أدى الأمر في نهايته إلى وقف تصدير منتجات لبنانية يمكنها إدخال عملة أجنبية. فلبنان بلد مستورد وليس مصدر!
وثانياً، كان يفترض أن يكون لبنان بعد وضع العقوبات الأوروبية على سوريا في العام 2012، الطريق لإدخال مواد البناء من أجل إعادة الإعمار، ولكن قانون قيصر قوّض هذا الأمل. وثالثاً، صحيح أن ليس هناك إحصائيات حول حجم التبادل التجاري على الحدود اللبنانية السورية، إلاّ أنّه "وفق أرقام إدارة الجمارك اللبنانية، يبلغ حجم التجارة الخاصة بين لبنان وسوريا في العام 2019 نحو 92 مليون دولار للاستيراد، ونحو 190 مليون دولار للتصدير. أما لجهة التجارة العامة فيبلغ حجم الاستيراد نحو 92 مليون دولار والتصدير 229 مليون دولار، ما يعني أن مجمل نشاط التبادل التجاري بين البلدين تقارب 603 مليون دولار"، وهذا التبادل متوقف اليوم!
ورابعاً، وهو الأهم، توقف استيراد الكهرباء من سوريا، وهناك دين لبناني بأكثر من 25 مليون دولار أميركي كبدل للكهرباء كانت قد طالبت به سوريا. ويمكن للبنان أن يستورد الكهرباء من سوريا بالليرة اللبنانية، مما ترك البقاع تحت رحمة المولدات بشكل نهائي.
وفي وقت يُمنع فيه لبنان بقرار دولي من التوجه شرقاً، ومن التنفس من خلال التبادل التجاري البري مع تركيا او دول الخليج، لأنه سيمر عبر البوابة السورية، يصبح قانون قيصر قانوناً وُضع من أجل خنق لبنان ومنعه من التنفس، لأن حاضنته لا يمكن أن تكون إلّا في سوريا.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: عبير بسام