بعيداً عن محاولات التلميع المكثّفة لأحمد الشرع الجولاني ونظامه، التي تقوم بها وسائل الإعلام العربية وحتى الأجنبية، فإن الوقائع وحتى تقارير بعض الجهات الدولية، تؤكّد بأن الوضع في سوريا بالعمق، تسوده جرائم القتل الطائفي والانتهاكات بحق مكوّنات الشعب السوري، ويعمّه نظام التفرّد بالحكم لا الديمقراطية كما كان الادعاء في الأيام الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد. كل ذلك يحصل برعاية أمريكية وتركية وعربية، لأن ما يهمهم جميعاً هو اكتساب نفوذ في البلاد، يمكّنهم من تأمين مصالحهم المحلية والإقليمية، والأهم من كل ذلك ضمان حياد سوريا عن محور المقاومة وقضيته الأساس تحرير فلسطين.
فالمحور العربي التركي الأمريكي، لا يهمه حقيقةً ماذا يجري في سوريا، على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، بل جلّ ما يهمهم منع تحوّلها من جديد كعمق استراتيجي لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وجبهة شمالية ضد الكيان المؤقت، وأن تكون قاعدة انطلاق لمشاريعهم ونفوذهم في المنطقة.
الأمم المتحدة والعنف الطائفي وجرائم الحرب في سوريا
وفي منتصف شهر آب / أغسطس الماضي، توصل تحقيق للأمم المتحدة، الى "احتمال ارتكاب جرائم حرب من قبل أفراد من قوات الحكومة السورية المؤقتة خلال أعمال العنف الطائفي التي هزت الساحل السوري في مارس/آذار". ورغم إطلاق صفة الاحتمال، إلا أن التقرير أظهر أن قتل وتعذيب المدنيين العلويين على يد أفراد من قوات الشرع الجولاني في آذار / مارس كان "واسع الانتشار"، لكن التقرير حاول تبرئة نظام الشرع بأن الأمر لم يكن "سياسة رسمية"!!!
وقالت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا بأن العنف كان "واسع النطاق ومنهجيًا"، وإن عمليات قتل وتعذيب ونهب ارتُكبت ضد المدنيين العلويين على يد أفراد من قوات الحكومة المؤقتة. ومع ذلك، قالت اللجنة إنها "لم تجد أي دليل على وجود سياسة أو خطة حكومية لتنفيذ مثل هذه الهجمات" (وهو ما حصل مثيل له في السويداء وغيرها من مناطق العاصمة دمشق إلا أن كلّ ذلك لا تتحمل سلطات الشرع المسؤولية عنه، وهذا دليل واضح على ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين عند منظومة "العدالة الدولية").
وأفاد التقرير الأممي عن مقتل نحو 1400 شخص معظمهم من المدنيين، في "أول موجة عنف طائفي كبرى هزت المرحلة الانتقالية في سوريا بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول / ديسمبر. وخلص إلى أن "عمليات قتل العلويين بدأت في كانون الثاني / يناير، وبلغت ذروتها بعدة أيام من العنف الجماعي في آذار / مارس.
وخلصت اللجنة إلى أنه في الأيام التي تلت ذلك، ارتكب أفراد من جماعات مسلحة خاضعة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة، أو تابعة لها اسميا، عمليات قتل خارج نطاق القضاء وتعذيبًا وانتهاكات أخرى بحق مجتمعات علوية مدنية في المقام الأول. وقال باولو سيرجيو بينيرو، رئيس لجنة الأمم المتحدة: "إن حجم ووحشية العنف الموثق في تقريرنا أمر مقلق للغاية". وأضاف بينيرو: "ندعو السلطات المؤقتة إلى مواصلة السعي لمحاسبة جميع الجناة، بغض النظر عن انتمائهم أو رتبهم".
وهنا يجب الإشارة الى أن التقرير ذكر بأن الفصائل التي ارتكبت هذه الجرائم هي ما يُسمى بـ"لواءي العمشات والحمزات" - التابعين سابقاً للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا - "أحرار الشام"، والفرقة 400، التي تتكون من ألوية سابقة لهيئة تحرير الشام، والتي كان الشرع الجولاني قائدا لها. وأفادت اللجنة بأنها لا تزال تتلقى تقارير عن استمرار عمليات اختطاف النساء، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والنهب في المناطق المتضررة.
السويداء لا تثق بحكومة دمشق
وفي سياق متّصل بجرائم نظام الشرع الجولاني، لا يزال أهالي السويداء يطالبون بلجنة تحقيق دولية لما حصل عندهم من جرائم مؤخراً، بما يعكس عدم ثقتهم باللجنة الحكومية.
ويرى البعض منهم (خاصة أولئك الذين يرفضون مخطط الحكم الذاتي والفيدرالية)، أن مسار الحل يجب أن يبدأ باعتراف مباشر من قبل الجولاني، بالخطأ في اللجوء إلى الحل الأمني والعسكري في معالجة قضايا لا يمكن التعامل معها إلا سياسياً، حتى لو استغرق ذلك وقتاً أطول لما في ذلك من تأثير على الوحدة الوطنية، خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.
فقد أدّت انتهاكات قوات الشرع وجرائمهم بحق المدنيين، واقتحام القرى والمناطق بأسلوب داعشي، الى حصول صدمة نفسية كبيرة لأهالي السويداء، مما ساهم في شعورهم بعدم إمكانية التعامل مع حكومة الشرع، ودفعهم بالمقابل بشكل غريزي الى طروحات الانفصال وتقرير المصير التي تعكس واقع ألمهم وصدمتهم، دون أن ترتقي هذه الطروحات إلى مستوى الإمكانيات السياسية محلياً أو دولياً.
الكاتب: غرفة التحرير