الثلاثاء 02 أيلول , 2025 03:38

الكيان الإسرائيلي في اختبار استراتيجي: بين التوسّع الإقليمي وفشل الردع

الشرق الأوسط ومقاتل يستهدف دبابة

يشكّل الصراع الحالي محطة مفصلية في مسار المواجهة بين الكيان الإسرائيلي ومحور المقاومة، حيث انتقلت الحرب من كونها معركة ميدانية محدودة إلى اختبار شامل للرؤية الإسرائيلية تجاه البيئة الإقليمية. فالاحتلال ينطلق من قناعة بأن ضمان أمنه لا يتحقق عبر الردع الجزئي أو الإنجازات العسكرية المحدودة، بل من خلال أهداف كليّة تسعى إلى إعادة رسم موازين القوى وتثبيت موقعه كقوة مهيمنة في المنطقة. غير أنّ الواقع الميداني وتعقيدات البيئة الدولية وصلابة الخصوم تجعل هذه الأهداف محاطة بعقبات بنيوية تعيق تحقيقها، لتتحوّل المواجهة إلى مسار طويل قائم على الاستنزاف والتراكم أكثر من الحسم المباشر.

تقليص قدرات المحور وبناء منظومة ردع مستدامة

يرى الكيان أنّ تفكيك محور المقاومة يمثل المدخل الأساسي لأي تفوق استراتيجي. وقد لجأ إلى اغتيالات مركّزة وضربات عسكرية في لبنان وغزة وسوريا واليمن، إضافةً إلى الضغط في الضفة الغربية، بهدف تعطيل البنى التنظيمية وتقليص خطوط الإمداد. لكن الإنجازات بقيت جزئية؛ إذ فشل الاحتلال في القضاء على حماس أو تحييد قدرات حزب الله، كما عجز عن وقف البرنامج النووي والصاروخي الإيراني. وعليه، يقتصر ما يمكن تحقيقه على عمليات استنزاف وضغوط مرحلية، فيما يتعذّر الوصول إلى حسم شامل ضد المحور أو إلغاء قدراته الردعية.

يُنظر إلى الردع بوصفه الهدف الاستراتيجي الأعلى، إذ يوفّر للاحتلال شعورًا بالأمان على المدى الطويل. ورغم الضربات التي استهدفت غزة ولبنان وإيران، فإن الردع بقي هشًا ولم يتحوّل إلى معادلة مستقرة. فالمقاومة ما زالت قادرة على إعادة الترميم واستئناف المبادرة، بينما فشلت "إسرائيل" في منع تطور القدرات النووية والصاروخية الإيرانية. لذلك يظلّ الردع المستدام هدفًا بعيد المدى، يتطلّب منظومة متكاملة من الدفاعات والتهديدات، لكنه يصطدم بتحديات جدّية مثل مرونة الخصوم والقيود الاقتصادية والضغوط الدولية.

حسم الوضع الفلسطيني والتوسع الجغرافي وحدود السيطرة

يحاول الاحتلال فرض وقائع ميدانية جديدة عبر مناطق عازلة في غزة والضفة وجنوب لبنان، إضافةً إلى تعزيز وجوده في سوريا، وذلك في إطار مقاربة "إسرائيل الكبرى". ورغم بعض المكاسب الميدانية المؤقتة، فإنّ السيطرة الدائمة أو التغيير الديموغرافي تبقى شبه متعذّرة. فالمقاومة الشعبية، وتعقيدات البيئة الإقليمية، تمنع تكريس أي توسع جغرافي مستدام. لذا يظل هذا الهدف ذا أولوية ثانوية مقارنة بغيره، ويرتبط بنتائج الحرب ومخرجاتها السياسية.

تسعى "إسرائيل" إلى القضاء على حماس وإنهاء نموذج المقاومة الفلسطينية، لكنها لم تنجح في فرض بديل سياسي مستقر أو كسر إرادة المجتمع الفلسطيني. صحيح أنّها أحدثت دمارًا واسعًا واغتالت العديد من القيادات، إلا أنّ فكرة المقاومة ما زالت متجذّرة في الهوية الفلسطينية وتشكل عقبة شبه مستحيلة أمام الاحتلال. لذلك يقتصر الإنجاز الإسرائيلي على تعطيل مؤقت للبنى العسكرية والتنظيمية، دون أن يبلغ مستوى الحسم الاستراتيجي.

استعادة المشروعية الدولية والتحصّن ضد ردود الفعل المستقبلية

حاولت "إسرائيل" تبرير حربها باعتبارها دفاعًا عن "الحضارة الغربية"، وحشد الدعم الأميركي والغربي. لكنها اصطدمت بتصاعد الانتقادات الدولية واتهامات الإبادة الجماعية، ما أفقدها القدرة على ترميم صورتها الأخلاقية. ولئن أمكنها الحصول على دعم رسمي من بعض الحكومات، فإن الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية يفرض عليها تحديًا دائمًا يصعب تجاوزه.

يركّز الكيان على منع تكرار مفاجآت شبيهة بعملية 7 تشرين الأول، عبر تعزيز التحصينات الحدودية وتطوير أنظمة دفاعية واستخدام الذكاء الاصطناعي. غير أنّ القضاء التام على قدرة المقاومة على الردّ يبقى متعذّرًا، إذ تستمر التهديدات عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة والأنفاق. وعليه، يتحوّل هذا الهدف إلى مسار طويل الأمد يتطلّب استنزافًا متواصلًا وتنسيقًا مع الحلفاء، دون ضمان تحقيق أمن دائم.

تعديل ميزان القوى مع المنافسين الإقليميين

تعتبر "إسرائيل" أنّ الحفاظ على تفوقها يتطلب إعادة ترتيب البيئة الإقليمية بما يضمن تفوّقها النوعي على محور المقاومة. ورغم نجاحها في إلحاق أضرار تكتيكية بغزة ولبنان، فإنها لم تتمكن من القضاء على القدرات الاستراتيجية أو تغيير ميزان القوى مع إيران. يبقى الإنجاز المتاح محصورًا في إضعاف قدرات قصيرة المدى وتأخير بعض المشاريع، فيما يتعذّر تحقيق قلب شامل للمعادلة الإقليمية.

وتسعى "إسرائيل" إلى استثمار الحرب لتعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية، خصوصًا مع الدول العربية المنخرطة في "اتفاقيات أبراهام". لكنها فشلت في توسيع دائرة التطبيع، خاصة مع السعودية، بسبب مشاهد الدمار والمجازر في غزة. وبذلك، يظل توسيع التحالفات ممكنًا جزئيًا عبر ترتيبات أمنية واقتصادية محدودة، لكنه محكوم بعقبات سياسية وأخلاقية كبيرة.

ختاماً، تكشف مراجعة الأهداف الإسرائيلية أنّ ما تحقق حتى الآن يظل محدودًا وموضعيًا، فيما تبقى الأهداف الكلية بعيدة المنال. فالاحتلال لم ينجح في تحقيق حسم استراتيجي على أي جبهة، ولا في القضاء على فكرة المقاومة، ولا في تعديل ميزان القوى إقليميًا. إن ما يملكه لا يتعدى مكاسب ظرفية قابلة للتآكل، بينما يواجه استنزافًا طويل المدى يجعل استراتيجيته محكومة بالتراكم البطيء بدل الانتصار الحاسم.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور