من المتعارف عليه في مجال الحروب والعلوم العسكرية، أن استخدام الصواريخ الباليستية، المصنوعة في الأساس لضرب الأهداف البرية الثابتة، في استهداف القطع الحربية البحرية، أمر معقّد وفي غاية الصعوبة، وهذا يعود أولاً لطبيعة أن كون الهدف البحري هو هدف متحرك على الدوام وغير مستقر، ناهيك عن صعوبة تحريك الصاروخ الباليستي الذي يخترق الغلاف الجوي قبل أن يتوجه نحو الهدف، وهو ما قد يسهل نسبياً التنبؤ بمساره ومحاولة اعتراضه.
وكذلك هو الحال بالنسبة للطائرات المسيّرة، حيث لم يجري استخدامها في الحروب والمواجهات العسكرية البحرية الحديثة، كما يجرى استخدامها في قصف الأهداف البرية الساكنة، نظراً لذات الأسباب السابقة، إضافة إلى أنها أسلحة غير حرارية أو موجهة بالمفهوم التقني الحربي.
القوات المسلحة اليمنية كسرت هذه القاعدة السائدة بعد استخدامها الصواريخ الباليستية التقليدية وكذلك المسيّرات خلال مشاركتها في معركة طوفان الأقصى إسناداً للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، وذلك في استهداف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بالاحتلال، وضرب القطع الحربية البحرية الأمريكية بما فيها المدمرات وحاملات الطائرات العملاقة، الأمر الذي أثار المخاوف والحيرة لدى الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية من هذا التطور النوعي غير المسبوق في استخدام هذا النوع من الأسلحة، كما أثار الجدل والدهشة والتساؤلات لدى جنرالات الحرب والخبراء العسكريين حول العالم، بما فيهم الأمريكيين، الذين وللمرة الأولى يشهدون ويشاهدون هذه الطريقة في توجيه الصواريخ الباليستية ونجاحها في تحقيق إصابات بالغة ودقيقة، وهو ما سنستعرضه في هذا التقرير.
اليمن أول دولة تطلق صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن:
منذ منتصف نوفمبر 2023، بدأت القوات المسلحة اليمنية في استهداف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بالاحتلال، وذلك باستخدام الصواريخ الباليستية والمجنحة التقليدية والمسيّرات مثل صواريخ "عاصف" و "محيط" و "تنكيل"، وحتى قبيل إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في 20 يناير 2025 نفذت القوات المسلحة اليمنية عمليات واسعة بنحو 1255 ما بين صواريخ باليستية ومجنحة وفرط صوتية وطائرات مسيرة، علاوة على الزوارق الحربية، وفقاً لما أعلنه قائد أنصار الله في اليمن، السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، كما نجحت القوات المسلحة اليمنية في اصطياد أكثر من 210 سفينة إسرائيلية وأمريكية وبريطانية، تجارية وحربية، خلال ذات الفترة.
ومنذ ذلك الحين، بات اليمن أول دولة في العالم تستخدم الصواريخ الباليستية في قصف الأهداف البحرية، وهو ما أكده الخبير العسكري الأمريكي وأستاذ الاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية الأمريكية، جيمس هولمز، الذي أقر في تصريحات لموقع "TWZ" بأن اليمنيين هم أول جهة في العالم تطلق صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن.
وهذه الحقيقة، كان قد اتفق عليها وأقرها أيضاً نائب قائد الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، الأدميرال براد كوبر، الذي أكد في لقاء صحفي بتاريخ 24 يونيو 2024 أن اليمن هو الكيان الأول في تاريخ العالم الذي استخدم الصواريخ الباليستية المضادة للسفن على الإطلاق.
تطوير الصواريخ الباليستية لقصف الأهداف البحرية:
الاستخدام النوعي الناجح للصواريخ الباليستية التقليدية في ضرب الأهداف البحرية المتحركة، دفع القوات المسلحة اليمنية لتطوير الأسلحة الباليستية والموجهة التي بحوزتها، وسبق وأن استخدمتها خلال المواجهة العسكرية مع التحالف السعودي الإماراتي، بضربها أهدافاً برية ثابتة في السعودية والإمارات، واستخدمتها أيضاً في مستهل عملياتها الأولى ضد السفن الإسرائيلية مباشرةً بعد إعلان قرارها فرض الحصار على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، حتى سرعان ما أسدلت الستار عن صواريخ باليستية متطورة جديدة لأغراض بحرية، ودخولها إلى الخدمة في خضم المواجهة العسكرية التي تخوضها ضد كبرى الأساطيل البحرية العالمية، دعماً لغزة.
ففي 14 يناير 2024أي بعد يومين فقط من بدء التحالف البحري الدولي "تحالف الازدهار" عملياته ضد اليمن، والذي شكلته الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من حلفائهما بهدف حماية الملاحة الإسرائيلية؛ أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، استهداف سفينة (MSC SARAH V) الإسرائيلية في البحر العربي بصاروخ باليستي جديد دخل الخدمة "حاطم2"، وهو صاروخ فرط صوتي محلي الصنع يمتلك تكنولوجيا متقدمة ودقيق الإصابة، ويصل إلى مدى بعيد.
وفي ذات السياق، أفاد موقع (Naval News) المتخصص بشؤون الدفاع البحري، نقلاً عن مسؤولين وخبراء عسكريين أمريكيين، بأن القوات المسلحة اليمنية نجحت منذ اندلاع حرب غزة، في "تحديث منظومة" الصواريخ الباليستية المعيارية المضادة للسفن، حيث طورت نسخة مضادة للسفن من صاروخها الباليستي "محيط" منذ أكثر من 10 سنوات، وشمل ذلك تركيب باحث كهربائي بصري، يعمل بالأشعة تحت الحمراء، أما النوع الأكبر والأكثر تطوراً على الأرجح فهو "صاروخ تنكيل".
اقتحام مجال الصواريخ الباليستية البحرية:
التطور النوعي والسريع في الصواريخ الباليستية البحرية، منح اليمن الأسبقية في اقتحام هذا المجال على مستوى العالم، خصوصاً مع توالي الضربات اليمنية الناجحة ضد الملاحة الإسرائيلية، وكذلك ضد السفن الحربية الأمريكية والبريطانية، في وقت أظهرت الأخيرة رغم تفوقها في التكنولوجيا الحربية، الهجومية والدفاعية، عجزاً واضحاً وفاضحاً في التصدي للصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة اليمنية.
والدليل على الفشل الأمريكي البريطاني، هو استمرارية العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة، سواءً البحرية ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، أو الجوية بقصف الأهداف الحيوية والمواقع والقواعد العسكرية للكيان الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي استمرت حتى الساعات والدقائق الأخيرة قبيل دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال، حيز التنفيذ في صباح الـ20 من يناير 2025ناهيك عن الاعترافات الأمريكية بهذا الفشل على المستوى الرسمي والعسكري والإعلامي.
وقد أقرّ نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، بإنه خلال 15 شهراً من حملتها العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، نفذت القوات المسلحة اليمنية أكثر من 140 هجوماً على السفن التجارية الإسرائيلية والمرتبطة بالاحتلال، ونحو 170 هجوماً على السفن الحربية البحرية الأمريكية والبريطانية، وذلك في لقاء تلفزيوني تحدث فيه عن تجربته في مشاهدة أهوال الضربات اليمنية عن قرب خلال تواجده على متن المدمرة الأمريكية "ستوكديل"، والتي تعرضت لهجوم يمني منسق في نوفمبر الماضي أثناء محاولة مرورها في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن الهجوم شمل إطلاق 4 صواريخ باليستية وأعقبه صاروخ كروز مضاد للسفن وطائرات مُسيّرة واستمر طوال ساعات الليل، واصفاً الهجوم بأنه كان "معقداً ومتطوراً ومنسقاً".
أهوال الضربات اليمنية على البحرية الأمريكية:
الأهوال التي تعرضت لها المدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية، جراء الضربات اليمنية، أقرّت بها معظم أفراد وجنرالات القوات البحرية الأمريكية من طواقم القطع الحربية البحرية إلى وزير البحرية الأمريكية، الأدميرال كارلوس ديل تورو، الذي تحدث عن دقة وشراسة الصواريخ والمسيّرات اليمنية، مؤكداً في تصريحات صحفية، أن هجمات القوات المسلحة اليمنية "ليست روتينية بأي حال من الأحوال ــ ففي البحر الأحمر، نشارك في أطول عمليات قتالية بحرية متواصلة واجهناها منذ الحرب العالمية الثانية".
وفي مشهد آخر يكشف عن عجز البحرية الأمريكية عن التعامل مع الهجمات اليمنية الذكية، يقول قائد الجناح الجوي الثالث لحاملة الطائرات آيزنهاور، مارتن سكوت، في تصريحات نشرها موقع ""American Homefront الأمريكي، إن "أحد الأشياء التي تعلمها الطيارون الحربيون في البحر الأحمر هو أن الطائرات بدون طيار يصعب رؤيتها على رادار الطائرة".
تطور التكتكيات العسكرية اليمنية:
من خلال هذه التصريحات لكبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين، فإن الحديث لم يعد يقتصر على تطور ودقة استخدام القوات المسلحة اليمنية للصواريخ والطائرات المسيّرة في قصف الأهداف البحرية؛ بل في تطور التكتكيات العسكرية اليمنية ونجاحها في إدارة الاشتباك البحري مع كبرى الأساطيل الأمريكية والبريطانية، وهو ما أكدته الأوساط العسكرية الأمريكية، حيث أقرّت صحيفة "مارين كوربس تايمز" المعنية بأخبار البحرية الأمريكية، بفعالية التكتيكات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية خلال المواجهة البحرية المباشرة مع التحالف الأمريكي البريطاني، قائلةً في تقرير إن "الحوثيون" يحددون مواقع السفن ثم يطلقون طائرات بدون طيار ويطلقون صواريخ مضادة للسفن عليها، ثم ينتقلون إلى مكان آخر، مما يجعل من الصعب تعقبهم، ومشيرةً إلى أن مشاة البحرية الأمريكية يتعلمون من تكتيكات "الحوثيون" في البحر الأحمر.
وقد أوضحت الصحيفة الأمريكية في تقريها، أن اليمنيون أظهروا "أن القوة البرية المجهزة بأجهزة استشعار وصواريخ يمكن أن تشكل تحديات كبيرة للسفن"، مبينةً أن اليمنيين" تطورت جهودهم بسرعة إلى مثال ممتاز لكيفية إجراء استطلاع فعال واستطلاع مضاد ومنع دخول البحر خلال المواجهات".
من جهته، أقرّ موقع "ذا ويرزون" الأمريكي للتحليلات العسكرية، بأن الأساطيل البحرية الأمريكية خاضت معركة قوية وواسعة القوات المسلحة اليمنية، مؤكداً في تقرير نشره أواخر يناير الماضي، أن" القتال الذي خاضه أسطول البحرية الأمريكية خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية مع "الحوثيين" هو الأكثر كثافة بالنسبة إلى ما شهدته سفن الخدمة البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية".
خبراء عسكريون: اليمن هزم أقوى جيوش العالم
النجاح اليمني في تطوير وتطويع قدرات الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيّرات في استهداف السفن والقطع الحربية الأمريكية، كان مذهلاً ومفاجئاً للغاية، حيث لم تنجح 3 حاملات طائرات أمريكية بأساطيلها وبوارجها من اعتراض هذه الصواريخ والمسيّرات، وهي روزفلت وابراهام لينكولن وهاري ترومان، بعد أن تم إرسالها تباعاً إلى البحر الأحمر قبل أن تعود هاربةً تجرُ معها أذيال الهزيمة والانكسار، وهو ما جعلها مادة للسخرية والتندر، وباتت صورة تختزل هزيمة "الإمبراطورية العجوز" يتداولها المحللين والخبراء العسكريين حول العالم لتأكيد أبعاد هذه الهزيمة.
الخبير العسكري والإستراتيجي اللبناني، إلياس حنا، في لقاء مع قناة الجزيرة في تاريخ 10 يناير 2025، أكد أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في هزيمة أهم وأقوى الجيوش في العالم، وأصبحت على نفس المستوى والمسافة مع هذه الجيوش من حيث القوة العسكرية والجيوسياسية، وهو ما أكده أيضاً الخبير العسكري الأردني، اللواء محمد الصمادي، في لقاء تلفزيوني آخر، والذي أشار فيه إلى تطور التكتكيات والأسلحة اليمنية، وعدم قدرة الغرب على مواجهتها وإيقاف الهجمات اليمنية المساندة لغزة.
بدوره، أقرّ محلل المخاطر في شركة لويدز ليست إنتليجنس المتخصصة في مجال البيانات البحرية، بأن القوات المسلحة اليمنية، هي القوة الوحيدة المتحكمة بالبحر الأحمر، مشيراً إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هو خطوة أولى مرحب بها نحو عودة الشحن إلى البحر الأحمر، لكن القوة الحقيقية لإعادة فتح باب المندب أمام جميع حركة المرور لا تزال في أيدي "الحوثيون".
تأثير الأسلحة الباليستية على أنظمة القطع البحرية الأمريكية والبريطانية:
تفوق الأسلحة الباليستية والموجهة والمسيّرات اليمنية خلال المواجهة البحرية مع القطع الحربية الأمريكية والبريطانية، يكشفه أيضاً اندفاع قيادة الأسطول الأمريكي لتحديث أنظمتها البحرية، وترميم جوانب الفشل والإخفاقات التي شهدتها خلال هذه المواجهة، حيث كشفت شركة "بي إيه إي سيستمز" الأمريكية، عن إبرام صفقة بقيمة 70 مليون دولار مع البحرية الأمريكية، لإجراء تحديثات جديدة لمدافع السفن الحربية، لمواكبة التحديات الكبيرة التي أنتجتها المواجهة الاستثنائية مع القوات اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن، خلال العام الماضي، والتي فشلت الولايات المتحدة في تجاوزها، وذلك بعد أيام قليلة من توقف الهجمات اليمنية استجابةً لإعلان وقف إطلاق النار في غزة.
وهو الأمر ذاته الذي اتجهت إليه البحرية البريطانية في أعقاب انتهاء المعركة التي خاضتها رفقة البحرية الأمريكية في مواجهة القوات المسلحة اليمنية، حيث أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، أنها وقعت عقداً بقيمة 285 مليون جنيه إسترليني _ 355 مليون دولار، لتحديث الأنظمة القتالية في أسطولها البحري، بعد عام كامل من المواجهة مع القوات اليمنية.
تطور ذاتي للقدرات العسكرية اليمنية
يجب الإشارة هنا إلى أن التطور النوعي للقدرات العسكرية اليمنية هو تطور ذاتي بتأكيد القيادة السياسية والعسكرية اليمنية، وبإقرار الأوساط الأمريكية أيضاً. ففي تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أواخر يناير الماضي، نقلاً عن خبراء عسكريين ومراقبين، فإن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية على اليمن لم تمنع صنعاء من الاحتفاظ بترسانة عسكرية متطورة، تشمل الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطائرات المسيّرة الهجومية بعيدة المدى، بل أن القوات المسلحة اليمنية تسعى إلى توسيع صناعاتها الدفاعية وإنتاج أسلحة متطورة بكميات كبيرة وباستقلالية تامة.
وهو أيضاً ما أقر به مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفيان، والذي أكد في مؤتمر صحفي أجراه منتصف يناير الماضي، بأن القوات المسلحة اليمنية يمكنها أن تنتج أسلحة بسرعة وببساطة أكثر مما تنتجه الولايات المتحدة الأمريكية، زاعماً أن الأسلحة اليمنية ليست بجودة الأسلحة الأمريكية، لكنه أقر بأنها "جيدة بما يكفي لإحداث تأثير كبير في ساحة المعركة".
آلية تطوير الأسلحة الباليستية التقليدية للحروب البحرية:
استناداً لكل ما سبق، يمكن التأكيد بأن استخدام القوات المسلحة اليمنية الصواريخ الباليستية التقليدية والمسيّرات في قصف الأهداف البحرية المتحركة، واقتحام هذا المجال المعقد والصعب وغير المسبوق في العلوم العسكرية، والتطور الحربي اللاحق في تعزيز قدرات الأسلحة لاستخدامها في هذا المجال، لم يكن مغامرة عسكرية بحتة، بل كان قراراً إستراتيجياً مدروساً بعناية فائقة تم تنفيذه بواسطة خبرات وأدمغة يمنية عملت على ابتكار آليات علمية دقيقة لتطويع ما تملكه من قدرات مادية وفكرية، وذلك لتصنيع أسلحة نوعية من خارج العلوم والقدرات العسكرية المتعارف عليها عالمياً وغربياً على وجه الخصوص، شكلاً ومضموناً واختصاصاً، وعبر مجالات لم تطرقها العقول والأسلحة الحربية من قبل، وهو ما تكشفه حالة الذهول التي أصابت شركات التصنيع الحربي ومراكز البحوث العسكرية العالمية، والتي لم تجد تفسيراً لفشل أحدث التقنيات الأمريكية والبريطانية والغربية أمام الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيّرات اليمنية، سوى أن اليمن بات يملك أسلحة متطورة في هذا المجال، غير معروفة وغير تقليدية، ومن خارج "الصندوق الأمريكي الغربي".
الأمر الذي يمكن تأكيده أيضاً، من خلال المناخ العام الذي يشهده قطاع التصنيع العسكري في اليمن، والتطور الملحوظ في مختلف الأسلحة الهجومية والدفاعية، الجوية والبرية والبحرية، فخلال المعركة التي خاضتها القوات المسلحة اليمنية إسناداً لغزة على مدى 15 شهراً، كشفت القوات اليمنية عن عدد من الأسلحة الإستراتيجية النوعية الجديدة في مختلف المجالات والتخصصات، من بينها صاروخ فلسطين 2 محلي الصنع الذي كشفت عنه القوات المسلحة اليمنية منتصف سبتمبر 2024م، وينتمي إلى طراز الصواريخ الباليستية الفرط صوتية، ويصل مداه إلى 2150 كيلومتراً وتصل سرعته إلى 16 ماخاً، حيث يمتلك الصاروخ القدرة على المناورة وتضليل الدفاعات الجوية المتطورة، ويستطيع قطع مسافات كبيرة في غضون دقائق، ولديه 4 شفرات هوائية تساعد في ضبط مساره، وقد استخدمته القوات اليمنية في تدشين المرحلة الخامسة من التصعيد ضد "إسرائيل" بقصف عدد من الأهداف الحيوية في عمق الكيان الصهيوني خلال معركة طوفان الأقصى، بينها قواعد عسكرية ووزارة الدفاع الإسرائيلية وسط "تل أبيب" بعد تجاوزه المنظومات الدفاعات الإسرائيلية "حيتس" والقبة الحديدية، وكذا منظومة "ثاد" الأمريكية المنتشرة على امتداد المنطقة.
وبدخوله مجال تصنيع صواريخ الفرط صوتية، يصبح اليمن أول دولة عربية منتجة لهذا السلاح الإستراتيجي، وواحدة من 6 دول فقط تمتلك وتصنع صواريخ الفرط صوتية في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.
وفي المجال البحري، كشفت القوات المسلحة اليمنية خلال مناورة عسكرية بحرية أجرتها في 28 أكتوبر 2024م، عن غواصة "القارعة" غير المأهولة والمسيّرة عن بعد، القادرة على تنفيذ عمليات نوعية دقيقة وكبرى ضد السفن والبوارج، وصولاً إلى انتقاء الأهداف الاستراتيجية، فهي تبحر بسرعات عالية تصل إلى أكثر من 5 عقد بحرية، مما يمكّنها التنقل بسرعة عبر المياه، وتنفيذ مهام استطلاعية وهجومية بشكل فعّال، ويعزز قدرتها على جمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب، وتوفير معلومات دقيقة عن الأهداف البحرية المحيطة بها.
وإلى جانب التطور الملحوظ في الأسلحة الهجومية، فقد ظهر أن القوات المسلحة اليمنية باتت تمتلك منظومة دفاعية متطورة، خاصةً بعد نجاحها في إسقاط 14 مقاتلة أمريكية مسيّرة من نوع MQ9 خلال عام واحد فقط من مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، وهو رقم قياسي غير مسبوق لعدد الطائرات التي يخسرها الجيش الأمريكي في حرب على مدى تاريخه، وتعد MQ9 من أحدث الطائرات التجسسية والهجومية التي يمتلكها سلاح الجو الأمريكي، وتصل قيمتها إلى 17 مليون دولار أمريكي.
انعكاسات تغيير المفاهيم العسكرية:
إلى ذلك، فإن أقل ما يمكن قوله عن الملاحم العسكرية التي سطرتها البندقية اليمنية خلال اشتباكها المفتوح مع الأساطيل الأمريكية والبريطانية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب على مدى أكثر من عام، بأنها لن تكون لحظة عابرة تنتهي تأثيراتها بانتهاء الاشتباك المباشر على وقع معركة الطوفان، بل بداية لمرحلة جديدة يلتحم فيها اليمن مع مكتسبات هذه الملاحم وثمار الصمود في وجه أعتى الترسانات الحربية الغربية، والانتقال إلى مصاف الدول الكبرى المتقدمة، كقوة إقليمية صاعدة ومنافسة في مختلف المجالات وعلى رأسها مجال التصنيع العسكري، فمن نجح في تغيير المفاهيم العسكرية وتحويل الصواريخ الباليستية كمضادة للسفن، ونجح في تصنيع صواريخ الفرط صوتية في خضم الحرب والحصار، لديه كل المقومات للوصول إلى ما هو أبعد في عالم الصناعات العسكرية وبزمن قياسي أيضاً، وربما يكون اليمن هو مفاجأة القرن الواحد والعشرين في هذا المجال.
الكاتب: حلمي الكمالي