الأربعاء 29 كانون الثاني , 2025 03:55

بيان المحافظين الجدد: تعليق المساعدات العسكرية للبنان والبقاء في سوريا والعراق!

بيان المحافظين الجدد وإليوت أبرامز

يتمثّل فكر المحافظين الجدد في ضرورة أن تكون الولايات المتحدة سبّاقة في توجيه ضربة إلى أعدائها، فكر قائم على استخدام القوة الصلبة، كالقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية، وأيديولوجيا شبه دينية تعتبر الولايات المتحدة الدولة المثالية التي يجب على العالم الاقتداء بها.

في العام 1996، نشرت مجموعة من استراتيجيي المحافظين الجدد الأميركيين اليهود بقيادة ريتشارد بيرل، بناءً على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثاً بنيامين نتنياهو، وثيقة رئيسية لصياغة السياسات المحافظة الجديدة بعنوان "الانفصال النظيف: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة (إسرائيل)".

وقد دعا التقرير إلى اعتماد سياسة أكثر عدوانية في الشرق الأوسط من جانب الولايات المتحدة للدفاع عن مصالح "إسرائيل"، بما في ذلك إطاحة صدام حسين في العراق واحتواء سوريا من خلال سلسلة من الحروب بالوكالة، والرفض الصريح لأي حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من شأنه أن يشمل دولة فلسطينية. كما دعا التقرير إلى إقامة تحالف بين "إسرائيل" وتركيا والأردن ضد العراق وسوريا وإيران.

واليوم، أصدر أحد أبرز المحافظين الجدد على مدى الجزء الأكبر من نصف القرن الماضي سلسلة شاملة من التوصيات بشأن السياسة في الشرق الأوسط لإدارة ترامب الجديدة، والتي تعد كلها تقريباً أفكاراً من الممكن أن يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود برحابة صدر.

التقرير الصادر في شهر كانون الثاني/يناير 2025 والمكون من 16 صفحة، بعنوانصفقات القرن: حل أزمة الشرق الأوسط "، صادر عن تحالف فاندنبرغ، الذي أسسه ويرأسه إليوت أبرامز، الذي شغل مناصب عليا في السياسة الخارجية في كل إدارة جمهورية منذ رونالد ريغان (باستثناء إدارة جورج بوش الأب)، بما في ذلك منصب المبعوث الخاص لفنزويلا ثم لإيران خلال فترة ولاية ترامب الأولى.

وبحسب مقال لصحيفة responsible statecraft، تم إنشاء التحالف بعد وقت قصير من تولي الرئيس السابق بايدن منصبه، وكان بمثابة مشروع حديث للقرن الأمريكي الجديد، وهي منظمة رأسية عملت كمركز ومنصة للمحافظين الجدد المؤيدين لحزب الليكود، والقوميين العدوانيين، واليمين المسيحي في حشد الدعم العام لـ "الحرب العالمية على الإرهاب"، وغزو العراق عام 2003، والابتعاد عن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخاصة في ظل إدارة جورج دبليو بوش التي عمل فيها أبرامز كمساعد خاص للرئيس ومدير أول لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، ونجا من عدد من عمليات التطهير للمحافظين الجدد البارزين في تلك الإدارة بعد احتلال العراق.

يدعو التقرير الجديد الإدارة الجديدة، إلى "استخدام كل عناصر القوة الوطنية [الأميركية]" لمنع إيران، "التي تشكل التهديد الأعظم للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط والسبب وراء أغلب مشاكل الأمن في المنطقة"، من امتلاك قنبلة نووية. ويصف التقرير إسرائيل بأنها "حليفتنا الأساسية في المنطقة" والتي يتعين على واشنطن أن تزودها بكل "الأسلحة التي تحتاج إليها لمساعدتها على الفوز بالحرب ومنع التصعيد على نطاق أوسع".

وتدعو التوصيات أيضاً واشنطن إلى الحفاظ على وجودها العسكري في كل من العراق وسوريا، وتعليق جميع المساعدات للقوات المسلحة اللبنانية (الجيش والقوى الأمنية اللبنانية) "حتى تظهر استعدادها لمعارضة حزب الله، وتسريع مبيعات الأسلحة الأمريكية وتوسيع التعاون الاستخباراتي مع الإمارات العربية المتحدة، وتعزيز التعاون العسكري والأمني ​​مع المملكة العربية السعودية شريطة أن "تبتعد عن الصين وروسيا".

كما يدعو التقرير السعوديين إلى "زيادة التزاماتهم بالاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الأميركية"، و"التوقف عن الإدلاء بتصريحات عامة" تنتقد إسرائيل وتدعم إيران. ويؤكد التقرير أن "التعاون المعزز مع المملكة العربية السعودية يجب أن يكون مشروطاً بأن يكونوا واضحين في الجانب الذي يقفون فيه".

كما ينبغي لواشنطن أن تصنف قوات الحشد الشعبي العراقية المدعومة من إيران والميليشيات المرتبطة بها كمنظمات إرهابية أجنبية، وأن تتوقف عن التعامل معها سياسياً، وأن تعمل مع المجلس الرئاسي اليمني المدعوم من السعودية ضد الحوثيين الذين أشاد التقرير بتصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية الأسبوع الماضي. وفيما يتعلق بالحكومة الجديدة في سوريا، يقول التقرير إن العقوبات المستمرة، التي ساعدت في شل اقتصاد البلاد، لا ينبغي رفعها "ما لم تثبت الحكومة الجديدة أنها جهة فاعلة مسؤولة"، رغم أنه لا يصف ما يعنيه ذلك بأي تفاصيل.

وبعيداً عن وضع إيران باعتبارها العدو رقم واحد في التقرير، فقد احتوى التقرير على ازدراء خاص لقطر، التي لعبت دوراً محورياً في التوسط بين إسرائيل وحماس بشأن مصير الإسرائيليين المحتجزين في غزة والفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل. كما احتوى التقرير على ازدراء مماثل للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وللوكالات المختلفة التابعة للأمم المتحدة، ولا سيما "وكالة الأونروا"، التي عملت مع اللاجئين الفلسطينيين وأسرهم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لأكثر من 70 عاماً، وكبار مسؤولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذين يتعاملون مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على وجه الخصوص. ويتعين على واشنطن "وقف كل التمويل للأونروا على الفور" وكذلك لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية ما لم يتم منح قواتها السلطة وإظهار الإرادة لمواجهة قوات حزب الله في المنطقة.

أما بالنسبة لقطر، فقد "عملت على تقويض المصالح الأميركية من خلال التعاون مع إيران وإيواء الجماعات الإرهابية مثل حماس"، بحسب التقرير. "مع وجود أصدقاء أفضل بكثير مثل السعوديين، لم تعد واشنطن بحاجة إلى التسامح مع السلوك القطري المزعزع للاستقرار"، وبالتالي يجب نقل المقر الأمامي للقيادة المركزية الأميركية من قاعدة العديد الجوية في قطر وإلغاء "وضع الحليف الرئيسي غير التابع لحلف شمال الأطلسي" للدوحة ما لم يتغير سلوكها. يجب منح هذا الوضع للإمارات العربية المتحدة بدلاً من ذلك، وفقاً للتقرير، شريطة أن "تقلل من اعتمادها على البائعين الروس والصينيين" للمعدات العسكرية.

ويذكّر التقرير، الذي يصف سياسات إدارة بايدن في الشرق الأوسط في أكثر من مناسبة بأنها "استرضاء"، وخاصة تجاه إيران، القارئ بأن ترامب أعلن الشهر الماضي فقط أن "الشرق الأوسط سوف يُحل"، وهي العبارة التي ألهمت بلا شك عنوان التقرير: "صفقات القرن: حل أزمة الشرق الأوسط".

وفي عرضه لما أسماه "المصالح الأميركية الرئيسية في الشرق الأوسط"، يضع التقرير "منع إيران من تطوير سلاح نووي على رأس القائمة"، لكنه يعرب أيضاً عن انزعاجه من توغلات الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، مشيراً إلى أن الحزب الشيوعي الصيني هو "العدو العالمي الرئيسي" لواشنطن. وفي إطار "الحرب العالمية على الإرهاب"، يقول التقرير إن واشنطن يجب أن "تحرم الإرهابيين الجهاديين من ملاذ آمن"، في إشارة جزئية إلى الضرورة التي يشعر بها مؤلفو التقرير للاحتفاظ بالقوات الأميركية في سوريا والعراق.

ولكن "تحالف أميركا مع إسرائيل يشكل محوراً للمصالح الأميركية في المنطقة، نظراً لأنه يعزز القيم الأميركية في الشرق الأوسط ويوفر خط الدفاع الأول ضد العدوان الإيراني". وعلاوة على ذلك، ينبغي لواشنطن أن تحاول توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، و"لا ينبغي للقضية الفلسطينية أن تعيق تطبيع إسرائيل مع الدول العربية والإسلامية أو تعرض أمنها للخطر بأي شكل". ويتعين على واشنطن "ضمان حصول إسرائيل على الأدوات اللازمة للدفاع عن نفسها".

ووفقا للتقرير فإن هناك مصلحة أخرى تتمثل في توسيع نطاق وصول "الحلفاء والشركاء في أوروبا" وأماكن أخرى إلى إمدادات الطاقة في المنطقة.

ولزيادة الضغط على إيران، يوصي التقرير بأنه لا ينبغي لواشنطن أن تعيد فرض حملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب فحسب، بل ينبغي لها أيضاً أن تدرج ضمنها إقناع بريطانيا وفرنسا وألمانيا بفرض "عقوبات سريعة" على طهران في الأمم المتحدة مما يوفّر إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد من شأنه "منع تخصيب اليورانيوم الإيراني بما يتجاوز الكميات الصغيرة اللازمة لبرنامج نووي مدني"، وهو ما حققته خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، قبل أن ينسحب منها ترامب، عام 2018 تحت تأثير المحافظين الجدد مثل أبرامز. وإذا أمكن التوصل إلى اتفاق، وفقا للتقرير، فيجب التعامل معه باعتباره معاهدة؛ أي إخضاعه لأغلبية الثلثين من الأصوات في مجلس الشيوخ.

وفيما يتصل بالفلسطينيين في أعقاب انتهاء الحرب على غزة بعد 15 شهراً، فإن "السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين لابد وأن تعطي الأولوية لأمن إسرائيل وشركائنا العرب". ويتعين على واشنطن "أن تفرض معايير الحكم الرشيد. ويتعين على الولايات المتحدة أن تسمح لوصاية عربية بالسيطرة على غزة بعد الحرب". وبكلمات "تدفئ" قلب نتنياهو، يشير التقرير إلى أن "ضعف السلطة الفلسطينية وعدم كفاءتها يعنيان أنها غير قادرة على حكم غزة"، وأن "إسرائيل سوف تحتاج إلى الحفاظ على السيطرة الأمنية لمنع حماس من إعادة البناء، ولكنها لا ينبغي لها أن تحكم غزة بنفسها، ولا أن ترغب في ذلك".

لقد شكل المحافظون الجدد مع الوقت أيديولوجية سياسية معقدة ومتطورة، وكانت مواقفهم في السياسة الخارجية محل خلاف داخلي وعدم ترحيب خارجي. ومن الضروري اليوم أن تلتفت الأنظار وتتركّز على ما يجري داخل الولايات المتحدة، خصوصاً لجهة علاقة وتأثير المحافظين الجدد على إدارة ترامب، أو ربما الصدام بينهم أو التوافق جزئياً في بعض ملفات السياسة الخارجية، التي تبدو بناءً على بيانهم أعلاه متطرفة جداً تجاه الشرق الأوسط وتشكّل خطورة كبيرة على دول وشعوب المنطقة. فهل ستتسلل رؤية المحافظين الجدد إلى عقل ترامب الجمهوري وفريق عمله أم أن ترامب العازم على إنهاء الحروب في الشرق الأوسط لن يرضخ لأصواتهم لاعتقاده بأن الزمان ليس زمانهم؟


الكاتب: حسين شكرون




روزنامة المحور