تعكس التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية الإسرائيلية تحولًا في نظرة كيان الاحتلال للأمن في العالم العربي. هذا الأمر يثير تساؤلات حول نية الكيان في تغيير عقيدته الأمنية التقليدية، وحول ما اذا كان ينوي لإقامة تحالفات دفاعية مع بعض الفاعلين العرب من أجل تحقيق أهدافه ضد نفوذ طهران.
هذا ما أشار إليه الباحث السياسي حامد حسيني في مقال تحت عنوان "رد إسرائيل الأمني على التطورات في المنطقة: استمرار أم تمزق؟" نشره مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط. وخلُص حسيني إلى أن كيان الاحتلال يسعى لأن يبدو متفائلًا في الوقت الحالي لإنشاء ترتيبات أمنية إقليمية جديدة.
ولفت الكاتب إلى أن تغيرًا جيوسياسيًا قد يطرأ على المنطقة وذلك من خلال تشكيل تحالفات جديدة لتحقيق توازنات جديدة ضد الكيان الإسرائيلي خاصة إذا شعرت القوى الإقليمية أن تهديداً ما قد يلحق بمصالحها. لكن القضية الفلسطينية كونها لا تزال قضية إقليمية ذات أبعاد تاريخية ودينية وثقافية، تحول دون ذلك إذ لا يمكن للاحتلال والعرب المطبعين والحلفاء تجاهلها.
الترجمة الكاملة للمقال:
أشار وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس" في مارس 2021، إلى رغبة الکیان الصهيوني في تشكيل تحالف أمني إقليمي خاص مع دول الخليج، أي الحلفاء الجدد الذين لدیهم علاقات مع إسرائيل، مع وجود مخاوف بشأن إيران. حيث تعكس التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية الإسرائيلية أيضًا تحولًا في نظرة الکیان الصهیوني للأمن في العالم العربي، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الكيان الصهيوني قد غير عقيدته الأمنية التقليدية.
هل ينوي الكيان الصهيوني إقامة تحالفات دفاعية مع بعض الفاعلين العرب؟ أم أن تصرفات هذا الفاعل هو أکثر من مجرد محاولة للتنسيق والتعاون الأمني مع بعض الدول العربية من أجل تحقيق أهداف الكيان ضد نفوذ طهران؟
الناتو الإسرائیلي:
في ضوء الإجراءات الأخيرة، يقول بعض المحللين إن الكيان الصهيوني وعلی غرار النموذج التاریخي، يعمل على بناء تحالف دفاعي مع بعض الدول العربية في المنطقة. ما يعزز هذه التكهنات هو وجهة نظر "رونالد لودر"، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، الذي قالها في سنة 2021، وأعلن نهاية الصراع العربي الإسرائيلي وبداية مرحلة جديدة من التحالف الاستراتيجي بين العرب وإسرائيل، لا سيما بعد توقيع اتفاق السلام الابراهيمي. من جانب الآخر، وبالنظر إلی تزاید مخاوف الکیان الصهیوني بشأن نفوذ إيران في المنطقة، وكذلك الشكوك حول قدرة الغرب على تغيير سلوك إيران، يعتقد لودر أن الوقت قد حان لتشكيل تحالف دفاعي استراتيجي علی غرار حلف شمال الأطلسي، حیث لعب دورًا محوریاً منذ نشأته علی صعید توفیر الأمن والثبات في أوروپا، في مواجهة التهديدات السوفيتية.
يقترح لودر بأن التحالف الجديد، الذي سماه "منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط" (MEDO)، يجب أن يشمل دولًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذين لديهم معاهدة سلام سابقة ومعلنة مع إسرائيل، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. كما وسع لودر دائرة هذا التحالف لیشمل اليونان وقبرص وبعض الدول الأفريقية لمواجهة النفوذ التركي في المنطقة.
على الرغم من تفاؤل لودر، فإن تشكيل تحالف دفاعي عربي إسرائيلي شبيه للناتو في المستقبل القريب سیکون صعباً. فوفقا لصراع الناتو، الذي يضم 30 عضوًا، الذي تنص المادة 5 من ميثاقه أن أي هجوم على عضو أو عدة أعضاء، يعتبر هجومًا على الأعضاء الآخرين؛ وبالتالي، يتحمل أعضاء الناتو مسؤولية جماعية للدفاع والرد على أي هجوم يستهدف عضوًا في الحلف. ومع ذلك، فإن آليات الدفاع التابعة لحلف الناتو تتعارض مع العقيدة الأمنية لإسرائيل وصراعها مع العالم العربي على مدى العقود السبعة الماضية. حيث تشكلت عقيدة إسرائيل الأمنية منذ نشأة الکیان الصهیوني لأن الکیان یعيش في جو إسلامي وعربي معارض له.
بالتالي، أقام الكيان الصهيوني عقيدته الأمنية على أساس الفرضية القائلة إن قوة الجيش وحدها هي الضمان لحماية الکیان في مواجهة الهجمات والتهديدات الداخلية والخارجية، وهذا النهج متجذر في المجتمع والسياسة. وعلی اساس هذا المنطق، صرح "بنيامين نتنياهو" في أغسطس 2018؛ إنه لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي من دون اسلحة وقوة الدفاع. وأضاف نتنياهو أن السلام سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في العالم يحتاج إلى القوة، وعلى حد قوله: الضعيف يسقط.. يذبح ويمسح من التاريخ؛ بينما يعيش الأقوياء.. والقوي يحظى بالاحترام ويتم إجراء التحالفات مع الفاعل القوي. ومن وجهة نظر الکیان الصهیوني، فإن اتفاقية السلام مع مصر (1979) والأردن (1994) لما کانت قد وقعت من دون رادع مؤثر وفعال. من الجانب الآخر رفض الکیان الصهیوني المشاركة في التحالفات الأمنية مع جهات غير عربية لأن هذه التحالفات الإقليمية لم تكن جزءًا من المبادئ الأمنیة لمؤسسیها.
في الحالات النادرة الذي شكل فيها الکیان الصهیوني بعض التحالفات مع الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل العلاقات الوثيقة مع إيران وتركيا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كانت تلك العلاقات سرية إلى حد كبير وكانت محدودة في طبيعتها ولم تكن الدعامة الأساسية لاستراتيجية الکیان الصهیوني.
يدرك الكيان الصهيوني أنه لا يوجد أصدقاء أو أعداء دائمون في عالم المنافسة الجيوسياسية، بل هناك مصالح. أصبحت تركيا اليوم منافسًا استراتيجيًا، والكيان الصهيوني متورط مع أنقرة في عدد من القضايا الإقليمية. وينطبق هذا الأمر کذلك على إيران، التي تحولت من حليف سابق واختارت طريق العداء الاستراتيجي الجاد مع الکیان منذ اندلاع الثورة الإسلامیة عام 1979.
العنصر الإیراني:
أدى صعود إيران على المستوى الإقليمي وجهودها على صعيد تحقيق القدرات النووية، إلى تغيير المنظور الأمني للکیان الصهیوني في المنطقة العربية، وسعى الکیان إلى استبدال بعض التهديدات التقليدية بأخرى جديدة. تستند العقيدة الأمنية الإسرائيلية الحالية إلى حقيقة أنه، في ضوء التغييرات والاتجاهات في المناطق الاستراتيجية، لم يتم تهديد وجود الکیان الصهیوني أو وحدة أراضيه ما لم تنتج إيران الأسلحة النووية أو لم يكن لديها توازن استراتيجي جديد.
لكن هذا ليس كل شيء. لا شك في أن تصريحات كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين تظهر زیادة قلق الکیان جراء نفوذ إيران في المنطقة. حيث ركز مؤتمر هرتسيليا 2020 - باعتباره أحد أهم الأحداث التي تشكل السياسة الأمنية الإسرائيلية- على اثنين من الاهتمامات الرئيسية للكيان، کجزء من الأولويات السياسة الإسرائيلية:
أولا: الأسلحة النووية وهيمنة إيران الإقليمية:
حيث یخشى الكيان الصهيوني من أن تتمكن إيران في نهاية المطاف من تطوير الأسلحة النووية، وتتزايد مخاوف الکیان من إمكانية زیادة وتیرة صنع الأسلحة النووية الإيرانية ومع زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة إلى مستويات أعلى والتسريع في صنع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وفیما لو حدث ذلك، فإن ميزان القوى بين إيران والکیان الصهیوني ستحول إلی ديناميكية إقليمية جديدة، الامر الذي یزید قلق الکیان للغایة من تداعیاتها.
بالإضافة إلى القضية النووية، يلعب كل من حزب الله وحماس دورًا مهمًا في سياسات الکیان الإقلیمیة حیث يشكلان تهديدًا متزايدًا لأمن الکیان. ولاسيما بما ان الکیان الصهیوني حارب حزب الله (لبنان) في صيف عام 2006 وكذلك خاض ثلاث حروب مع حماس في غزة (2008، 2012، 2014)، فقد ادت تلك الحروب إلی تعزیز قدرة هاتین الحركتين على مهاجمة الكيان الصهيوني في الساحة الداخلية.
ثانيا: انخفاض لافت علی صعيد مشاركة الولايات المتحدة في مسارات منطقة الشرق الأوسط:
اعتمد الكيان الصهيوني منذ أواخر الستينيات، بشكل متزايد على توفير الدعم من الولايات المتحدة وتوفیر تفوقه في المنطقة. بما أن التصريحات الأمريكية لا تزال تؤكد على التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، لكن التغييرات الأخيرة على الساحة الدولية (الصراع الأمريكي الصيني الروسي المتزايد) والداخل المحلي الأمريكي (الانقسامات الحزبية الداخلية وجائحة كورونا) قد تثير بعض المخاوف.
تتزايد مخاوف الکیان الصهیوني من الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة. حث يعتقد الكيان أن واشنطن لم تفشل فقط في التوصل إلى تشکیل استراتيجية فعالة للتعامل مع القضية النووية الإيرانية فحسب، بل تحاول أيضًا تقليص انخراطها في قضايا الشرق الأوسط. ویشعر بالقلق من أن نهج الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن الذي سيؤدي إلى تسوية مع إيران ويستبعد خيار استخدام القوة العسكرية. في كلا الحالتين، يدرك الكيان الصهيوني أن خياراته تتضاءل مع عدم رغبة الولايات المتحدة في لعب دور حاسم في برنامج إيران النووي. في الواقع، فإن العزلة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لم تقلل من أهداف إيران، سواء علی مستوی امتلاك التكنولوجيا النووية أو النفوذ في منطقه الشرق الأوسط. یضع الکیان الصهیوني الیوم استراتيجية للضغط على إيران حیث لها ظروف مؤاتیة لبعض الدول العربية وتركز بشكل أساسي على التنسيق والتعاون الأمني. وفی هذا المسار، یعتمد الکیان الصهیوني على موجة تطبيع للعلاقات وذلك لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة. ورغم كون اتفاقيات التطبيع لم تنص على تشكيل التحالف الدفاعي المشترك؛ إلا أن التعاون والتنسيق الأمني، هو من المکوّنات المهمة في هذه الاتفاقيات. على سبيل المثال، أعلنت منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية في كانون الأول (ديسمبر) 2020 أن "إسرائيل" مستعدة للتعاون في مجال الدفاع الصاروخي مع دول الخليج الفارسي التي تشاركها مخاوف مشتركة بشأن إيران. وقد نقلت وزارة الدفاع الأمريكية في يناير 2021، الکیان الصهیوني من مقر القيادة الأوروبية USEUCOM إلى مقر القيادة المركزية USCENTCOM، وذلك لتعزيز التنسيق الأمني بين الكيان الصهيوني وشركائه الجدد في الخليج الفارسي. في الواقع، يسعى البنتاغون حالیاً إلى توحيد حلفائه الأساسيين في المنطقة وتحفيز العمل المشترك ضد التهديدات الإقليمية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة التعاون العسكري والاستخباراتي بين الجيش الإسرائيلي والقوات الأمريكية من جهة وبعض الجهات الفاعلة المتحالفة مع أهداف واشنطن والکیان الصهیوني من جهة أخرى.
التحدیات المقبلة:
تواجه جهود الکیان الصهیوني لفتح ساحة أمنية جديدة بمشاركة بعض الفاعلين العرب، ثلاثة تحديات مترابطة حیث من المحتمل أن تؤثر على قدرة الکیان الصهیوني على تشكيل تحالفات أمنية أستراتيجية وقوية مع الدول العربية:
أولاً: تواجد التيار اليميني الإسرائيلي
منذ أكثر من عقد، یشهد الکیان الصهیوني عددًا متزايدًا من القوى اليمينية او اليمينية المتطرفة التي ترفض العلاقات الوثيقة مع العرب. بالنظر إلى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أجريت في آذار 2021، أصبح اتجاه المجتمع الإسرائيلي نحو عمل الأحزاب اليمينية، حقيقة راسخة وهامة. منذ أبريل 2019، دخل الكيان الصهيوني أزمة حكم غير مسبوقة، حيث أجريت أربع انتخابات دون أن تتمكن إحدى الكتل الرئيسية من تشكيل حكومة مستقرة. تنقسم "إسرائيل" حاليًا إلى كتلتين رئيسيتين، حیث يلعب فيهما اليمين واليمين المتطرف دورًا مهمًا فيها.
يشكل حزب الليكود، بزعامة نتنياهو، كتلة تتكون بشكل أساسي من أحزاب يمينية ودینیة متطرفة. من جهة أخرى، الكتلة الثانية، تتكون من مزيج من الأحزاب المتصارعة ذات الأيديولوجيات المختلفة، مثل حزب "الأمل الجديد اليميني" بقيادة "جدئون سعر"، وحزب "يمينا" بقيادة "نفتالي بينيت"، وحزب "إسرائيل بيتنا" الذي يقوده "أفيغدور ليبرمان" والأحزاب التابعة للمعسكر المركزي مثل "حزب المستقبل" بقيادة "يائير لابيد" وحزبي العمل و"میرتس" اليساریین. إن القاسم المشترك لمعظم الأحزاب، هو معارضة نتنياهو والسعي لإطاحته من السلطة، بينما يرفض معظمهم السلام مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.
بعض الأحزاب اليمينية التي سیکون لهم دور فعال في تشكيل أي حكومة إسرائيلية مستقبلية، مثل حزب "الیمنيي المتطرف" بقيادة "بنت" المتطرف، يتبنون عدائیة علنیة للعرب والمسلمين ويعارضون أي خطوة حقيقية نحو السلام مع العالم العربي ولدول الإسلامية.
ثانيًا: رفض آلية حل الدولتين
أدى ظهور القوى اليمينية في المجتمع الإسرائيلي إلى تقليل الدعم لحل سياسي للقضية الفلسطينية. حيث إن غالبية الإسرائيليين يرفضون حالیاً إقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين. بينما يروج نتنياهو للسلام مع العالم العربي، استبدل الجناح اليميني الإسرائيلي، الأيديولوجية المتشددة بمبدأ الأرض للسلام حیث يركز على إدارة الصراع الفلسطيني وليس حله. وافق حزب الليكود في عام 2018، على مشروع قرار يفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وتوسیعها في الضفة الغربية المحتلة (بما في ذلك القدس وضمها للسيطرة الإسرائيلية، لإنهاء أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة). ولا يقتصر رفض الحل السلمي للقضية الفلسطينية على التيارات اليمينية فحسب، بل يمتد اليوم ليشمل القوى اليسارية التي دعمت تاريخياً حل الدولتين. لقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة هآرتس اليسارية في آذار (مارس) 2019 أن 42٪ من الإسرائيليين - بما في ذلك مؤيدي التيارات الرئيسية والأحزاب اليسارية - يؤيدون نوعاً ما، شکلاً من الانضمام، بينما يؤيد ثلثٌ من الإسرائيليين (34٪) فقط حل الدولتين. واللافت في هذا الاستطلاع أن فقط 41٪ من ناخبي حزب العمل يعارضون أي انضمام للضفة الغربية.
ثالثًا: تضارب المصالح الإقليمية
ليست كل الدول العربية والإقليمية لديها نفس اهتمامات الکیان الصیهوني وحلفائه الخليجيين. بينما يسعى الكيان إلى تطوير تطبیع العلاقات الجديدة مع الدول العربية لصالح مصالحه الاقتصادية والسياسية والأمنية، إلی إن مصر قلقة من تزايد نفوذ الکیان الصهیوني الإقليمي وتهمش القاهرة من جراء هذه الإجراءات. من الناحية الجيوسياسية، يمكن أن یکون الکیان الصهیوني صلة وصل وجسراً برياً بين العالم العربي وأوروبا، مما يعني تهميش قناة السويس حيث تشكل القناة الشريان الحيوي لنفوذ مصر واقتصادها.
لا یخفي الکیان الصهیوني خططه المستقبلية لتوسيع خطوط أنابيب النفط بين مينائي "إيلات "و"عسقلان" من جهة ودول الخليج الفارسي من جهة أخرى؛ لتقليل تكاليف ومخاطر مهاجمة ناقلات النفط أو القرصنة. في الواقع، وقع الكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة اتفاقية لنقل نفط الخليج الفارسي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الذي يربط بين ميناء "إيلات" في البحر الأحمر و"عسقلان "في البحر الأبيض المتوسط.
السيناريوهات المتوقعة
بناءً على البيانات المتوفرة، يمكن رسم السيناريوهات المحتملة التالية لعلاقات الكيان الصهيوني الأمنية والسياسية مع المنطقة:
القيادة الإقليمية: من المرجح أن ينتهج الكيان الصهيوني استراتيجية فعالة لضمان أمنه وتفوقه العسكري النوعي والكمي في المنطقة. حيث تشير تقارير عديدة إلى أن الكيان الصهيوني يمتلك ترسانة نووية لم يتم الإعلان عنها رسميًا بعد. ونتيجة لذلك، فإن عقيدته الأمنية تقوم على منع منافسيه من تحقيق مكاسب في المنطقة، وبالتالي خلق توازن جديد للقوى قد يؤدي إلى تحول التحالفات الإقليمية. على الأرجح، لن يتردد الكيان الصهيوني في استخدام كل الخيارات لمنع إيران من الحصول على الطاقة النووية. ولا يخفي الكيان الصهيوني نيته استخدام القوة العسكرية كما فعل في المشروع النووي العراقي عام 1981 أو البرنامج النووي السوري عام 2007. كما أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لم تتوقف في الأشهر الأخيرة والتهديد ضد برنامج إيران النووي، ويمكن تفسير عملیات التخريب الأخير لمنشآت إيران النووية في هذا السياق.
التنسيق الأمني، أو التحالف الدفاعي: من غير المرجح أن تتحول علاقات الکیان الصهیوني مع الدول العربية قريبًا إلى تحالف دفاعي تقليدي يشبه حلف الناتو. ومع ذلك، من الممكن أن يستمر التعاون الأمني والاستخباراتي والعلاقات المنسقة لخدمة أهداف الكيان في المنطقة وضد أعدائه. ما يريده الكيان الصهيوني هو ایجاد نوع من التنسيق الأمني، على غرار التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من هذه العلاقات، وفي الوقت نفسه اكتساب ميزة تفوقه على حساب العالم العربي وتطهير المنطقة من المنافسين حيث بامكانهم تغيير توازن القوى (بما في ذلك امتلاك الطاقة النووية) في المنطقة.
الرد إلإیراني: فيما اندلعت حرب بين إيران والکیان الصهیوني، فمن المرجح أن تبقى إيران في المستقبل المنظور كلاعب إقليمي مهيمن في المنطقة. بالتالي، يجب على بعض الجهات الفاعلة التي تتماشى مع أهداف الكيان الصهيوني أن تأخذ بعين الاعتبار أنه في حال شن هجوم عسكري على إيران، فإنهم سيدفعون أيضًا ثمن طموحات الكيان الصهيوني. على وجه التحديد، تعتبر إيران، وجود الکیان تهديدًا مباشرًا لها، وبالتالي تحمل الإمارات والبحرين المسؤولية إذا سمحت للكيان بفتح قدمها على حدودها. في ضوء ذلك، من المرجح أن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، قد یؤدي إلى استهداف طهران لتلك الدول. بالتالي بالنظر إلى هذا الوضع، طالما الإمارات والبحرين لا تربطهما علاقات أمنية خاصة ومشتركة مع الكيان الصهيوني، فلم يكن الكيان ملزم بالدفاع عنها في حال قررت إيران الرد.
الإستنتاج:
في الوقت الحاضر، يبدو أن الکیان الصهیونی متفائل بشكل مفرط في جهوده لإنشاء ترتيبات أمنية إقليمية جديدة.
بغض النظر عما سیکون مستقبل توازن القوى بين إيران والقوى الوکیلة لدیها من جهة، والکیان الصهیوني وحلفائه الجدد من جهة أخرى، تشير التقلبات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط إلى أن التحالفات الجيوسياسية قد تتغير بشكل مفاجئ وغير متوقع. من جانب، من الممكن أن يتم تشكيل تحالفات جديدة لتحقيق توازنات جديدة ضد الکیان الصهیوني، خاصة إذا شعرت القوى الإقليمية تهديداً ما، ضد مصالحها الجيوسياسية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قضية فلسطين، لها تداعيات كبيرة على علاقات الأطراف الإقليمية حیث المشكلة الحقيقية التي يحاول بعض الفاعلين تجاهلها أو على الأقل يتظاهرون بعدم وجودها.
لا تزال قضية فلسطين قضية إقليمية ذات أبعاد تاريخية ودينية وثقافية، ولا يمكن للکیان الصهیوني وحلفائه العرب تجاهلها. صحيح إن مسار علاقات الكيان الصهيوني مع بعض الدول العربية أتحذت شكلاً جديدًا، لكن من المستبعد تشكيل تحالفات دفاعية قوية مع الکیان الصهیوني قبل حل القضية الفلسطينية. كما أن العديد من الدول العربية لا تريد تصنيفها تزامناً على أنها حليفة للکیان الصهیوني، بينما يرفض المجتمع الإسرائيلي الرغبة في السلام مع الفلسطينيين ويفضل بدلاً من ذلك، دعم قوى اليمين المتطرف المعادية للجاليات العربية والإسلامية.
المصدر:
رفتار امنیتی اسرائیل در قبال تحولات منطقه: تداوم یا گسست؟
المصدر: مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط
الكاتب: حامد حسيني