شهدت القذائف من نوع الهاون على كلّ الحروب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة مع كيان الاحتلال، وكانت الى جانب الصواريخ التي تطوّرت تدريجيًا من معركة الى أخرى. بل إنّ المقاومة، وفي الكثير من المعارك أو الجولات، اعتمدت على الهاون كسلاح رئيسي في تحقيق الأهداف العسكرية. أثبتت المقاومة قدرتها على المناورة عبر هذه القذائف وتحقيق أضرار في الجبهة الداخلية، انعكست ارباكًا لدى مستويات الاحتلال التي انشغلت في قراءة وتحليل مميزات الهاون، وماذا حقّقت للمقاومة في غزّة في الفترة الأخيرة؟
استخدمت المقاومة الفلسطينية قذائف الهاون خلال الجولة الأخيرة في الثالث من أيار / مايو الجاري ردًا على اغتيال الاحتلال للأسير خضر عدنان الذي كان قد أضرب عن الطعام 87 يومًا احتجاجًا على اعتقاله. خاضت الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية معركة الرّد مستهدفةً مستوطنات غلاف غزّة، ومحقّقة الأضرار.
اعتمدت سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) في معركتها "وحدة الساحات" أيضًا على قذائف الهاون، وحينها كثّفت السرايا من ضرباتها على مستوطنات الغلاف. وقبلها في العام 2014، وخلال معركة "البنيان المرصوص"، أطلقت السرايا على جولة من استهداف مستوطنات غلاف غزّة اسم "جحيم الهاون".
لم تغب قذائف الهاون عن معركة "سيف القدس" في أيار / مايو من العام 2021، على الرغم من أنّ تلك المعركة شملت دخول صواريخ ثقيلة وبعيدة المدى لأول مرّة في تاريخ المقاومة الفلسطينية (مثل صاروخي عيّاش 250 وصاروخ قاسم)، الا أنّ المقاومة لم تستغنِ عن قذائف الهاون.
مميزات الهاون للمقاومة في غزّة
سمحت قذائف الهاون للمقاومة الفلسطينية من تحقيق بعض الأهداف ومن إحداث خرق في جبهة الاحتلال ومنظومته الأمنية، مستفيدةً من مميزات هذا النوع من السلاح، وأبرزها:
_ الرماية القوسية (أي يرمى من زاوية 45 درجة إلى زاوية 90 درجة - زاوية عمودية من الناحية النظرية)، تساعد هذه الميزة على تجاوز القبة الحديدية.
_ يمكن إطلاق هذه القذائف من أكثر من زاوية ويصعب رصده من أجهزة الرادار التي يزرعها الاحتلال، خاصة على الحدود. مع إمكانية تعديل الرمايات من خلال الراصد الأرضي للموقع المستهدف.
_ قد لا تتأثر رماية الهاون بدرجة كبيرة بأحوال الطقس.
_ سهولة اخفائه وتمويه عن منظور الطيران الاستطلاعي والحربي، ويمكن إطلاق القذائف من خلال التربيض فوق الأرض أو عند نهاية تفرع غرف الأنفاق تحت الأرض. بالإضافة الى ذلك فإنّ قذيفة الهاون لا ينبعث من خلفها دخانًا، مما يصعّب على طائرات الاحتلال الاستطلاعية، والمنظومة الاستخباراتية من اكتشاف مرابط الاطلاق ومواقعها.
_ حتّى عند اكتشاف بعد منصات الاطلاق، يعترف الاحتلال أنّ "مهاجمة مدفع أو منصة إطلاق الهاون يتطلّب دقة عالية وسرعة حركة"، حسب ما ينقل موقع N12 العبري، فـ "من أجل قصف وتدمير مدفع هاون يجب أن تسقط القنبلة عليه مباشرة أو على مسافة قصيرة جدًا منه".
_يسمح الهاون للمقاومة بتكثيف ضرباتها على الجبهة الداخلية للاحتلال، لأنه يتمتع بإمكانية الرماية على أكثر من هدف من نفس المكان، وتزامن الإطلاق مع تزامن الإصابة، ومتابعة الرماية.
_ سهولة استخدامه والتنقل فيه واطلاقه. وهنا يعترف الاحتلال، حسب الموقع العبري، بأنّه "في الروتين لا يكون مدفع الهاون في موقع إطلاق النار لإخفائه عن نظام جمع المعلومات لدى جيش العدو، وأثناء الإطلاق يقوم النشطاء بوضعه في مكانه ثم يطلقون القذائف لبضع دقائق، بعد ذلك مباشرة، يعيدون المدفع إلى مخبأه تحت الأرض لتجنب مهاجمته".
_ ميزة أخرى مهمة جدًا بالنسبة للمقاومة في غزّة التي تعاني من حصار وشحّ في المواد العسكرية وتعتمد على التصنيع المحلي بشكل كبير وخاصة في السنوات الأخيرة، اذ إنّ تصنيع الهاون هو أقل كلفة واستنزافًا للمواد والقدرات من تصنيع الصواريخ الثقيلة. وتصنّع هذه القذائف في القطاع وبكثرة لتأمين مخزون يسمح بإطالة أمد المعركة وتحقيق مزيد من الأهداف. في هذا السياق، ادعى الاحتلال أنّ "هناك المئات من مواقع التخزين في جميع أنحاء قطاع غزة إن لم يكن أكثر".
_ نجحت المقاومة الفلسطينية من إبقاء مخازن الهاون بعيدة عن رصد الاحتلال اذ يذكر الموقع انّه "الرغم من قصف سلاح الجو وجمع المعلومات، ويحاول جيش العدو تدمير مدافع قذائف الهاون ومستودعات الذخيرة قبل الإطلاق من خلال جمع المعلومات الاستخبارية ومهاجمة الهدف، الا أنهم لا يعرفون عنها جميعًا".
أنواع الهاون في غزّة
الهاون المستخدم لدى المقاومة الفلسطينية 3 أنواع:
1/ عيار 60، ويستخدم لاستهداف قوات المشاة أثناء الاشتباك المباشر ضمن الرؤية البصرية.
2/ عيار 81، يستخدم لاستهداف الحشود والتجمعات والمواقع العسكرية.
3/ عيار 120، يطلق أيضًا تجاه الحشود والتجمعات والمواقع العسكرية لكنه ذو فعالية وقوة تفجيرية كبيرة. وهنا ينقل الموقع العبري بأنّ هذا العيار يتمتع "بدقة أكبر ومستوى فتك أعلى مما كانت عليه في الماضي وبالنسبة للمدى القصير أكثر من معظم الصواريخ المرتجلة" (في إشارة الاحتلال للحديث عن الصواريخ محلية الصنع).
زعم N12، أنّ المقاومة الفلسطينية أدخلت هذا النوع من السلاح الى قطاع غزّة منذ العام 2008 بمساعدة إيران وحزب الله".
تستفيد المقاومة الفلسطينية من كلّ أنواع السلاح المتوفرة بين أيديها، لقلب الموازين في الميدان. كما تبتكر في كلّ مرّة تكتيكات جديدة لاختراق إجراءات الاحتلال العسكرية والأمنية وإبقائه ومستوياته في دوامة المآزق.
الكاتب: مروة ناصر