جولة ثانية من المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال بعد اغتيال مصلحة السجون المتعمّد للأسير الشيخ خضر عدنان، الذي كان يخوض معركة الأمعاء الخاوية لليوم الـ 87 وسط تدهور لحالته الصحية. سبقتها جولة سابقة، خلال شهر رمضان ردًا على اعتداء شرطة الاحتلال على المسجد الأقصى وزوّاره بالتزامن مع "عيد الفصح" العبري. وفي المرتين، ثبّتت المقاومة ما تريد تثبيته من معادلات، واحتفظت بالتوقيت والمبادرة للمعركة، مقابل تراجع "ردع" الاحتلال وتصاعد حالة الإحباط في أوساط الجبهة الداخلية من الهجمات الأخيرة على قطاع غزّة.
الوحدة والاستنزاف: هذا ما حققته المقاومة
منذ إعلان خبر استشهاد الشيخ عدنان، الذي على الرغم من انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي الا أنه مثّل رمزًا فلسطينيّا وطنيًا في إعلاء صوت القضية الفلسطينية والحثّ على مقاومة الاحتلال بمختلف الأساليب في كلّ المناسبات، كما ارتبط اسمه بقضية الأسرى، وهي من أهم الثوابت الفلسطينية. لذا كان الرّد على اغتياله معركة الكلّ الفلسطيني دون استثناء، وكانت الجولة العسكرية بقيادة الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية. فتكرّست الوحدة من جديد على عكس مخطط الاحتلال الذي لا يزال منذ معركة "وحدة الساحات" في آب / أغسطس الماضي يرمي الى عزل حركة الجهاد الإسلامي. وهو ما أكّده الصحفي في "يديعوت أحرنوت" العبرية، يوسي يهوشع، في زعمه أنّ "المؤسسة الأمنية كانت تناقش إمكانية عزل الجهاد الإسلامي عن حماس".
من ناحية أخرى نجحت كلّ من القدس والضفة الغربية المحتلّة التي تتكثّف فيها العمليات الفردية وتنهض فيها كتائب ومجموعات المقاومة من تحقيق هدفها الرئيسي، وهو استنزاف جيش الاحتلال وإشغاله. فإنّ تركيز الجيش الذي صبّ على تلك المناطق الحالي جعل من "مصلحة إسرائيل عدم الانجرار لصراع كبير وطويل في غزة"، حسب ما أوضح الصحفي في "يديعوت أحرنوت" العبرية، رون بن يشاي.
جملة من الإخفاقات والانتقادات
أطلقت الغرفة المشتركة أكثر من 100 صاروخ وقذيفة هاون، على حدّ اعتراف جيش الاحتلال، كردّ على جريمة الاغتيال، شنّ على إثرها الجيش سلسلة غارات على قطاع غزّة، لم يختلف فيها السيناريو عن تلك في ليالي شهر رمضان، حين ادعى الجيش أنه هاجم أهدافًا للمقاومة وبنيتها التحتية. وهذه المرّة أيضًا، أظهر حجم العدوان الإسرائيلي أنّ الكيان ليس معنيًا بتوسيع رقعة المواجهة. في حين كانت المقاومة تزيد من مديات الرشقات الصاروخية في اللحظات الأخيرة قبل التوصّل الى إعلان وقف إطلاق النار.
كذلك، لا تزال الأزمة الداخلية المستمرة منذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرّفة الحكم تؤثر سلبًا على "قدرة الجبهة الداخلية على الصمود"، على حدّ تعبير الصحفي "الإسرائيلي". مما يشكّل عائقًا جديّدًا أمام اتخاذ مستويات الاحتلال لقرار تصعيد العدوان، وتنفيذ البرنامج الذي كان اليمين المتطرف قد وعد به المستوطنين وهو "التعامل بحزم مع المقاومة".
أمام استمرار هذا الواقع الذي تفرضه المقاومة في الخارج والذي تفرضه الازمة من الداخل، تتصاعد لجهة الانتقادات التي تتعرض لها المستويات كافة:
_ لفتت "القناة 13" العبرية الى إخفاق جديد للقبة الحديدية، فهي لا تتصدى الا للصواريخ التي تستهدف المناطق المأهولة. في حين أن 48 صاروخًا للمقاومة سقط على مناطق تعتبر غير مأهولة لكنها كانت تضم ورش بناء يعمل فيها عمّال أجانب ومن بين العمّال أصحاب الجنسية الصينية. وهنا يظهر عدم قدرة الاحتلال على "حفظ أمن" الأجانب في الجبهة الداخلية، مما قد يدخله في أزمة "دبلوماسية" مع الدول.
_ نقلت "القناة 14" العبرية نية المستوطنين في "سديروت" (غلاف غزّة) التي أصابتها صواريخ المقاومة محقّقة الأضرار، بتنفيذ مظاهرات احتجاجًا على انعدام الأمن، وقولهم "تلقينا وعودًا باستعادة الأمن، وتنفيذ رد قاس ضد غزة - في الواقع لم يحدث شيء"، وعلّقت القناة أنه "في سديروت غاضبون من الحكومة".
_ انتقد المحلل العسكري لموقع "واللاه" العبري، أمير بخبوط، العدوان الإسرائيلي، فقال: "باستثناء عدة هجمات في ليلة واحدة، ليس هناك أي تغير في الواقع الأمني. القيادة السياسية والجيش لم يقودوا خطوة جديدة في ميزان الردع. الجهاد الإسلامي وحماس أطلقوا رشقات صواريخ ردًا على وفاة الأسير، ومن جانبه رد الجيش على مواقع مختلفة ومن المتوقع أن يعود النقب الغربي لممارسة حياته الروتينية. ما هذه المعادلة"!
المقاومة توسّع الانقسامات الداخلية!
امتنع حزب "عوتسما يهوديت" بزعامة وزير أمن الاحتلال إيتمار بن غفير عن المشاركة عمليات التصويت في "الكنيست" بسبب "رد الحكومة الضعيف ضد غزة"، واحتجاجًا على عدم إشراك بن غفير في المشاورات الأمينة حول العدوان.
فهاجم حزب "الليكود على ذلك بالقول إنّ "رئيس الوزراء ووزير الجيش، والجيش وقوات الأمن هم من يديرون الأحداث الأمنية الحساسة والمعقدة التي تواجهها إسرائيل، ورئيس الوزراء هو الذي يقرر من يشارك في المشاورات، واذا كان هذا غير مقبول للوزير بن غفير فلا داعي للبقاء في الحكومة". مما استلزم ردًا شديد اللهجة من بن غفير الذي قال بدوره متوجهًا الى رئيس الحكومة نتنياهو: "إذا كنت لا تريدنا في الحكومة، فيا مرحبا بهذا القرار".
الكاتب: مروة ناصر